أزمة الرواتب في إقليم كردستان بين العجز الحكومي والغضب الشعبي
بيّنت شنه علي خياط، الأستاذة والناشطة، أن انقطاع الرواتب يُضاعف من معاناة نساء إقليم كردستان، مؤكدةً على ضرورة أن تتكاتف النساء والشباب للعمل بشكل منظم من أجل إحداث تغيير جذري في نظام الحكم بالإقليم.

هيلين أحمد
السليمانية ـ أزمة صرف رواتب موظفي إقليم كردستان، التي امتدت لعدة أشهر، تحولت إلى أزمة مستمرة مع الحكومة العراقية، نتيجة الخلافات المتواصلة حول إدارة الموارد النفطية وتنفيذ بنود الموازنة العامة، فمنذ عام 2013، يواجه الإقليم أزمة اقتصادية خانقة أثّرت بشكل مباشر على الوضع المعيشي للأفراد، لا سيما الشباب الذين اضطر كثير منهم إلى الهجرة خارج الإقليم، بحثاً عن فرص أفضل.
انعكست أزمة صرف رواتب موظفي إقليم كردستان بشكل خاص على النساء، حيث أن نسبة مشاركة النساء في سوق العمل لا تتجاوز 14%، ما يكشف حجم التحديات التي تواجههن في الحصول على فرص عمل وتأمين سبل العيش الكريم، وفي ظل هذه الظروف، أصبحت النساء عرضة لمزيد من الضغوط، إذ أن الأزمة الاقتصادية وانقطاع الرواتب أديا إلى تفكك العديد من الأسر، وخلقا ضغوطاً نفسية كبيرة، وتدهورت حالة السوق أدت إلى تفشي البطالة بين النساء وحرمانهن من مصدر دخل ثابت، وفي الوقت الذي تتفاقم فيه هذه الأوضاع، فإن صمت النساء حيال الأزمة الاقتصادية يزيد من هشاشة وضعهن، ويدفع نحو مزيد من التدهور في واقعهن المعيشي والاجتماعي.
"تأخر الرواتب يؤثر على عدة جوانب"
أشارت شنه علي خياط، الأستاذة والناشطة، إلى أن تأخر صرف رواتب موظفي إقليم كردستان، والذي استمر لمدة أحد عشر عاماً، أصبح أزمة متواصلة تترك آثاراً نفسية عميقة على كل فرد في المجتمع، ففي أي دولة، هناك عدة أسباب تؤدي إلى تأخر الرواتب "الحروب، والأزمات الاقتصادية، وانتشار الأمراض الفتاكة، وتصاعد الأزمات في المنطقة، كلها عوامل تؤدي إلى تأخير صرف رواتب الموظفين".
وأضافت أنه السنوات الماضية شهد الإقليم تأخيراً في صرف الرواتب بسبب جائحة كورونا والحرب داعش، بينما في دول أخرى، عند اندلاع الحروب أو انتشار الأمراض، تُصرف رواتب الموظفين قبل موعدها وبزيادات إضافية، كما حدث هذا العام في إحدى الدول المجاورة التي تواجه حرباً، حيث تم صرف الرواتب مسبقاً بدلاً من تأجيلها.
وأوضحت أن موظفي إقليم كردستان يُعاملون بشكل مختلف عن موظفي العراق، ففي الوقت الذي نزح فيه جزء من سكان العراق، وواصل المعلمون في الإقليم عملهم إلى جانب المعلمين العراقيين، لم يتقاضَ معلمو الإقليم رواتبهم، بينما استمر صرف رواتب المعلمين العراقيين "اليوم، يواجه إقليم كردستان ظروفاً اقتصادية قاسية، وحرباً، وانتشاراً للأمراض الفتاكة، ومع ذلك تُؤخر رواتب الموظفين لعدة أشهر، في حين أن حكومتي الإقليم والعراق تستخدمان الموظفين كورقة ضغط في خلافاتهما".
وأضافت أن المواطنين، خاصة الشباب، اضطروا إلى الهجرة خارج الإقليم، وأن غياب الرواتب أثّر بشكل كبير على الشباب الذين يُعدّون أساس المجتمع، فالكثير منهم هاجر، والبعض الآخر يعمل في القطاع الخاص بأجور زهيدة، مما يزيد من الضغط النفسي عليهم، "على الحكومة العراقية إجبار حكومة إقليم كردستان على دفع 50% من عائداتها النفطية عبر القانون، بما في ذلك عائدات المنافذ الحدودية والإيرادات الداخلية لإقليم كردستان".
"تأخير الرواتب يترك أثراً على الفرد وتتحمل النساء العبء الأكبر"
"هذا الواقع مؤلم للغاية، إذ أن مواطني إقليم كردستان، ومنذ أكثر من أحد عشر عاماً، يتعرضون لضغوط ممنهجة عبر نظام يهدف لتحطيمهم نفسياً"، بحسب قول شنه علي خياط، مؤكدةً أن هناك مساعٍ منظمة لتحطيم كل فرد كردي في المنطقة من خلال هذا النظام، مشيرةً إلى أن عدم صرف رواتب موظفي الإقليم أدى إلى تدهور الوضع المعيشي للمواطنين، وخلّف آثاراً نفسية وصحية عميقة.
وأوضحت أن "تأخر الرواتب لا يقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب، بل يتعداه ليخلق أزمات اجتماعية مشابهة لانهيار الأسواق، وتفكك الأسر، وازدياد الجرائم مثل السرقة لتأمين لقمة العيش، وحالات القتل، مما أدى إلى تفكك النسيج الاجتماعي بشكل عام، وفي خضم هذه الأزمة، تتحمل النساء العبء الأكبر، إذ يواجهن صعوبات حياتية متزايدة، رغم مسؤولياتهن في تربية الأطفال ورعايتهم".
وقالت "أصبحت النساء مسؤولات عن تأمين جزء كبير من متطلبات الحياة لأسرهن، لكن عدم صرف رواتبهن، ضعف فرص العمل، غياب العدالة المالية، كلها عوامل تترك آثاراً نفسية عميقة على الأسرة والأطفال، وتؤثر بشكل مباشر على المرأة نفسها. تلجأ الكثير من النساء للعمل خارج المنزل لتأمين لقمة العيش، لكن عدم حصولهن على رواتب يزيد من معاناتهن النفسية، ويجعلهن عرضة لضغوط متزايدة داخل المجتمع".
وشددت على أن "هذه الضغوط النفسية والجسدية تنعكس بشكل مضاعف على النساء، حيث تنتقل آثار الانهيار النفسي من الأمهات إلى الأطفال، مما يترك آثاراً نفسية سلبية عليهم، ويؤثر بشكل مباشر على جودة تربيتهم".
"الشباب بين الهجرة واليأس"
بصفتها موظفة براتب ثابت في إقليم كردستان، تُبرز شنه علي خياط حقوقها وحقوق موظفي الإقليم "إن مطالب الموظفين تتلخص في صرف الرواتب كل 30 يوماً، فالحصول على رواتبنا يسهل علينا أداء أعمالنا، نحن الموظفين نستخدم أموالنا داخل وطننا، ولا نخشى المطالبة برواتبنا من الحكومة والجهات المعنية في إقليم كردستان، ففي تصريحات المسؤولين والجهات ذات العلاقة، يتم الحديث عن عدم القدرة على صرف الرواتب بسبب الجمارك والإيرادات الداخلية، أي أن حكومة الإقليم غير قادرة على تأمين رواتب الموظفين من خلال إيراداتها الخاصة".
كما أشارت إلى أن عدم صرف الرواتب قد يدفع الموظفين إلى اللجوء للانتحار، "أحد الموظفين يعاني من ضيق شديد بسبب عدم صرف راتبه، مما دفعه إلى الانتحار أثناء دفاعه عن أرضه، وهذا يشكل ضغطاً على حكومة إقليم كردستان، كذلك، فإن ترقية موظفي الإقليم قد توقفت بشكل غير قانوني منذ عام 2016، وهذا يشكل تهديداً خطيراً لكل فرد في المنطقة".
وفي ختام حديثها، قالت شنه علي خياط إن "الوضع السياسي الذي نشأ في المنطقة جعل الشباب بلا أمل، فهم غير قادرين على تأسيس مشروع تجاري خاص بهم تحت ظل هذه السلطة، لذلك يجب أن تبدأ الحملات من خلال تسليط الضوء والعمل على قضية الرواتب كواجب أساسي، يجب على جميع المواطنين، خاصة النساء، أن يطالبوا ويعملوا بشكل منسق من أجل تغيير السلطة الحاكمة، ومن خلال إعادة تنظيم أنفسنا، يجب علينا نحن الكرد أن نسعى لتغيير هذه السلطة الظالمة".