لبنان... ورشة عمل تسلط الضوء على حقوق النساء الاقتصادية والمشاركة في أعمال الرعاية

للمرة الأولى في لبنان، تناولت ورشة تدريبية برنامج النسوية في سبيل حقوق النساء الاقتصادية والمشاركة في أعمال الرعاية داخل الأسرة، لا سيما تلك الغير مدفوعة الأجر للمرأة، والتي تشكل مدخلاً للتمييز والعنف الموجه ضد المرأة.

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ ضمن برنامج حول حقوق النساء الاقتصادية والمشاركة في أعمال الرعاية، نفذت جمعية الاتحاد النسائي التقدمي وبالشراكة مع تحالف FEM PAWER، ثلاثة أيام تدريبية في بلدة بعقلين قدمتها المتخصصة في قضايا النوع الاجتماعي راغدة غملوش، وشارك فيها 25 ثنائياً متزوجاً (رجال ونساء).

تضمنت النسخة الأولى من المشروع، ثلاثة أيام تدريبية في بلدة راشيا، تناولت الحقوق الاقتصادية بشكل عام والحقوق الاقتصادية الخاصة بالنساء، وأهمية تشارك الرجل والمرأة في رعاية الأسرة، ونمطية أعمال الرعاية غير المدفوعة الأجر كمدخل للتمييز والعنف ضد النساء، تبعتها النسخة الثانية، التي اختتمت في المكتبة الوطنية في بلدة بعقلين أمس الأحد 16 تشرين الأول/أكتوبر 2022، حيث تم خلال التدريبات توزيع كتيب "تعبك إلو قيمة".

 

"تعبك إلو قيمة"

ويسلط هذا الكتيب الضوء على حقوق المرأة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مجالات العمل والصحة والغذاء والمياه والتعليم والبيئة الصحية والعمل بشروط عادلة والضمان الاجتماعي والملكية، وبالحصول على قروض خدماتية وإنتاجية ضمن حقوق أخرى، وعلى الدولة اللبنانية اتخاذ إجراءات لضمان هذه الحقوق لجهة إقرار القوانين مثل حق النساء بالصحة أثناء الدورة الشهرية وقانون موحد للأحوال الشخصية، وضمانات في مجالات العمل غير المهيكل (الحرف التقليدية والتصنيع الغذائي وغيره"، والتركيز على أن أعمال الرعاية التشاركية وتشمل جميع أفراد العائلة، ما يؤمن العدالة والمساواة والحماية الكاملة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ليس للنساء فحسب، بل لكل أفراد العائلة، وقد شكل هذا الكتيب نواة للمناقشات.

وتلا التدريبات حملة توعوية مباشرة من خلال لقاءات حوارية في المنطقتيْن، بالإضافة إلى حملات مناصرة عبر الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

 

نشر قضايا حقوق النساء والإضاءة على إشكاليات العنف المبني على النوع الاجتماعي

وقالت المتخصصة بقضايا النوع الاجتماعي والمدربة راغدة غملوش "هذه الورشة الثالثة في منطقة بعقلين، والمخصصة للأزواج معاً، بعد ورشة خاصة للنساء وأخرى للرجال، وبعد نشاط مماثل في منطقة راشيا ضمن مشروع أعمال الرعاية والحقوق الاقتصادية للنساء، وبالتعاون مع الاتحاد النسائي التقدمي وجهات عدة أخرى، والتي تمحورت حول نشر قضايا حقوق النساء والإضاءة على إشكاليات العنف المبني على النوع الاجتماعي، ولا سيما الترويج ونشر مفاهيم المساواة الجندرية والعدالة والمشاركة بين الرجال والنساء بأعمال الرعاية داخل الأسرة وما يخص الأطفال أيضاً، والرعاية المنزلية، ولدعم النساء ومشاركتهم بالعجلة الاقتصادية واستمراريتهم بوصولهم إلى الموارد الاقتصادية والاجتماعية".

وأضافت "كان لدينا أكثر من ورشة عمل في مناطق مختلفة من لبنان، وبالمجمل كان التفاعل إيجابيا للغاية، سواء من الرجال والنساء، خصوصاً على المفاهيم التي كنا نحاول إيصالها، أي المقاربة التي تؤثر على تقبل الرسائل التي ننتهجها في ورشة العمل هذه بالتحديد والتي تتمحور حول إشراك الرجال بمناهضة التعنيف ضد المرأة، وليس التوجه إليهم باعتبارهم معنفين، بالإضافة إلى الدفع بعجلة المساواة، وحصول المرأة على حقوقها، فعندما يكون الرجل شريكاً، فحتما سنصل إلى الأهداف التي وضعناها، وسجلنا نجاحاً في هذا المجال، على الرغم من وجود بعض الحالات التي تتطلب مزيداً من الوقت، فالتغيير وبناء المفاهيم ولا سيما تغيير البنى الذهنية، جميعها تحتاج للوقت الطويل، ولكن لا بد من البدء في مكان معين، وبرأيي فهناك تغيير إيجابي وتقبل للأمور".

 

 

المطالبة بالحقوق الاقتصادية للنساء

وقالت عضو الهيئة التنفيذية ومسؤولة الإعلام ومنسقة البرامج في جمعية الاتحاد النسائي التقدمي غنوة غازي "هذا المشروع يتمحور حول المطالبة بالحقوق الاقتصادية للنساء، وهو ضمن حملة كبيرة يقوم بها تحالف FEM PAWER، وهو تحالف إقليمي بين جمعيات نسوية في أربع دول، وهي لبنان، الأردن، فلسطين وتونس، وضمن هذا المشروع يتم تدريب الأزواج (نساء ورجال) على موضوع الحقوق الاقتصادية، وتحديداً أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر وأثرها على الحقوق الاقتصادية للنساء، لأنه تبين وفقاً للدراسات ولتصريح لمنظمة الإسكوا، أن أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر هي مدخل للتمييز ضد المرأة وللعنف الاقتصادي الذي تتعرض له النساء في عالمنا العربي، كون المرأة وبسبب العقلية الرجعية، يفضل أن تكون ملتزمة بالمنزل والعائلة وتقوم بأعمال الرعاية وهي غير مدفوعة، أفضل من قيامها بالعمل خارج المنزل والمدفوع الأجر، وهو ما يؤدي لحرمان المرأة من العديد من الفرص للتطور والإنتاجية والمشاركة في سوق العمل والحياة بالشأن العام".

وأوضحت أن "أهمية هذا المشروع هو استقطاب 50 ثنائياً في لبنان وفي هذا العام تم اختيارهم من منطقتين هما راشيا في البقاع الغربي وبعقلين في جبل لبنان، بمعدل 25 زوجاً من كل منطقة، تم اختيارهم بعد استمارة تقييم مجتمعية، لدراسة مدى وعي القاعدة الشعبية لموضوع الحقوق الاقتصادية للنساء وأهمية الشراكة في تنفيذ أعمال الرعاية داخل الأسرة، وبناء على هذه الاستمارة، تم اختيار عينات من المنطقتين، وخضعت المتدربات والمتدربين لثلاثة أيام تدريبية، كان اليوم الأول مخصص للنساء فقط، والثاني للرجال فقط، أما اليوم الثالث، والذي يصادف اليوم فهو مخصص للنساء والرجال معاً".

وبينت أن "الهدف من هذه التدريبات تعزيز روح الشراكة داخل الأسرة بين الرجال والنساء، وهذا الأمر يساهم بإعطاء المرأة القدرة على القيام بأعمال خارج أسرتها، وتعزيز طموحها، بالتخصص في مجال جديد أو إكمال مراحل تعليمها، أو الفرصة للحصول على حياة اجتماعية على مستوى معين، وأن يصبح لديها الفرصة لتنفيذ كل هذه الأعمال، بوجود شريك فعلي لها داخل المنزل، حيث يتم خلال فترة التدريبات تمرير مفهوم أن الرجل بحاجة لشريكة حقيقية، وليس لمدبرة منزل فقط، والنساء بحاجة لشريك فعلي حقيقي في كل تفاصيل الحياة وليس لممول فحسب، لذا فالهدف الأبعد لهذه التدريبات هو تعزيز روح الشراكة الفعلية بين الجنسين لإتاحة الفرصة أمام الطرفين للتمتع بحقوقهما الاقتصادية بشكل متساوي".

 

 

وأشارت إلى أنه "عندما نتحدث عن حقوق اقتصادية، فهي ليست متعلقة بالإنتاجية في سوق العمل فحسب، فالحقوق الاقتصادية تتضمن الحق في الصحة، التعليم، العمل والإرث والكثير من الحقوق الأخرى، ومنها الحق بالوصول إلى الموارد المالية وحرية التحكم بها، وفي عالمنا العربي أثبتت الدراسات أن المرأة أقل بكثير من الرجل في الوصول للموارد المالية، وحرية التحكم بها، والدليل على ذلك أنه من خلال التدريبات شهدنا أن عدد من النساء تخرجن إلى سوق العمل وتمارس عملاً مدفوعاً، ولكن يظل هناك تحكماً من الزوج بكيفية إدارة هذه الأموال، لذا فإن الهدف الثاني من هذا التدريب هو تعزيز الاستقلالية المادية للمرأة، وتعزيز ثقتها بنفسها، وأن لها كامل الحق بالوصول لهذه الموارد وإدارتها باستقلالية تامة".

ونوهت إلى أن "المشروع مستمر لمدة أربع سنوات، وستشهد كل سنة التدريبات نفسها في منطقتين مختلفتين يتم اختيارهما، حيث سيترافق المشروع مع دراسة مفتوحة تجريها باحثة، تقوم باتصالات دورية مع المتدربين والمتدربات، بهدف دراسة تغير السلوكيات داخل الأسرة، وعلى تعزيز الشراكة الفعلية، وحول وصولهم للنتائج المرجوة، خصوصاً وأن عملنا مع المجموعات لا ينتهي بالتدريب، بل هو نقطة البداية، فهم صناع وصانعات تغيير داخل مجتمعاتهم، وسنلتقي معهم كجمعية بصورة دورية، وسيساهمون معنا بالمشاركة لتيسير التدريبات في المناطق، خصوصاً وأنه بعد انتهاء جلسات التدريب سيتبعها جلسة توعية تدعي لها القاعدة العامة الشعبية، بحيث يكون المتدربين والمتدربات مؤثرين في مجتمعاتهم، ومتحدثين في جلسات التوعية هذه".

وأوضحت غنوة غازي بعض الأمثلة خلال التدريبات "خلال التدريبات اكتشفنا أهمية زرع بذور التوعية في العائلات والأسر عن حقوق المرأة الاقتصادية، لأنه موضوع جديد، ولا يتحدث عنه الناس، فمثلاً لدى بعض العائلات في مجتمع زراعي مثل راشيا، اكتشفنا أن نسبة الشراكة بين الرجل والمرأة كبيرة في بعض العائلات وحتى في أعمال الرعاية، وهي أمثلة يبنى عليها، ولكن بعد خضوعهم لهذا التدريب، ورغم المشاركة في الأعمال الزراعية وتسويقها، لكن المرأة لا تحصل على حقوقها الاقتصادية بالمساواة مع الرجل، أي أن الرجل ما زال هو المدبر لشؤون البيت المالية، وهو الذي يقرر من يصرف هذا وعلى ماذا، أي أن القرار المالي لا زال بيد الرجل، وهنا تأتي أهمية هذا التدريب بالنقلة النوعية في الوعي والتغيير بالعقلية، وهو ما يدفع الرجل للاعتراف بأنه لم ينصف زوجته اقتصادياً، وأنه سيعمل على نفسه ليؤمن لها نسبة من هذا المدخول تكون لها حرية التصرف به".

وأضافت "هناك قصة ثانية، لرجل مغترب لسنوات طويلة، وكان يعتبر أنه متقدم بأفكاره، ليكتشف خلال التدريبات بأنه لم ينصف زوجته بموضوع الوصية والإرث، ووعد بعد التدريبات بأنه سيخصص لزوجته بإرث مستقل عن الأولاد لحفظ استقلاليتها، ونستعيد هذه التجارب، لنؤكد أنه من المهم زراعة الوعي في موضوع الحقوق الاقتصادية، لأنه موضوع جديد والناس تطبع مع عدم المساواة، أي تعتبر أن عدم المساواة هو الأمر الطبيعي، وبالتالي فزرع بذور الوعي تبدأ بأن تشهد التغيير، وهذا الأمر لا يقتصر على المشاركين فيه، بل ويتوارث عبر الأجيال، ومن هنا سيؤثر على الأولاد داخل هذه الأسر، كون الأولاد يأخذون القدوة من الأب والأم، خصوصاً عندما يجد أن الأم والأب شركاء حقيقيين، نؤسس لشركاء فعليين في المستقبل، فعندما يشهد الطفل الذكر والده كشريك حقيقي، وهو يمارس أعمال الرعاية وبدون حرج مع والدته، سيكبر ويقوم بالمهام المطلوبة منه داخل الأسرة، والأمر ينطبق كذلك على الطفلة الأنثى، عندما تشاهد أن أمها تتمتع بكامل حقوقها، وليست محصورة بواجبات منزلية تحت عنوان الرعاية، فسيكون لديها وعياً أكبر بحقوقها وطموحها وستناضل من أجل الحصول عليها كاملة في المستقبل".

وقالت المشاركة في التدريبات والناشطة في المجال الاجتماعي وعضو في جمعية الاتحاد النسائي التقدمي وجمعيات عدة في لبنان عليا العسل أبو حمدان "من هواياتي العمل الاجتماعي ومساعدة المجتمع وعلى جميع الأصعدة الاقتصادية والبيئية وغيرها، لدي ثلاثة أولاد، تخرجوا من الجامعات، وأقوم بكامل مسؤولياتي داخل المنزل بالإضافة لعملي خارجه، وهو أمر يرضي زوجي وعائلتي ومحيطي، فليس ثمة تقصير في هذا المجال".

وأوضحت أن "المشاركة بالورشة كانت ناجحة للغاية، وتناولت الجندر والمساواة بين الرجل والمرأة والتعريف بالحقوق للجنسين، وانعكس إيجابيا علينا، وهو ما أطبقه داخل منزلي".

 

 

"الإضاءة على وضع المرأة السياسي"

أما المشاركة سومارا غنّام قالت "التدريبات كانت جيدة وأتمنى تكرارها وتوسعها في جميع المناطق، وأن نجتمع ونخالط مناطق أخرى في لبنان وبشكل عام لأن المواضيع والقضايا التي تم البحث بها، هي مواضيع عامة ومهمة لكل امرأة وقضاياها، وللأسف، لا زال هناك نساء كثيرات غير متعلمات وغير قادرات على الوصول إلى ما تردنه وخصوصاً في ظل الظروف التي يتعرض لها لبنان".

وأضافت "الإضاءة على وضع المرأة السياسي مهمة جداً، فعلى المرأة أن تكون ضمن حزب معين أو جمعية ونطاق معين للوصول إلى المراكز، وأنا شخصياً ضده كليا، فالشخص يجب أن يصل بناء على علمه ومشاركته ووعيه وإدراكه، والأهم أن تتشجع النساء انطلاقا من مجتمعها وبيئتها، ووضع المنطقة بغض النظر عن الأحزاب والمحيط إلى مراكز مثل رئاسة البلدية، مثلما تم تسجيله في بعض البلدات، وهو ما يجب تشجيعه لدى النساء، والأهم الانفتاح من المجتمع لحقوق المرأة والالتزام بما خلصت إليه التدريبات، وهنا أود لفت النظر إلى ما تعاني منه بعض النساء لجهة قلة المعرفة مثلاً بالحقوق الصحية، فتزويج القاصرات بعمر 16 وحتى 18 سنة، فهي ليس لديها الإدراك الكافي بتأسيس أسرة، فلا يقتصر عملها على الطبخ والتنظيف فحسب، ومثلما كان يتم سابقاً، لجهة تعليمها حرفاً يدوية كالخياطة ودورات الصليب الأحمر للإسعاف المنزلي، وغيرها من الأمور الصغيرة والتي تعتبر تافهة، ولكنها مهمة للغاية".

 

 

وقالت الموظفة السابقة وعضو الاتحاد النسائي التقدمي هلا منذر "أنا ربة منزل، وخضعت لهذه التدريبات التي تتمحور حول المطالبة بالحقوق الاقتصادية للمرأة، وهي دورة إيجابية وأثرت علي كثيراً، وقد شهدت نقلة نوعية داخل منزلي من خلال زوجي، حيث بدأ يهتم بأمور كان يطلبها مني، وأنصح كل امرأة ورجل الخضوع لمثل هذه التدريبات وخصوصاً في ظل المجتمع الرجعي المسيطر".

 

وأضافت "أنصح النساء والأمهات اللاتي تبدأن حياتهن ضمن عائلة جديدة، بأن تربين أطفالهن، بأن تبدأن بالعمل على تطبيق مبدأ الشراكة بين الجنسين، وألا تميزن بين الذكر والأنثى، والتعامل معهم بنفس الطريقة وأن توجههم بنفس التوجه، وبطريقة حضارية وواعية".