انتصار هزيم: أن تكون امرأة وأن تعمل في الإخراج معادلة صعبة للغاية
في وقت يحظر فيه جهاديي هيئة تحرير الشام الحياة والفن بشكل عام في سوريا، تواصل مخرجة علوية مسيرتها السينمائية بقوة في اتجاه جديد وفي مكان جديد تستطيع أن تكون فيه مستقلة.

سوركل شيخو
قامشلو ـ أكدت المنتجة والمخرجة انتصار هزيم أن "الأفكار الثقافية وكل أشكال الفن بشكل عام، محظورة ومغلقة. الفن في سوريا محاصر. الأفكار التي يريدون بناء سوريا بها هي أفكار جهادية، فالفن لا ينسجم وغير ممكن مع الأفكار الجهادية".
انتصار هزيم من المكون العلوي عاشت في مدينة حمص السورية، وقد تأثرت بما حدث بحق أبناء طائفتها من مجازر على يد جهاديي هيئة تحرير الشام وتوجهت مع عائلتها إلى منطقة أكثر أماناً تحميها ولا تُنتهك فيها هويتها بل تُصان. ولتواصل مسيرتها السينمائية بقوة في اتجاه جديد وفي مكان جديد تستطيع أن تكون فيه مستقلة.
بدأت مسيرتها بكتابة القصص القصيرة
بدأت انتصار هزيم مسيرتها بكتابة القصص القصيرة ووصفت عملها على مر السنين بجملة هذه كانت "البداية"، وبينت أنها "شاركتُ في العديد من المهرجانات وكتبتُ العديد من القصص". ولاحقاً عندما وجدت الوقت الملائم تعلمت كتابة السيناريوهات ودرست هذا المجال بشغف، وبعد نجاحها وخبرتها في كتابة السيناريو، انتقلت إلى الإخراج، وواصلت مسيرتها على هذا النحو.
بفيلمها الأول "النوافذ المغلقة" (Closed Windows) شهدت تحولاً في عالم السينما والإخراج، حيث انتقلت أفكارها من الورق إلى الصور والمشاهد، وكان هذا بمثابة خارطة طريق جديدة لحياتها.
شريكة في نجاح المؤسسات السينمائية السورية
وخطت خطوة أخرى في عالم السينما بإنتاجها وإخراجها فيلم "بطعم الماء"، لتتعمق أكثر في ذاتها وتكتشف وتدرك قوتها الداخلية، لكنها لم تكتب نصوصاً لنفسها فحسب، بل لأصدقائها والمؤسسات السينمائية أيضاً، وأصبحت شريكة في نجاحهم.
ولفتت إلى الصعوبة التي واجهتها بالقول "أن تكوني امرأة"، مؤكدة على حقيقة العقلية الأبوية التي تسللت إلى المؤسسات الأكاديمية والعلمية "تكوني مخرجة وامرأة في آن واحد أمر بالغ الصعوبة هذه المعادلة في الشرق الأوسط يصعب تحقيقها. فرغم عملي، كان يُنظر إليه من منظور ضيق وجهودي تعتبر ضئيلة وغير مهمة، ولم يكن إثبات وجودي كامرأة أمراً سهلاً".
وحول واقع السينما في سوريا قالت "كانت السينما في سوريا ضعيفة جداً، ولم تكن هناك سينما خاصة أو مستقلة، بل كل شيء يعتمد على المؤسسة العامة للسينما، وبسبب ذلك، لم تُتح للنساء فرصة المشاركة الفاعلة بلونهن المستقل". ولكن بصمودها وإيمانها وقوتها وموهبتها، وفي عالم السينما والوعي السائد فيه استطاعت أن تقول "أنا أيضاً موجودة".
ماذا أرادت انتصار ومجموعة من المخرجات السوريات فعله؟
بصفتها امرأة عانت وواجهت الصعوبات، وحاولت الاستفادة من عملها كمخرجة وكاتبة سيناريو، بالتركيز على قضايا المرأة وتمكينها من التعبير عن ذاتها وزيادة وتفعيل حضورها في هذا المجال، وترى إن هذا المشروع كان الأهم بالنسبة لها، وقد بذلت هي ومجموعة من المخرجات السوريات جهوداً كبيرة لإنشاء وتنفيذ هذا المشروع.
وكان من المفترض أن يقدم المشروع الذي ضم مجموعة من المخرجات أفلاماً عن المرأة والطفل، إلا أن المشروع لم يُستكمل بسبب الظروف السياسية.
السينما هي السلاح الحقيقي للتأثير المباشر
ووصفت انتصار هزيم السينما بأنها أهم سلاح حقيقي يُمكن أن يُؤثر في المجتمع "للسينما تأثير مباشر. فهي تعتمد على العنصر البصري. يُمكن للجمهور أن يخرج من مشاهدة الفيلم بمنظور مختلف وهدف جديد. أفضل ما في السينما هو تأثيرها بهذه الطريقة. ما أريد فعله هو أن أجعل الجمهور يفهم الفيلم".
استذكرت انتصار هزيم الوضع الراهن في سوريا من إغلاق وحظر المجالات الفنية للسينما والموسيقى على يد جهاديي هيئة تحرير الشام، وقالت "إذا تحدثنا عن الأشهر القليلة الماضية، فسنرى أنه ليس السينما فقط، بل الأفكار الثقافية وكل أشكال الفن بشكل عام، محظورة ومغلقة. الفن محاصر. الأفكار التي يريدون بناء سوريا بها هي أفكار جهادية. الفن لا ينسجم وغير ممكن مع الأفكار الجهادية، فهم لا يسمحون بوجود الفن أو المرأة".
المرأة السورية بين خيارين
وترى أنه "لا يمكن للمرأة أن تكون أماً أو تمارس أمومتها بشكل صحيح في ظل الظروف التي تمر بها سوريا، فما بالك بأن تصبح معلمة أو محامية"، كما ربطت بين تغيير الوضع والتغيير السياسي في البلاد.
وأوضحت "هناك العديد من المخرجات ومنتجات الأفلام، وحتى محاميات وطبيبات سوريات في حالة نفسية غير مستقرة. فالنساء عالقات بين التخلي عن مهنتهن والفرار من البلاد. يفكرن هل يجب عليهن المغادرة وبدء حياة جديدة، أو البقاء والمقاومة. المرأة في سوريا بين خيارين".
لماذا توجهت إلى روج آفا؟
وصفت انتصار هزيم علاقتها بالشعب الكردي بأنها الأقدم "الكرد مثقفون، ويحبون الحياة"، لذلك، عندما قررت هي وعائلتها مغادرة حمص، اتجهت أنظارهم ومسارهم في البداية نحو إقليم شمال وشرق سوريا، وانضمت إلى كومين فيلم روج آفا السينمائي.
وأشارت إلى أن السينما في روج آفا حديثة العهد ولكن هناك إرادة للرفع من مستواها "هناك هدف واضح هنا، وهو تحقيق سينما حقيقية، وهو هدف لم نره في سوريا وكنا بحاجة إليه. تختلف أنظمة المنطقتين. فالنظام الداخلي في الساحل وسوريا عموماً قائم على المؤسسات، أما هنا، فيقوم النظام على الكومينالية والاشتراكية، كما أن فكرة المجتمع الكومينالي تؤثر على أسلوب العمل والعيش، ويمكن للمرء أن يشعر ويرى روح الجماعة في الأعمال التي ينتجها الكومين، والأهم من ذلك كله هو وضوح الفكر، وهذا الوضوح يقربنا من فهم حقيقة السينما".
مهرجان روج آفا السينمائي الدولي الخامس
وتسعى انتصار هزيم إلى جمع أفلام سورية من مصر والعراق وتونس للمشاركة في مهرجان روج آفا السينمائي الدولي الخامس المقرر إقامته في شهر تشرين الثاني، وهدفها هو تقديم لمحة عامة وتعريف جيد عن السينما السورية، وبناء علاقات فنية وسينمائية بين الساحل السوري وإقليم شمال وشرق سوريا، لأنها تجد أن السينما تجسد الحياة.
وعن المجازر التي تعرضت لها النساء العلويات قالت "لا يزال الوضع متوتراً، ومن الصعب التوقف جانباً والتفكير في السينما. يأتي هذا في سياق آخر، بعد أن نتراجع خطوة إلى الوراء وننظر إلى هذه القضية من منظور أوسع، ونتمكن من تحقيق شيء من أجلها. تسليط الضوء على هذه القضية أمر بالغ الأهمية. لكن الآن، الجميع منشغل بالحياة وإنقاذ أرواحهم، وهذا أهم من كل شيء. ولأن جراح العلويين ما زالت تنزف، لا يمكننا تجاهل الإنسانية والبدء في العمل على السينما من منظور منتجة أفلام".
سردت انتصار الانتهاكات التي واجهتها على يد جهاديي هيئة تحرير الشام قائلةً "مررنا بظروف قاسية للغاية، تعرضت منازلنا للهجوم وتم اقتحامها بأبشع الطرق، وتعرضت للسرقة والنهب. وتعرضنا للإهانات والألفاظ الطائفية المستفزة".
"قولوا إننا موجودون"
واختتمت انتصار هزيم حديثها برسالة وجهتها إلى النساء "نأمل أن تعود المختطفات إلى أحضان أمهاتهن وعائلاتهن، وأن تتمكن جميع النساء من قول إننا موجودات، وأن يصبحن فاعلات ويؤكدن وجودهن. السينما فن فكري وبصري راقي جداً. ما دمتُ أعمل في السينما فأنا على قيد الحياة. لذلك، لا يهم أين أو تحت أي ظروف أعمل في السينما، المهم هو أن يكون ذلك على المستوى المحلي أو الدولي".
الجوائز التي حصلت عليها
حصلت انتصار هزيم على جوائز عديدة، منها: جائزة أفضل مخرج عن فيلم "النوافذ المغلقة" وجائزة أفضل سيناريو عن فيلم "بطعم الماء"، والجائزة الذهبية لسيناريو Current Reality عن فيلم "اسمي قصة"، والجائزة الذهبية لسيناريو فيلم "الأطفال يطيرون كالطيور" (Children Fly Like Birds)، وجائزة السيناريو عن فيلم "كان لا بد" (It Had to Be)، وجائزة السيناريو عن الفيلم الروائي الطويل "عليا" (Alia).