'تعطيل البرلمان يهدد حقوق النساء والأطفال ويتسبب بشلل تشريعي'
أدى تعطل برلمان إقليم كردستان لأكثر من 423 يوماً بعد الانتخابات بسبب غياب النصاب والخلافات السياسية، إلى شلل تشريعي وفقدان الثقة الشعبية وهدّد حقوق النساء والأطفال.
هيلين أحمد
السليمانية ـ تختلف المدة القانونية لانعقاد البرلمانات من دولة إلى أخرى، إلا أنّ أغلب الأنظمة البرلمانية تحدد أقصى فترة بين الجلسات بستة أشهر، ما يعني أن البرلمان يجب أن يجتمع مرتين على الأقل سنوياً لإجراء المداولات وتنظيم العمل التشريعي. لكن في إقليم كردستان تجاوز البرلمان هذه المدة بكثير.
في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 جرت انتخابات الدورة السادسة لبرلمان إقليم كردستان، وبعد مرور شهر و14 يوماً، أي في 2 كانون الثاني/يناير 2024، عُقدت الجلسة الأولى للدورة الخريفية من السنة الأولى للبرلمان المنتخب حديثاً.
وبعد الانتهاء من المراسم الرسمية لأداء اليمين، فتح رئيس الجلسة ـ استناداً إلى الأحكام القانونية للمادة (14) من النظام الداخلي للبرلمان ـ باب الترشح للمناصب الثلاثة، رئيس البرلمان، نائبه، أمينه.
وقدمت كتل الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وحركة الجيل الجديد عدداً من المرشحين لهذه المناصب. وقبل الشروع في الإجراءات القانونية الخاصة بانتخاب الرئيس، وبسبب عدم توفر النصاب القانوني داخل قاعة الجلسات، قرر رئيس الجلسة تعليق الجلسة إلى حين اكتمال النصاب.
وبعد انتهاء التعليق استؤنفت الجلسة، إلا أنها أُجلت مرة أخرى إلى موعد غير محدد بسبب استمرار غياب النصاب القانوني لأعضاء البرلمان، ومنذ ذلك الوقت، مرّ 423 يوماً دون عقد أي جلسة برلمانية رسمية.
وفي هذا السياق، قالت الصحفية شنو هیراني إن إجراء الانتخابات في أي دولة ديمقراطية يُعدّ عملية حساسة ومهمة، وفي إقليم كردستان تُجرى الانتخابات كل أربع سنوات، حيث يمنح المواطنون أصواتهم لممثليهم في البرلمان للدفاع عن حقوقهم. لكن بعد انتهاء العملية الانتخابية، تظهر تأثيرات سياسية وصراعات بين النواب والأحزاب، ما يعيق تلبية احتياجات المواطنين.
وأوضحت أن البرلمان يفترض أن يكون مؤسسة للعمل المشترك وتشريع القوانين ومراقبة الأحزاب لضمان تنفيذ مطالب الناس عبر الأطر القانونية وتنظيم التشريعات "الواقع في إقليم كردستان يشير إلى أن معظم قطاعات المجتمع تُدار بعقلية "المستخدم"، وهو ما يؤدي إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ويضعف منظومة الحكم، ويدفع العملية السياسية نحو التراجع".
وأضافت أن التدخلات الخارجية تلعب دوراً كبيراً في زعزعة الاستقرار السياسي "تواجه القوى السياسية في إقليم كردستان والعراق تحديات كبيرة في تشكيل الحكومة الجديدة، وغالباً ما يمر أكثر من عام بعد الانتخابات دون تشكيل البرلمان أو الحكومة، بسبب الخلافات السياسية وتأثيرات الدول الخارجية، وقد أدى هذا التأخير إلى بقاء البرلمان خارج المشهد السياسي، وفقدانه دوره القانوني والشرعي في إدارة شؤون الإقليم".
وأشارت شنو هیراني إلى تداعيات نتائج الانتخابات التي غالباً ما تدمج بين القوتين السياسيتين الرئيسيتين في إقليم كردستان، بينما لا تمتلك قوى المعارضة سوى مساحة محدودة للعمل داخل البرلمان "الناخبين يوجهون سياسياً وفق رؤى حزبية ضعيفة، مما يؤدي لاحقاً إلى صراعات بين الحزبين الحاكمين عند ممارسة السلطة، وينتج عنه تعطيل عملية اتخاذ القرار".
وترى أن هذا التنافر بين الحزبين يجعل من الصعب وجود برلمان مستقل قادر على خدمة المواطنين وإدارة شؤون الحكم بشكل فعّال "غياب البرلمان في الإقليم، كما في أي مكان آخر، يخلق اضطرابات اجتماعية واضحة"، ضاربةً مثالاً على ذلك بـ قانون الأحوال الشخصية في العراق، حيث إن عدم وجود برلمان فعّال في إقليم كردستان وعدم العمل على تعديل القانون وضع حياة النساء والأطفال تحت تهديد حقيقي.
وأكدت أن تطور الحياة وتغيّر الظروف الاجتماعية والاقتصادية يتطلبان تحديثاً مستمراً للقوانين، لكن غياب البرلمان في الإقليم أدى إلى تعطيل هذه العملية "يُعد قانون الأحوال الشخصية نموذجاً بارزاً لآثار هذا الغياب، إذ تسبب في خلق حالة من التراجع داخل المجتمع، رغم أن القانون نفسه يحتاج إلى دعم تشريعي وإعادة تنظيم داخل البرلمان"، لافتةً إلى أنه "رغم جهود الناشطات والفاعلين في المجتمع للدفاع عن حقوق النساء والأطفال، فإن غياب البرلمان كان عائقاً أساسياً أمام تحقيق هذه الحقوق وإقرار التعديلات القانونية الضرورية".
وفي ختام حديثها قالت شنو هیراني إن المواطنين يمنحون أصواتهم أملاً في بناء نظام سياسي جديد، لكن غياب البرلمان وتعطّل عملية التشريع يدفعهم إلى فقدان الثقة بالانتخابات وبالسلطة على حدّ سواء، مشددةً على ضرورة أن يمارس المواطنون ومنظمات المجتمع المدني ضغطاً حقيقياً من أجل إعادة تفعيل البرلمان، حتى يتمكن الناخبون في أقرب وقت من استعادة حقوقهم الدستورية داخل المؤسسة التشريعية.