خطة عمل استراتيجية تدعو إلى تفعيل آليات عمل نقاط الارتكاز الجندري في لبنان
بعد مضي سنتين من إطلاقه، خلص تقرير "خطة عمل الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة والفتاة 2019-2029"، إلى ضرورة تفعيل دور وآليات عمل نقاط الارتكاز الجندري في الوزارات والمؤسسات العامة والعمل مع السلطتين التشريعية والتنفيذية
بيروت ـ بالرغم من إقرار قانون تجريم التحرش الجنسي، وتعديل قانون العنف الأسري، إلا أن القوانين لا تزال مجحفة بحق النساء والفتيات في لبنان، بحسب تقرير "خطة عمل الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة والفتاة 2019- 2029".
أطلقت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية وصندوق الأمم المتحدة للسكان واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا)، تقريراً حول مسار تنفيذ "خطة عمل الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة والفتاة 2019- 2029" ضمن لقاء افتراضي.
وكان وزير الدولة لشؤون المرأة قد أطلق في التاسع من شباط/فبراير عام 2019، الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة والفتاة، التي تم إعدادها عبر اعتماد سياسة تشاركية واسعة، وقد تأخر عرض هذه الاستراتيجية على مجلس الوزراء لدراستها وإقرارها، نتيجة التغير الحكومي الذي شهده لبنان منذ تاريخ هذا الإطلاق.
وفي اللقاء الافتراضي قالت كاتبة العدل رندة عبود أن "هدف تحرير النساء من الخوف أولوية، لكي تتمكن المرأة من تحقيق تطلعاتها، ولتستطيع القيام بأدوارها المجتمعية المتنوعة، من خلال ثقتها بأن القانون يحميها، وبأن القضاء ينصفها، وبأن الخدمات متوفرة لها عند الحاجة".
وأوضحت أن "مكتب وزير الدولة لشؤون المرأة منذ العام 2019 وضع الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة والفتاة في لبنان 2019- 2029 بالشراكة مع UNFPA والإسكوا، كما وضع خطة لتنفيذها"، مشيرةً إلى أن "الهيئة الوطنية لشؤون المرأة تتابع مسار تنفيذ هذه الخطة".
ولفتت إلى أن هذا التقرير يندرج ضمن نهج "الرصد والتقييم" الذي تنتهجه الهيئة وشركاؤها، لتقييم السياسات التي تعتمدها لتحقيق أهداف المساواة بين الجنسين، بغية العمل على تصحيح مسارها عندما يكون من الضروري إجراء هذا التصحيح، مشيرةً إلى أن "الهدف من وضع استراتيجية وطنية لمناهضة العنف ضد المرأة، التوصل إلى تشارك فعلي بين مختلف الأطراف في رؤية موحدة للتعرف على ظاهرة العنف التي تتعرض لها النساء في مجتمعنا، من حيث انتشار هذه الظاهرة وتوصيفها ورصد جذورها وتوفير الحماية لضحاياها والعمل لمكافحة انتشارها، إذ أن تعزيز أوضاع المرأة في المجتمع، يتطلب قبل أي شيء آخر، حماية النساء من خطر التعرض للعنف، وتوفير الدعم والحماية والمساعدة لهن، عند تعرضهن لحالات عنف".
ونوهت إلى أن الهيئة ركزت أولاً على الجانب التشريعي في الموضوع، ونجحت بالتعاون مع لجنة المرأة والطفل البرلمانية والمنظمات غير الحكومية المعنية، في إقناع البرلمان بتعديل قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري.
وأشارت إلى أن البرلمان أقدم على تجريم التحرش الجنسي، وتعمل الهيئة اليوم بالتعاون مع الجهات المعنية على تعديل قانون الإتجار بالبشر، وتسعى مع النواب إلى وضع قانون مدني يحظر زواج القاصرات.
وأضافت "اهتمت الهيئة بتحسين فرص النساء المعنفات في الوصول إلى العدالة، وأتى استحداث الخط الساخن لقضايا العنف لدى مديرية الأمن الداخلي، وقد نظمت الهيئة عدة لقاءات مع القضاة والمحامين المعنيين بقضايا العنف، بغية التوصل إلى تحديد الثغرات في قانون الحماية من العنف الأسري ومعالجتها، وتحسين الخدمات التي تتوفر للضحية".
وتتعاون الهيئة مع شركائها ومع وزارة الشؤون الاجتماعية لاعتماد وتطبيق معايير محددة لإنشاء وتشغيل ملاجئ خاصة بالنساء المعنفات كما أوضحت رندة عبود التي أشارت إلى أن الهيئة تعمل على تطوير آليات رصد مختلف حالات العنف ضد النساء، للتعرف على ظروف ونوع هذه الحالات، وعلى تطور النظرة المجتمعية إليها.
فضمن هذا النطاق، يدخل مشروع "باروميتر" العنف ضد النساء، كما أن مشروع المرصد الوطني للمساواة بين الجنسين الذي تقوم به الهيئة بالشراكة مع برنامج الاتحاد الأوروبي لتمكين النساء، تناول أيضاً دراسة جذور هذه الآفة والظروف المحيطة بها. إضافةً إلى أنها "أنجزت لهذا الغرض معجماً خاصاً بقضايا العنف والنوع الاجتماعي".
وأوضحت أنه "من الأهداف الاستراتيجية لخطة العمل الوطنية لتطبيق القرار 1325 التي تبنتها الحكومة اللبنانية في أيلول 2019؛ وقاية النساء والفتيات من العنف المبني على النوع الاجتماعي وحمايتهن منه".
وفي مداخلتها أشارت مديرة مكتب صندوق الأمم المتحدة للسكان أسما قرداحي إلى نجاح "هذا التقرير في تقييم مسار تنفيذ خطة العمل الأساسية لتنفيذ هذه الاستراتيجية من قبل مختلف الأطراف المعنية".
وأضافت "بالرغم من النواحي الإيجابية الواردة في التقرير، وبالرغم من إقرار قانون تجريم التحرش الجنسي، وتعديل قانون العنف الأسري، إلاّ أن القوانين لا تزال مجحفة بحق النساء والفتيات، لذلك، يعتبر التمييز ضد المرأة قضية اجتماعية عميقة الجذور لها تأثير كبير على قوانين الأحوال الشخصية، والجنسية، والضمان الاجتماعي، والعمل، والمحاكم المدنية، وقوانين الميراث وغيرها، بالإضافة إلى القيم الاجتماعية التي تحول دون التقدم والتطوّر في بعض الأحيان وفي بعض المجتمعات فضلاً عن الثغرات المرتبطة بتطبيق القوانين في ظل المنظومة الذكورية السائد".
وفي مداخلتها قالت رئيسة قسم المرأة في الاسكوا ندى دروزة "إن اعتماد استراتيجيات وسياسات وطنية متخصصة بقضايا لها علاقة بتطوير وضع المرأة، تبقى لها أولية في العمل. فالإطار القانوني لا يغني عن سياسة وطنية متخصصة. إذ تسهم السياسة الوطنية بإسناد القانون وتأطيره بشكل عملي وردفه بالبرامج على كافة المستويات".
وأضافت "بالرغم من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تواجه لبنان ونتائج جائحة كورونا والإجراءات المرتبطة بها التي أثرت على واقع العنف ضد المرأة من جهة وعلى الجهود الرامية لمعالجة أسباب العنف وآثاره، إلا أن قضية مناهضة العنف بقيت من أولويات الجهات الحكومية وغير الحكومية المختلفة".
وخلال اللقاء عرضت الدكتورة مارغريت حلو التي أعدت التقرير مسار تنفيذ "خطة عمل الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة والفتاة 2019-2029" وتطرقت إلى أهداف التقرير، والهدف الاستراتيجي الأول حول وقاية فعالة للنساء والفتيات ضدّ مختلف أشكال العنف".
وعلى أهميتها تعاني القوانين التي تشكل الأطر الحمائية للمرأة من العنف من ثغرات مهمة في المضمون من جهة، وفي التنفيذ من جهة أخرى بفعل غياب الرقابة التشريعية على تنفيذ القوانين كما أوضح التقرير، ولا زال هناك حاجة ماسة إلى تعديل وسن العديد من القوانين التي نصت عليها خطة العمل.
ملخص التقرير التنفيذي
ووفقاً للتقرير المكون من 99 صفحة، شكلت ثلاث وثائق مترابطة الأرضية الرئيسية للتحليل الوارد فيه وهي الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة والفتاة في لبنان (2019 ـ 2029) والتي تم إطلاقها في بداية العام 2019، الخطة الوطنية لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات في لبنان (2019 -2021) والتي صدرت بالتزامن مع الاستراتيجية وبترابط عضوي بينهما، بالإضافة إلى مصفوفة تم تطويرها بعنوان "مقترح لرصد وتقييم تطبيق الخطة الوطنية لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات في لبنان" التي تم إعدادها في كانون الأول/ديسمبر من عام 2019 تحت إشراف الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية.
ولفت التقرير الذي بني على مقاربة تحليلية للمعلومات الأولية التي تم جمعها من المعنيين بتنفيذ خطة العمل ومن مراجعة الأدبيات المتوفرة لتوثيق وتقييم عمل مختلف الجهات المعنية، وتضمن عملية جمع المعلومات من مصادر عدة، إلى عقبات عدة واجهت عملية إعداده تعود بمعظمها إلى التدهور الحاصل في الأوضاع الاقتصادية منذ نهاية عام 2019 وتداعيات جائحة كورونا، وسياسات الإغلاق، وتداعيات انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب/أغسطس عام 2020، وكان لهذه الأوضاع أثرها على عمل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية وتواجد الموظفين/ات فيها.
ويكتسب هذا التقرير أهمية خاصة في ظل تداخل وتفاعل تداعيات الأزمات الأخيرة التي شهدها لبنان وكذلك الجائحة والتي أدت إلى تنامي ظاهرة العنف ضد المرأة والفتاة، حيث عانت أكثر من الرجل من السياسات التي اعتمدها أرباب العمل في القطاع الخاص، الرسمي وغير الرسمي، لمواجهة الأوضاع كالتسريح النهائي أو المؤقت من العمل و/أو الاقتطاع من الرواتب.
في السياق عينه، أظهر التعلم عن بعد الفجوة الرقمية والتمييز ضد الفتيات ضمن العائلة لجهة توفير مستلزمات هذا التعلم، وارتفعت نسب التسرب المدرسي خاصة في أوساط النازحين والجماعات المهمشة.
وقد طالت تداعيات الجائحة والأزمات الصحة الجسدية والنفسية الفتيات إجمالاً، وتراجعت مقدرتهن على الحصول على خدمات الصحة الإنجابية والجنسية، كما ارتفعت شكاوى التحرش والابتزاز الإلكتروني بنسبة 307.5% بين عامي 2019 و2020.
وقد أثار ارتفاع نسب التسرب المدرسي خلال الأزمات، وبخاصة في أوساط النازحين والجماعات المضيفة، مخاوف المراقبين من ارتفاع في نسب زواج القاصرات، كذلك ارتفعت عدد حالات العنف الأسري المبلغ عنها بشكل غير مسبوق، خاصة خلال أشهر التعبئة العامة، وازداد الارتفاع في عدد الحالات الجديدة بعد انفجار مرفأ بيروت، ورغم مشاركة النساء الفاعل في الاحتجاجات الشعبية، تراجع عدد النساء في الحكومة، واستبعدن عن لجان وضع خطط الإصلاح والتعافي، ولم ينجح المجلس النيابي في إقرار الكوتا النسائية في قانون الانتخاب.
وقد عملت الهيئة الوطنية للمرأة اللبنانية على تنفيذ ما نصت عليه خطة العمل، وذلك عبر إحدى اللجان التنسيقية الأربع التي انبثقت عن اللجنة الوطنية التسييرية التي شكلتها لتنفيذ الخطة الوطنية لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1325.
وخلص التقرير إلى استنتاجات وتوصيات أهمها إدارة الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة وكاستراتيجية قائمة بذاتها، وليس كهدف من أهداف تنفيذ القرار 1325 والتوعية حولها، وإعطائها الأولوية لضمان التنسيق والتعاون بين مختلف الأطراف، إنشاء بنك معلومات وطني حول العنف ضد المرأة والفتاة، تفعيل دور وآليات عمل نقاط الارتكاز الجندري في الوزارات والمؤسسات العامة والعمل مع السلطتين التشريعية والتنفيذية لدعم ما نصت عليه الاستراتيجية سواء لجهة إقرار القوانين ونقاط عدة غيرها.
أما الجهات المانحة، فقدمت التوصيات التالية "زيادة الدعم التقني والبشري والمادي لمؤسسات الدولة والمجتمع المدني الناشطة في مجال مناهضة العنف ضد المرأة والفتاة وبخاصة تلك التي تقدم خدمات الاستجابة والحماية والتمكين الاقتصادي، وإيلاء المنظمات النسائية المحلية الصغيرة العاملة على مستوى القاعدة الشعبية اهتماماً أكبر في تقديم مختلف انواع الدعم وتنفيذ البرامج والمشاريع التي تهدف الى مناهضة العنف ضد المرأة والفتاة، تعزيز آليات التعاون والتنسيق لتفادي تعدد الدراسات والاستراتيجيات والتقارير للحد من هدر المال والوقت والجهد ودعم اجراء دراسات مبنية على الاحتياجات، تقديم الدعم اللازم للقوى الأمنية لاستكمال المكننة وتزويدها بالبرامج والأجهزة المطلوبة لربط القطعات الإقليمية بشبكة المعلوماتية في المديرية وتفعيل عملها في مجال توثيق حالات العنف وتتبعها، وتقديم الدعم لمؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني على سد الفجوة الرقمية بين النساء والرجال.
وبالنسبة إلى التوصيات التي تقدم بها المجتمع المدني، فجاء فيها "التعاون مع الهيئة الوطنية والوزارات المعنية في وضع لائحة بأولويات العمل في مجال مناهضة العنف ضد المرأة والفتاة بهدف ترشيد سياسات الجهات المانحة للحد من الازدواجية والهدر، إعادة النظر في برامجها وأولويات عملها لتكون منسجمة مع الأهداف الاستراتيجية والإجرائية للاستراتيجيات الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة والفتاة والمخرجات الخاصة بها، عمل مراكز الأبحاث النسائية في الجامعات على إجراء دراسات تعتمد الوسائل والمؤشرات العلمية لتحديد أثر حملات التوعية واقرار القوانين ودورات وموارد التدريب في تحقيق اهدافها المرجوة في تغيير المواقف والسلوكيات، وإقامة الشراكات من أجل تحقيق معالجة فعالة للعنف ضد المرأة.