حلبجة... المجزرة الجماعية التي راح ضحيتها آلاف النساء
في ربيع عام 1988 قتلت الآلاف من النساء والأطفال في حلبجة، وعرفت تلك الجريمة بـ "الإبادة الجماعية". في حلبجة وحتى اليوم يعاني أهالي المدينة من مضاعفات المواد الكيماوية التي تعرضوا لها

مركز الأخبار ـ ، وتلد النساء أطفالاً بعيوبٍ خلقية، وإلى اليوم يموت أشخاص نتيجة المضاعفات، ولا تنمو النباتات.
في عام 1988 أمر صدام حسين رئيس العراق آنذاك بشن هجوم كيماوي على المدن الكردية، وكان من بين هذه المدن حلبجة إحدى مدن إقليم كردستان. بحسب تقارير دولية فالجيش العراقي استخدم غازات الخردل والسارين وأخرى تشل الأعصاب، وأما الناجين فقالوا إن لها رائحةً تشبه التفاح، وأشاروا إلى أن القوات العراقية عملت على قصف المدينة لمدة يومين قبل ذلك؛ بغرض تهشيم النوافذ لسهولة دخول الغازات إلى المنازل وقتل أكبر عدد ممكن من السكان.
غاز الأعصاب يتبخر أما غاز الخردل فهو أشد خطورة؛ كونه أثقل وزناً في الهواء يتساقط ويشكل جيوباً. اليوم وعندما يحفر أهالي حلبجة أساسات المنازل فإن الغاز ينطلق من جديد ويؤدي إلى موت المتلقين مباشرة، فآثار المواد الكيميائية تبقى لسنوات ولذلك لم تنتهي مأساة حلبجة، حتى اليوم يصاب الذين عايشوا تلك اللحظات بأمراض عدة، والنساء يلدنَّ أطفالاً مشوهين.
كانت حلبجة إحدى المدن التي استهدفتها عملية الأنفال التي أطلقها النظام العراقي آنذاك خلال الحرب العراقية الإيرانية أو ما تعرف بحرب الخليج الأولى. المدينة أو المحافظة كما تقرر تسميتها من قبل حكومة الإقليم في عام 2013 تقع على بعد أميال من الحدود الإيرانية، وهو ما جعلها مكاناً خطراً خلال الحرب التي استمرت منذ عام 1980 وحتى عام 1988.
تعرضت المدينة لهجوم كيمائي في الأيام الأخيرة للحرب وراح ضحيتها أكثر من خمسة آلاف شخص معظمهم من النساء والأطفال، كما وجدت أكثر من 500 مقبرة جماعية في العراق بعد عام 2003.
بدأ الهجوم صباح 16 آذار/مارس 1988 واستمر يومين، فما كان من قوات البيشمركة التي كانت متمركزة هناك إلا الانسحاب إلى الجبال وبقي الأطفال والنساء يواجهون الموت وحدهم. الذين بقوا على قيد الحياة هُجروا قسراً إلى المخيمات الواقعة على الجانب الآخر من الحدود الإيرانية.
توثيق المجزرة كان بداية عن طريق فريق تلفزيوني إيراني زار حلبجة في عام 1988، ثم تلته مجموعة صغيرة من الصحفيين الدوليين.
وتشير مختلف التقارير إلى أن عدد الضحايا كان في البداية نحو 3200 ـ5000 شخص، ولم يتوقف العدد على ذلك بل إن المضاعفات الصحية والأمراض والعيوب الخلقية قتلت الآلاف في السنة التي تلت الهجوم. تعد مجزرة حلبجة أسوأ الجرائم المرتكبة في تاريخ البلاد حيث شوهدت جثث النساء والأطفال والرجال ملقاة في كل مكان.
محاكمة الجناة
في البداية لم تتم محاسبة أحد على الجريمة، بل إن النظام العراقي اتهم إيران بشن الهجوم، ولكن في عام 2003 ومع الغزو الأمريكي للعراق بدأت محاكمة المسؤولين في النظام عن ارتكاب مجازر جماعية، كان من بينها مجزرة حلبجة.
مَثُل أمام المحكمة كل من الرئيس السابق صدام حسين وابن عمه علي حسين المجيد الملقب بـ علي الكيماوي، والذي قاد قوات الجيش في تلك الفترة ويعد المسؤول الأول عن المجزرة. من بين الوثائق التي استخدمت ضد نظام صدام حسين هي "مذكرة من المخابرات العسكرية" تعود للعام 1987 وفيها يطلب الإذن من مكتب الرئيس لاستخدام غاز الخردل وغاز السارين. إضافة إلى وثيقة أخرى يأمر فيها صدام حسين المخابرات العسكرية بدراسة إمكانية "ضربة مفاجئة" بالغازات السامة تستهدف القوات الإيرانية والكردية.
حكم على علي حسين المجيد بالإعدام في عام 2010 كونه أحد قادة عمليات الأنفال، كذلك اعترف صدام حسين بمسؤوليته عن عمليات الأنفال لكنه لم يحاسب عليها بل حوكم على مجزرة الدجيل، التي أعقبت محاولة اغتيال صدام حسين في عام 1982، وتم فيها اعتقال المئات من النساء والرجال من مدينة الدجيل وتعرض هؤلاء للتعذيب.
إحياء ذكرى المجزرة
تم بناء نصب تذكاري لشهداء المدينة في عام 2003 يتألف من جزء خارجي يمثل أجزاء كردستان الأربعة فيما المساحة حول سقف النصب مصنوعة على شكل دوائر تمثل القنابل الكيماوية، وداخل النصب التذكاري قاعة كبيرة عليها أسماء الضحايا وصور محفوظة للقصف وأرشيف يحكي عن تلك الفترة. النصب هو واحد من النصب التذكارية العالمية للسلام وكان قد تم تسجيله من قبل منظمة النصب التذكارية العالمية للسلام التي تأسست في بريطانيا عام 1992.
هناك مقبرة للضحايا أيضاً ومتحف للصور، كما ترفع في المدينة لافتات كتب عليها "من الدموع إلى الأمل"، "من الكراهية إلى التسامح".
منذ عام 1992 يحيي الكُرد مجزرة حلبجة، وهذا العام تصادف الذكرى 33 لها، يرتدي أهالي حلبجة الملابس السوداء ويحملون صور ابنائهم، ويتجهون صوب المقبرة الكبيرة المخصصة للضحايا.