ماذا ينتظر السوريين؟
مقال بقلم ... علياء عثمان عضوة اكاديمية الجنولوجي
خلال الثورة السورية رأينا كيف يتم قلب الحقائق، وكيف يتم تحريف التاريخ، قصة الجولاني هي تعبير عن هذه الحقيقة. فهو الذي خرج من رحم أكثر التنظيمات الإرهابية تطرفاً وفتكاً فانضم لتنظيم القاعدة في العراق وشارك في معارك الفلوجة الأولى والثانية وتأثر بفكر الزرقاوي.
الجولاني أو كما يعرف عن نفسه اليوم أحمد الشرع، ولكن من القصص المختلفة عنه من حيث التسمية ففي بعض المراجع يذكر أسم "عدنان الحاج علي" مواليد 1977 من درعا. كان مدرس لغة عربية، وتذكر مصادر أخرى اسم أسامة العبسي الواحدي وهو من مدينة شحيل من مدينة دير الزور من عائلة أصلها من ادلب، ودرس في كلية الطب لعامين، ويلقب بالفاتح تأثراً بالسلطان العثماني محمد الفاتح.
ولكن هناك توافق أنه كان من طلاب الزرقاوي، انضم للقتال في العراق 2004، وكان يعرف (باسم أمجد الفلسطيني أبو أشرف)، اعتقل في العراق عام 2005 وكان معتقلي الجهاديين يتم فرزهم حسب مرونتهم او تشددهم إلى معتقلين أحدهما أبو غريب وهو يضم العناصر المتشددة التي لا يمكن أن تقبل العمل مع استخبارات الدول الغربية. أما المعتقل الأخر وهو معسكر بوكا الذي يضم جهاديين أكثر مرونة مع الاستخبارات ووضع الجولاني في ذلك السجن وتعرف هناك على أبو بكر البغدادي، وبايع البغدادي وأسس جبهة النصرة فرع سري لدولة العراق الإسلامية، ثم أنفصل عنه في 2013 وعاد لأحضان القاعدة ولكن في عام 2016 قطع علاقته بالقاعدة، وأعلن عن تنظيمه فتح الشام ثم هيئة تحرير الشام 2017، من خلال قراءة تاريخ الجولاني نستخلص رغبته الدائمة بالتفرد بالسلطة وللوصول لذلك يقوم بتغيير ولاءاته، وتميزت مرحلة حكمه في إدلب بتفرده بالسلطة وتصفية معارضيه وخصومه، وتاريخ البغدادي كمجرم على لوائح الإرهاب لا تزال تلاحقه.
هنا لا بد أن نتحدث عن علاقة الهيئة مع الدولة التركية. فتركيا التي لا تزال تعتمد على الإرث العثماني من خلال استغلالها للارتباط الديني للشعب السوري من جهة. ومن جهة أخرى تستفيد من علاقاتها مع الاتحاد الأوربي لتكون الضابط الرئيسي لبوابة أوروبا من قارات آسيا وافريقيا أيضاً. وتركيا التي كانت أرض عبور وتدريب للجهاديين في سوريا، وأيضاً هي بحاجة لتصريف القاعدة الجهادية التي كونتها على أرضها عبر سنوات وتنقلها لسوريا. لذلك سوريا الراهنة هي مصباح علاء الدين بالنسبة لأطماعها التوسعية. وللموقع الجيوسياسي الهام لسوريا لابد من إيجاد حكومة بديلة متوافقة معها، وبنفس القوة تمتلك من الضعف ما يمنعها من فك الارتباط بها على المدى القريب، ولا يمكن لها أن تجد أفضل من قائد حكومة على قوائم الإرهاب لتمرير سياستها، أن الأسلوب التركي للنيل من سيادة الدول لم يتغير بدء من سياسة ناعمة من خلال بوابة الاقتصاد والسياحة انطلاقاً إلى تكوين خلايا ترتبط بها وتتلقى الدعم منها، ويمكن أن تستخدم الجولاني للضغط على الدول الأخرى أردن ومصر والعراق مما يعزز موقفها إقليمياً.
بعد إعلان "هيئة تحرير الشام" عن عملية "ردع العدوان" ضد النظام السوري، سيطرت على دمشق وأطاحت بحكم الأسد، خلال هذه العملية شهدنا التضليل الإعلامي وكيف يتم عرض الجولاني أنه المخلص للشعب السوري المضطهد وقائد سوريا الحديثة، ومن الملفات التي تم استغلالها ملف السجون السورية سيئة السمعة في ذاكرة الشعب السوري، وتم عرض مقاطع مصورة لتحرير سجناء من صيدنايا، ولكن تبين لاحقاً أن بعضها مزور. ان إشارتنا لتزوير الفيديوهات لا يعني أننا ننفي تهمة التعذيب عن النظام السابق فرفاقنا وأقاربنا الذين دخلوا السجون كانوا يصفون كيف يتفنن النظام بتعذيبهم. ولكن "هيئة تحرير الشام" التي ادعت أنها المخلص للشعب السوري من نظام يعذب شعبه حال معاملتها ضمن السجون التي انشأتها لا يختلف عن النظام السوري حيث أنها اتبعت أساليب تعذيب ضمن سجونها ليست أقل قسوة من النظام السوري، وفي مراكز الاحتجاز التابعة لها في الشمال السوري والتي بلغ عددها 46 مركز دائم، هناك 22 أسلوب تعذيب مختلف، وجاء في تقرير الشبكة السورية لحقوق الانسان. مقتل 505 مدنياً على يد الهيئة بينهم 71 طفلاً و77 امرأة، و28 بسبب التعذيب. وبحسب التقرير ما لا يقل عن 2327 شخصاً بينهم 43 طفلاً و44 امرأة لا يزالون قيد الاحتجاز التعسفي أو الاختفاء القسري في سجون الهيئة. ومن المعتقلين كان صحفي أمريكي بلال عبد الكريم الذي اعتقلته الهيئة 2021 وتحدث عن أساليب التعذيب في سجونها.
أن ملف سجون "هيئة تحرير الشام" تم تجاهله عندما سيطر على دمشق، ولم يسمع صوت الأمهات اللواتي خرجن في ادلب ليطالبن بتحرير أبنائهم من سجونها. ومن الانتهاكات أيضا قيام النصرة النسخة القديمة من "هيئة تحرير الشام" بمجازر ضد الدروز السوريين، وشاركت في مجزرة عدرا العمالية بريف دمشق التي ذهب ضحيتها الأطفال والنساء. كما أن هيئة تحرير الشام تشرع الرجم ضمن أحكامها وفي 2021 قامت برجم ثلاث رجال وامرأة. لذلك لا يمكن التنبؤ بالنظام القضائي الذي يمكن أن يتمخض عن هذه الحكومة.
وضع المرأة المستقبلي يبقى مجهول فالرجال يفصلون للمرأة دوراً وهوية تتناسب مع رؤيتهم ويتذرعون أن للمرأة فيزيولوجية ونفسية لا يمكن لها أن تقوم بالعديد من المهام وبالتالي الذي يقرر ما تستطيع أو لا تستطيع القيام به يحدده رجال التشريع، ونحن على ثقة أن مجال المرأة سيتم اختزاله مع الزمن وستكرر النسخة الأفغانية في سوريا. إن آلة الإعلام التابع للجولاني ضخت عشرات الصور والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي لنساء سوريات متيمات بالجولاني ويتغزلن به، لقد حاولت آلة الإعلام أشغال الرأي العام عن وضع المرأة ضمن الحكومة الانتقالية، فبدلاً من رؤيتنا لنساء سياسيات في الحكومة تم إظهار هوية المرأة المتيمة بالرجل والتي تكون مطواعة لأوامره ملغين بذلك تاريخ المرأة السورية ونضالها عبر السنوات.
"هيئة تحرير الشام" تضم عناصر أجنبية من جنسيات متعددة ومع سيطرة الهيئة على المطارات الدولية والموانئ السورية والمعابر البرية، ستتحول سوريا إلى قبلة الجهاديين والتنظيمات المتطرفة التي قد تأخذها قاعدة لعملياتها، أو قد يتم تمرير الجنسية السورية لهم حسب تقدير هيئة تحرير الشام، وأيضا الأموال التي ستضخ لإعادة الأعمار سيكون للإرهاب منها نصيب، وتركيا ستكون المستفيد الأول من هذا التجمع حيث ستعزز دورها كحامية لأوروبا من الجماعات الإرهابية وبنفس الوقت تستخدمها لتهديد الجوار.
سوريا التي تعرف بتنوعها العرقي والديني ستواجه عصراً مظلماً بسيطرة الجهاديين الذين أعلنوها صراحة نحن منهكون ونريد أن نلتقط الأنفاس ونستجمع قوانا، و إلى تحقيق المآرب التوسعية فالتنظيمات الجهادية تعرف بتوجهاتها التوسعية، ولعل سماعنا شعار باقية وتتمدد في أسواق الشام منذ الساعات الأولى للسيطرة على دمشق، ورؤية شعارات التنظيم على أكتاف بعض العناصر هو من المؤشرات على مستقبل سوريا فالجهاديين سيديرون مؤسسات الدولة كافة، وبالتالي ستشهد سوريا بكل طوائفها نظاما شبيها بأفغانستان فالخطاب الأول لمحمد بشير رئيس الحكومة السورية الذي عينه الجولاني كان علم أفغانستان في ظل حركة طالبان وأيضاً هذا العلم يظهر خلف الجولاني في أحد لقاءاته.
إن القوى الوحيدة التي ليس لها مصالح بسيطرة أي تنظيم جهادي على سوريا هي قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية التي تحاربها تركيا بحجة علاقات مع حزب العمال الكردستاني، وهنا لابد من الإشارة إلى أن سياسة الدولة التركية بإبادة الكرد سابقة لإعلان تأسيس الحزب 1987، وتشهد ديرسم ومرعش وغيرها من المدن الكردية على سياسة التغيير الديمغرافي والابادة للشعب الكردي. لذلك تركيا تتخذ من الحزب ذريعة لتبرير احتلالها لأراضي سورية مستفيدة من النزعة القومية باعتبارها تحتل مناطق للكرد وليست للعرب.
تركيا التي كانت جهزت سيناريو داعش لتفريغ المنطقة ولكن باءت مخططاتها بالفشل عندما دافعت وحدات حماية الشعب عن المدينة للقضاء على التنظيم الإرهابي. وتم احتجاز عناصر داعش ضمن سجون شمال وشرق سوريا وهناك مخيم يضم عشرات الآلاف من عائلات التنظيم التي تنتظر الإدارة الذاتية أن تعيدهم الدول التي قدموا منها. وعند سؤال النساء عن الوجهة التي يفضلون الذهاب اليها الجواب يكون تركيا، وهي نفس الوجهة التي يفضلها عناصر التنظيم. فتركيا هي الراعي الرسمي لتنقلاتهم وتدريبهم وتمويلهم، ومحاولة تركيا لا تزال مستمرة لاستعادة القاعدة الجهادية التي كونتها من عناصر وعائلات داعش. وسيطرة تركيا على المنطقة هو متنفس للمحتجزين وبنفس الوقت لا يمكن أن نأمن من مجازر انتقامية بحق سكان إقليم شمال وشرق سوريا.
إن التاريخ يكتب الآن من قبل جماعات متطرفة تصف نفسها أنها حررت المجتمع والتوافق الدولي حولها باعتبارها أمر واقع يبدأ بتزييف الحقائق والاشارة إلى كونها قوى معتدلة يمكن أن تظل كل السوريين، وهو ما يتنافى مع تاريخ هيئة تحرير الشام النسخة الجديدة لتنظيم القاعدة.