في يومه الدولي... مثلما يعود النهر إلى البحر، هكذا يعود عطاء الإنسان إليه

العمل الخيري سلوكٌ إنسانيٌّ سامي، يتمثل في العطاء السخي دون مقابل، يخلق مفاهيم تعزز الأواصر الاجتماعية، فثقافة العطاء سلوكٌ حضاري لا ينمو سوى في المجتمعات التي تنعم بمستويات متقدمة من الثقافة والوعي، فمن خلال المؤسسات التطوعية الخيرية يتاح لكافة الأفراد الفرصة للمساهمة في عمليات البناء الاجتماعي والاقتصادي اللازمة

 مركز الأخبارـ ، كما يعزز الاحساس بالمسؤولية لدى المشاركين، ويشعرهم بقدرتهم على العطاء وتقديم الخبرة والنصيحة في المجال الذي يتميزون فيه.
استناداً لاقتراح قدمته دولة المجر عام 2012، أقرت الأمم المتحدة 5 أيلول/سبتمبر من كل عام، يوماً دولياً للعمل الخيري، ودعم هذا القرار 44 دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ذلك من أجل الاستدلال على أهمية ومدى تأثير الأعمال الخيرية على نفوس الأشخاص وسير الحكومات على حد سواء.  
إن الهدف الأساسي لليوم الدولي للعمل الخيري، هو التوعية بالعمل الخيري وتوفير منصة مشتركة للأنشطة الخيرية حول العالم ليشارك بها الأفراد والمنظمات الخيرية والإنسانية والتطوعية من أجل تحقيق أهدافهم على المستوى المحلي والوطني والإقليمي والدولي.
وتدعو الأمم المتحدة جميع الدول الأعضاء والمنظمات الدولية والإقليمية والمنظمات غير الحكومية والأفراد على حد سواء، للاحتفال باليوم الدولي للأعمال الخيرية، من خلال تشجيع الأعمال الخيرية في مجتمعاتها ونشر الوعي بثقافة العطاء، بالعمل كجزء من خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030، التي تم تبنيها في أيلول/سبتمبر 2015، حيث أقرت الأمم المتحدة بأهمية القضاء على الفقر بجميع أشكاله، إذ أن الفقر يمثل تحدياً عالمياً كبيراً للمجتمع الدولي، مثله مثل التهديد الكبير للتنمية المستدامة، وانطلاقاً من روح التضامن العالمي، تركز خطة عام 2030، على أفضل السبل لتلبية احتياجات أفقر وأضعف المواطنين عبر العالم.
 
أم الفقراء... رائدة العمل الإنساني
اختير الخامس من أيلول/سبتمبر، تزامناً مع ذكرى وفاة الأم تيريزا، رائدة العمل الإنساني وأم الفقراء، والتي حصلت على جائزة نوبل للسلام في عام 1979، تكريماً للعمل الخيري التي كرست حياتها له، من أجل التغلب على الفقر الذي يشكل تهديداً للسلام العالمي.
الأم تيريزا سيدة الأعمال الخيرية الأكثر شهرة في العالم، من أعظم الشخصيات الإنسانية في القرن العشرين، والتي فازت بجائزة نوبل للسلام بسبب إخلاصها للأعمال الخيرية وتكريسها لوقتها من أجل الفقراء والمحتاجين في وطنها الام الهند, هي مؤسسة جماعة الإرساليات الخيرية لمساعدة الفقراء، كما تم منحها لقب تيريزا قديسة كالكتا في عام 2016.
 
العمل التطوعي والعمل الخيري وجهان لعملة واحدة
ترى منظمة الأمم المتحدة أن مفهوم العمل الخيري هو أحد أركان العمل التطوعي، وقد ارتبط العمل التطوعي في المجتمع الإنساني ارتباطا وثيقاً بالعمل الخيري بكل معاني الخير والصلاح، ومن مساعدة للفقراء والأيتام والمعوزين والمرضى وأصحاب الحاجات.
وقد أصبح التطوع اليوم من الأعمال البارزة في واقع الناس، فقامت العديد من المؤسسات والجمعيات الخيرية التي تهتم بالأيتام والفقراء والمساكين وذوي الاحتياجات الخاصة. وأضحت تلك الجمعيات موقعا لاكتشاف الطاقات المختلفة واحتضان الإبداعات الشابة، ومناخا للتعاون الجماعي المثمر وفرصة سانحة للكثيرين لإبراز إبداعاتهم في مختلف قنوات العمل الخيري المؤسسي.
ويوفر العمل الخيري والتطوعي فرصا لتعزيز الترابط الاجتماعي الحقيقي بين الناس، ويساهم في خلق مجتمعات قادرة على مواجهة التحديات الإنسانية بشمولية ومرونة.
 
أيادٍ بيضاء تواصل العطاء إلى جانب الجمعيات الخيرية
التاريخ حافلٌ بالعطاءات على المستوى الجمعي للأفراد، وفي وقتٍ زادت فيه الحاجة إلى المساعدة الإنسانية على نحو غير مسبوق، وأصبح فيه عدد اللاجئين والمشردين أكبر، مقارنةَ بأي وقت مضى نظراً للصراعات في مختلف الدول، والتي سلبتهم كل ما يملكون حتى فتات خبزهم، إلا أن يد الخير لم تبتر لإعالة الأفراد الذين تضرروا ولم يكن لهم عون، فلم يخلق الإنسان ليعش متنعماً مفرطاً في الاستهلاك، مشبعاً أنانيته ونهمه دون أن يشارك غيره ببعضٍ مما يفيض عن حاجته. 
وللمبادرات الصغيرة أيضاً دورٌ رائد في نطاق العمل الخيري، واستطاعت العديد من الجهود الفردية التي تسعى لتقديم الأعمال الخيرية، أن تسدّ بعضاً من فجوة الحاجة، وتصب هذه النماذج المختلفة للأعمال الخيرية في تعزيز التنمية المجتمعية ودعم العمل الخيري والتكافل الاجتماعي، ويأتي دورها مكملاً للجهود الكبيرة التي تقوم بها الجمعيات الخيرية، التي ساهمت بشكلٍ كبير في التخفيف من حدة الأزمة الإنسانية، من خلال تقديم المساعدة لجميع الفقراء من مختلف أنحاء العالم، وإنقاذ حياة الناس وتحسينها، ومكافحة الأمراض وحماية الأطفال وإعطاء الأمل للآلاف من الأشخاص.
وتنقسم الجمعيات الخيرية إلى جمعيات تهدف إلى مساعدة الأفراد والأسر غير القادرة، بما في ذلك تلك التي تنشأ لغرض المساعدة الذاتية بين الناس غير القادرين، مثل الجمعيات الخيرية وجمعيات تتكون بناء على اهتمام عام مشترك، أو بهدف العمل في مجال محدد ولأغراض تحقيق منافع جماعية، مثل جمعيات حماية حقوق المستهلك، وجمعيات ذات طابع عالمي، مثل جمعيات حماية البيئة ودعم دور المرأة.
ويعد انتشار الجمعيات الخيرية في الوطن العربي مؤشرا إيجابياً، إذ يتجاوز عددها 2050 جمعية عربية مسجلة للأعمال الخيرية، لكن هذا الانتشار وعلى الرغم من مزاياه الكثيرة إلاّ أنه لا يخلو من السلبيات والمخاطر.
 
الخط الزمني والتاريخي للاحتفال باليوم الدولي للأعمال الخيرية
تقوم دول العالم بما فيها الدول الأعضاء للأمم المتحدة بتنظيم العديد من المظاهر والنشاطات والفعاليات الاحتفالية سنوياً، ومن أهمها القيام بمجموعة من العمليات التي يتم من خلالها جمع التبرعات وتقديمها إلى العديد من الأشخاص، حيث يكون ذلك على شكل أموال نقدية أو على شكل طرود خيرية.   
بدأ العمل باليوم الدولي للعمل الخيري كمبادرة أطلقه المجتمع المدني المجري عام 2011، وكانت تلك المبادرة مدعومة من البرلمان والحكومة المجرية، لتعزيز الرؤية وتنظيم المناسبات الخاصة بالأعمال الخيرية، ولزيادة التكافل الاجتماعي والمسؤولية الاجتماعية تجاه الأعمال الخيرية وزيادة الدعم الشعبي لها.
وفي الخامس من أيلول/سبتمبر 2013، قام الاحتفال الأول باليوم الدولي للعمل الخيري في مقر الأمم المتحدة، بالتعاون مع البعثة الدائمة لدولة المجر لدى الأمم المتحدة، وبمشاركة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومؤسسة الأمم المتحدة وبدعم من قسم الأمم المتحدة للمعلومات، وركزت النقاشات على أهم الدروس المستفادة في مجال الأعمال الخيرية، ودور القطاع غير الربحي في تنفيذ أجندة التنمية لما بعد عام 2015، وهي مجموعة أهداف عالمية وضعتها الامم المتحدة، وتتضمن خفض معدلات الفقر في العالم.
بينما أقيمت العديد من الاحتفالات والنشاطات عام 2014، لجمع التبرعات في اليوم الدولي للعمل الخيري، وتنوعت الأعمال الخيرية حيث قامت بعض المطاعم بالتبرع بأرباحها في هذا اليوم، كما أقيمت تحديات دلو الثلوج، وتهدف المبادرة إلى جمع الأموال للتبرع بها، وقام البعض بتوزيع البطانيات على الأشخاص المحتاجين، ومن بين تلك المظاهر قيام العديد من المطاعم بتقديم كافة الأرباح التي تُنتجها إلى الجهات المعنية.
 
في خضم انتشار الفقر ما دور المنظمات الأممية؟
خلال النصف الثاني من القرن العشرين، كثر الحديث عن الفقر والفقراء في أدبيات الأمم المتحدة، بالتوسع من الظاهرة الاجتماعية في المجتمع الواحد إلى الظاهرة العالمية، بتصنيف البلدان إلى غنية وفقيرة وبتحديد مقاييس ومؤشرات الفقر في مستوى البلدان وكذلك الأفراد مع مراعات النسبية، فالفقر يوجد في الدول الصناعية القوية والبلدان النامية على حدّ سواء، ولا يزال يوثر على ملايين الأشخاص. 
واحدة من مقاصد الأمم المتحدة التي نص عليها ميثاقها، هو تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، ويعتمد المجتمع الدولي على المنظمة في تنسيق عمليات الإغاثة الإنسانية نظراً لطبيعة الكوارث الطبيعية وتلك التي من صنع الإنسان، مما يتطلب جهداً خارج قدرة السلطات الوطنية وخارج الجغرافيا الوطنية كذلك.
ففي عام 2020، كشفت بيانات جديدة أصدرتها الأمم المتحدة، أن جائحة فيروس كورونا وتداعياتها من المرجح أن تدفع 47 مليون امرأة أخرى إلى الفقر، مما يعكس عقوداً من التقدم في القضاء على الفقر المدقع، تشير الدراسة التي أعدتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلى زيادة معدل الفقر بين النساء بنسبة 9.1 %.