حرب تقام على أجساد النساء... كيف تجابهها الحركات النسوية؟
نددت المشاركات في مؤتمر تحالف ندى، بـ "سطو" الإسلام السياسي على أجساد النساء بالرغم من محاولات التحرر في مناطق ملتهبة بالصراعات وأخرى تحكمها سياسات لا تؤمن بتعدد الأصوات.

زهور المشرقي
السليمانية ـ لا يختلف اثنان على ضرب الإسلام السياسي في شمال أفريقيا والمنطقة لحقوق النساء حيث سعى الاسلاميون لجعل أجساد النساء طريقاً للوصول للسلطة وفرض نظام مجتمعي يتماشى و"مبادئهم"، ومشروعهم المعارض للمشروع الديمقراطي الذي انتفضت الشعوب من أجله.
يحاول الإسلام السياسي تثبيت أسس الدولة الإسلامية في المنطقة والتي كانت موكولة للجهاز السياسي الذي نجح في الوصول إلى السلطة باعتماد سلاح الفتنة التي تقاتلت حولها المجتمعات باستعمال "أجساد النساء وتشويهها" بطرح مسألة تعدد الزوجات وفرض النقاب والتراجع عن الحق في الاجهاض في بعض الدول وختان الفتيات وغيرها من المآسي التي عاشتها النساء.
وتمحورت الجلسة الأولى لمؤتمر تحالف ندى الذي يعقد بمدينة السليمانية بإقليم كردستان حول "الحرب العالمية الثالثة إبادة غير معلنة ضد النساء"، ولاقت تفاعلاً من قبل الحاضرات اللواتي أجمعن أنهن ضحايا لصعود اليمين المتطرف في أغلب بلدان العالم وانعكاسه على منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط لارتباطها التاريخي والاجتماعي بها، ذلك الصعود الذي مس أساساً حقوق النساء ومكاسبهن ولوحظ أيضاً التراجع في مستوى التشريعات الملغية للتمييز والمكرسة للمساواة.
وتعيش النساء صراعات مسلحة وتحولات وانهيارات اقتصادية تحولت إلى جهاز حرب ضدهن يُشرعن للعنف ويجمع الحريات، وتتعايشن ضمن أنظمة حولت اجسادهن إلى ساحات معركة، وأجمعت الحاضرات على وجود حرب دولية حقيقة مُعلنة تقام على أجساد النساء اللواتي لازلن تقاومن على الرغم من الأذى والعنف المضاعف.
النساء تحملن عبء الصراعات
وقالت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات رجاء الدهماني، إن المؤتمر ليس مجرد لقاء بل هو إعلان عن وحدة مصير النساء في شمال أفريقيا والمنطقة وعن ضرورة تنسيق الجهود واستكمال المسار النضالي، لافتةً إلى أن النساء تعشن ما يمكن تسميته بالحرب العالمية الثالثة أو الحرب غير المعلنة الموجّهة تحديداً ضد النساء "إنها ليست حرباً كلاسيكية بالسلاح، بل هي حرب إبادة صامتة، مستمرة، ومتعددة الأوجه، في منطقتنا تحمل النساء عبء الصراعات المسلحة، والتحولات السياسية، والانهيارات الاقتصادية، كما تحملن آثار الدول السلطوية التي فشلت في بناء الديمقراطية، وتحوّلت إلى جهاز حرب ضد النساء جهاز يُكرّس الذكورية، يُشرعن العنف، ويقمع الحريات الفردية والجماعية".
وأكدت أنهن كنساء تعشن في ظل أنظمة حوّلت أجساد النساء إلى ساحات معركة، تستعملها السلطة كوسيلة للهيمنة، وأداة للضبط الاجتماعي والسياسي وتضاف إلى ذلك قوى الإسلام السياسي السلطوي، التي لا ترى في النساء سوى موضوع طاعة وإنجاب، فتوظف الدين لتكريس التبعية، وتُشرعن الاستغلال باسم الشريعة والأعراف والتقاليد وما يزيد الطين بلة، هو الشرعنة القانونية لنظام أبوي متكامل، يُخاض ضده اليوم شكل جديد من الحرب أو ما يعرف بـ "الحرب القانونية"، حيث يتم التراجع عن الحقوق المكتسبة، وسن قوانين تؤيد التمييز، تحت غطاء الشرعية والمؤسسات.
وأوضحت أنه لا يمكن أن تغفل النساء عن الأثر العميق لإبادة البيئة التي تقودها المنظومة الرأسمالية العالمية، والتي تدمر مقومات الحياة، وتُفاقم هشاشة النساء خاصة اللواتي في المناطق الهشة، فهنّ أول من تدفعن ثمن تغيّر المناخ، النزوح، الفقر، وندرة الموارد، لافتةَ إلى التراجعات العالمية الكبرى، التي تترافق مع صعود أنظمة يمينية متطرفة ـ أنظمة لم تعد ترى في حقوق النساء أولوية، بل تنكّرت للمكاسب، وأعادت المرأة إلى الهامش، مسجونة في أدوار تقليدية مقيّدة.
الحرب التي تقام على أجساد النساء هي الأخطر
وبدورها قالت رئيسة جمعية النساء معيلات الأسر، اميناتو بنت مختار، إنه حان الوقت للاعتراف الدولي بالحرب الشرسة والممنهجة التي تُقام على أجساد النساء وتحركها الأنظمة الأبوية والذكورية التي تفننت في التنكيل بالنساء، مشيرةً إلى أن الحرب التي تقام دون سلاح وعلى أجساد النساء هي الأخطر حالياً ويجب على الحركات النسائية الانتباه لها لضمان حسن التعامل معها قبل أن تتعمق وتضرب ما تبقى من المكتسبات الصورية.
وأشارت إلى مسؤولية المنظمات النسوية والحقوقية لحماية حقوق المرأة ومحاربة أشكال التنكيل بها الحديثة التي تتجلى في أساليب جديدة سريعة الانتشار والتأثير، معتبرةً أن المؤتمرات فرصة لتوحيد التجارب وتشخيصها خدمة لواقع صعب تكابده النساء في المنطقة الافريقية والشرق أوسطية.
واعتبرت الناشطة الفلسطينية خالدات حسين، أن حرب الإبادة تظهر الآن في غزة والضفة الغربية حيث تنكل القوات الإسرائيلية علناً ودون رادع دولي بالنساء بالتقتيل والتجويع والتهجير القسري وحرمانهن من الحياة دون أن يحرك ساكناً للمجتمع الدولي الصامت تجاه كل أشكال الإبادة في فلسطين "مساعي كسر إرادة المرأة الفلسطينية التي تقام الحرب الدولية على جسدها المنهك لن يتحقق برغم آلة الموت، علينا أن ننتصر بإرادتنا النسوية، فالرجال يصنعون الحرب ونحن من نصنع السلام".
وشددت على أن الحق يستحق أن تُجاهد المرأة لأجله وأن تناضل الحركة النسوية انتصاراً له لمحاربة هذا التنكيل الذي يقام على أجساد انهكتها الحروب والصراعات والعقلية الأبوية الذكورية والسلطوية القامعة لها والمتحكمة بها من لبس إلى لغة وصولاً إلى الهوية.
الحركة النسوية قادرة على إحداث التغيير
بدورها أوضحت الناشطة النسوية بشبكة دار سفراء السلام من العراق نازاد المفتي، أن النضال لاستعادة النظام الامومي هو الحل لمحاربة الفكر الأبوي المتغذي من النظام الرأسمالي العالمي لمقاومة الحرب التي تقوم على أجساد النساء بعنجهية وأمام صمت دولي.
ولفتت إلى أنه في السابق كان الاعتماد على "النظام الأمومي" يعني أن يمنح للأطفال لقب الأم وأن تكون الأم هي من تدير أسرتها بعيداً عن رواية رئيس العائلة المتمثل في الرجل وكانت هناك حقوق واضحة للنساء لكن منذ الهجمة الإمبريالية أعطيت الكفالة بالمعنى المجازي للرجل ومن هنا بدأت المعاناة الحقيقية والمشاكل وباتت حربا انتقامية معلنة على النساء.
وقالت إن الحركة النسوية قادرة على إحداث التغيير بتوحيد الصفوف والمقاومة العادلة لمقاومة هذه الحرب التي تسعى لقتل الفكر النسوي واستكمال مشروع اضطهاد النساء وتهميش دورهن من البيت إلى المجتمع.
حرب ضد النساء تشن منذ سنوات
وأكدت عفاف غطاشة رئيسة جمعية حماية العائلات من العنف والتحرش بفلسطين، أن الواقع في المنطقة يقول إن هناك حرباً ضد النساء تشن منذ سنوات علاوة على الصراعات التي تتحملن عبئها دون أن تستطعن الانتفاضة على الوضع، لافتةً الى استمرار تقتيل النساء بغزة واستهداف من قبل القوات الإسرائيلية.
ولفتت إلى أن أكثر من 15 ألف امرأة قتلن في غزة وما يقارب 13 ألف طفل، مؤكدةً أن هناك حرب على النساء لقتل الحياة وهو ما تريده القوات الإسرائيلية والرأسمالية العالمية، فالهدف الأول هو قتل وإذلال الشعوب عبر المرأة "نحن باقون لأن بقائنا هو الرهان الأول على تحرير أوطاننا والخلاص من الامبريالية والاحتلال".