"حرية الحقول"… حكاية لاعبات ليبيات لكرة القدم كسرن حاجز الخوف
ضمن فعاليات سلسلة العروض السينمائية التي تنظمها مؤسسة "دار بلارج" بمدينة مراكش المغربية، تم عرض الفيلم الوثائقي "حرية الحقول" للمخرجة الليبية نزيهة عربي، الذي تناول نضال الفتيات الليبيات من أجل الحصول على حقهن في ممارسة كرة القدم.
رجاء خيرات
المغرب ـ أكدت المشاركات في عرض الفيلم الوثائقي "حرية الحقول" على أهمية الصمود والتحدي في مواجهة القيود المجتمعية التي تعيق ممارسة النساء لكرة القدم، كما رفضن الصورة النمطية التي تربط بين المظهر الخارجي وكفاءة اللاعبات "أصبحت كرة القدم النسوية تحظى باهتمام واسع وتفرض نفسها بقوة على الساحة الرياضية".
نظمت مؤسسة "دار بلارج" التي تعنى بالثقافة والتراث دورة سينمائية حول "الأحلام المسموح بها" حيث تم خلالها عرض الفيلم الوثائقي "حرية الحقول" للمخرجة الليبية نزيهة عربي، أمس الأربعاء الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر بمقر المؤسسة بالمدينة العتيقة بمراكش، لقي الفيلم تفاعلاً كبيراً من الحضور، من بينهم لاعبتين من نادي "فينيكس" لكرة القدم النسوية بمراكش، استعرضتا تجربتهما في احتراف كرة القدم رغم التحديات والصعوبات التي يفرضها المجتمع الذكوري، والذي لازال يتعامل باستخفاف بمهارة النساء اللاعبات.
وتدور أحداث فيلم "حرية الحقول" في مرحلة ما بعد الثورة الليبية التي أطاحت بنظام العقيد معمر القذافي، حيث غرقت البلاد في دوامة من الفوضى والصراعات الداخلية، وسط هذا الواقع المضطرب تبرز مجموعة من الفتيات الليبيات اللواتي تقررن التمرد على القيود المجتمعية والنضال من أجل حقهن في ممارسة كرة القدم والمشاركة في البطولات الدولية.
ويسلط الفيلم الضوء على رحلة ثلاث فتيات تحدين الصمت وفرضن وجودهن في مجال كرة القدم النسوية، رغم استسلام الاتحاد الليبي لكرة القدم لضغوطات التيار المحافظ الذي فرض قوانينه بالقوة على المجتمع وبفضل عزيمتهن وإصرارهن، تنجحن في تجاوز الحواجز المفروضة عليهن، وتشاركن في بطولة عربية تقام في لبنان، متحديات الحصار والتضييق والمنع.
وجسّد الفيلم لحظات مؤثرة لانتصار النساء وكسر القيود التي حاول "داعش" فرضها على المجتمع الليبي تحت غطاء "الشريعة الإسلامية"، في مواجهة هذا الفكر المتشدد، حيث ارتفعت أصوات الفتيات عالياً تطالب بالحرية، مؤكدات أن العديد من الدول التي تعتمد الشريعة الإسلامية تمتلك فرقاً نسوية في كرة القدم، ما يدحض الذريعة التي تُستخدم لقمعهن، ومن أبرز لحظات الفيلم تصريح إحدى البطلات التي تقول "كلما جريت داخل الملعب كسرت حاجز الخوف".
"الأحلام المسموح بها"
على هامش العرض، قالت منسقة الدورة السينمائية سارة مونية كشيري، إن هذا العرض يدخل في نطاق عروض تتعلق ببرنامج يُعنى بالمساواة بين الجنسين، كما أنها تدخل ضمن سلسلة من الأفلام السينمائية حول "الأحلام المسموح بها" والتي تسلط الضوء على أحلام النساء، ومدى إمكانية التمتع بحق الحلم وحق تحقيقه.
وأضافت أن البرنامج سبق أن عرض فيلم "أمهات" للمخرجة المغربية مريم بكير، والذي يتناول ظاهرة الأمهات العازبات، كما يُعرض اليوم فيلم "حرية الحقول" الذي يسلط الضوء على الكرة القدم النسوية في ليبيا خلال فترة الربيع العربي وما تلاها من كوارث اجتماعية وسياسية، ثم آخر فيلم سيتم عرضه الأسبوع المقبل تحت عنوان "تحت شجر التين" وهو عمل يتناول أحلام الشباب وعلاقاتهم المعقدة فيما بينهم.
كرة القدم النسوية… صمود وتحدي
من جهتها، شاركت اللاعبة راوية بلمقدم، حارسة مرمى، تجربتها الشخصية التي تتقاطع مع بطلات الفيلم، قائلة، إن هناك العديد من النقاط المشتركة بينها كمحترفة كرة قدم نسوية وبين بطلات الفيلم، حيث يبقى الصمود والتحدي صفات ينبغي أن تتوفر لدى لاعبة كرة القدم، خاصة في مجتمعات ذكورية ترى في النساء دخيلات ومقتحمات لمجال رجالي بامتياز.
وأوضحت أن بدايتها في عالم كرة القدم لم تكن سهلة، إذ واجهت رفضاً شديداً من والدها الذي لم يتقبل فكرة أن تمارس ابنته رياضة يعتبرها حكراً على الرجال، كان اقتناعه راسخاً بأن كرة القدم لا تليق بالنساء، ما شكّل لها تحدياً كبيراً في بداية مسيرتها، لكنها لم تستسلم بل تمسكت بحلمها بإصرار وواصلت التدريب والمشاركة حتى التحقت بالمنتخب الوطني النسوي وشاركت في بطولات دولية عديدة، مشيرةً إلى أن هذا النجاح الميداني لم يكن مجرد إنجاز رياضي، بل كان دليلاً ملموساً على قدرتها، ما دفع والدها وكل من عارضها في البداية إلى تغيير موقفهم والاعتراف بأن شغفها لن ينطفئ، وأنها لن تتخلى عن حلمها مهما كانت الظروف.
ولفتت الانتباه إلى وجود لاعبات متزوجات ولديهن أطفال، ما يثبت أن لعب كرة القدم لا يتنافى مع أدوار الأمومة أو الحياة الأسرية، داعيةً الفتيات للتمسك بأحلامهن وعدم الالتفات إلى الانتقادات التي غالباً ما تطال النساء في هذا المجال "أن كرة القدم النسوية لم تعد هامشية، بل أصبحت تفرض نفسها بقوة على الساحة الرياضية، وتحظى بمتابعة جماهيرية واسعة تشمل الرجال أيضاً".
تغيير في العقليات
بدورها أكدت اللاعبة بنادي فينيكس المراكشي فاتحة فاتح أنها وجدت نفسها منذ سن مبكرة تلعب الكرة مع أطفال الحي حيث برزت موهبتها الكروية بشكل ملفت، وهو ما دفع الجيران إلى أن ينصحوا والدها بإلحاقها بأحد الأندية لاحتراف كرة القدم، وهو بالفعل ما تم بعد أن اقتنع الأب بموهبة ابنته وتعلقها بكرة القدم.
وحول رفض الآباء احتراف بناتهم كرة القدم، أكدت أن العقليات تغيرت كثيراً منذ مشاركة المنتخب المغربي النسوي في بطولة كأس العالم الأخيرة، لا سيما بعد إحرازهن الفوز في مرات كثيرة، كل ذلك جعل الآباء يؤمنون بمواهب بناتهم، بل ويسعون لكي يلحقوهن بأندية محترفة.
وارتباطاً بأحداث الفيلم، أكدت أن هناك العديد من العناصر المشتركة بين اللاعبات في المغرب وليبيا، منها النظرة الدونية للاعبة كرة القدم، لكن بطلات الفيلم مررن رسالة قوية عن الصمود والسعي وراء تحقيق الحلم، من خلال تحديهن لظروفهن، حيث كن تتدربن أثناء الليل وفي انعدام تام للأمن، لتصبح كرة القدم بالنسبة لهن مغامرة محفوفة بالمخاطر.