اليوم الوطني للمرأة المغربية... إنجازات الأمس وأسئلة المساواة المؤجلة

يُحيي المغرب في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر من كل عام اليوم الوطني للمرأة المغربية، في ظل سياق معقد اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، يتزامن مع تصاعد المطالب الشبابية بإصلاحات جذرية وتحقيق العدالة الاجتماعية.

حنان حارت

المغرب ـ دعت جمعيات نسائية مغربية إلى تسريع إصلاح مدونة الأسرة والقوانين المرتبطة بحقوق النساء، وسط تضامن واسع مع الحراك الشبابي المطالب العدالة الاجتماعية والمساواة، ويأتي ذلك في ظل غموض يلف مصير هذه الإصلاحات رغم مرور أشهر على إحالتها للجنة الصياغة القانونية.

بعد عشرين عاماً على إصدار مدونة الأسرة في المغرب، يعود اليوم الوطني للمرأة المغربية والذي يصادف العاشر من تشرين الأول/أكتوبر من كل عام محملاً بأسئلة الانتظار أكثر من أجوبة الإنجاز، ففي الوقت الذي تحتفي فيه البلاد بذكرى إصلاحات أكتوبر 2004، التي شكلت حينها منعطفاً تشريعياً جريئاً في مسار حقوق النساء، يخيم على المشهد اليوم صمت رسمي وتأخر حكومي بشأن مصير مراجعة المدونة، وسط تتزايد الأصوات النسائية والشبابية المطالبة بإصلاحات شاملة تعزز المساواة والعدالة الاجتماعية.

كما يأتي هذا النقاش وسط ظروف اجتماعية دقيقة يعيشها المغرب، حيث تتقاطع الاحتجاجات الشبابية المطالِبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية مع حراك مدني ونسائي يعيد طرح أسئلة المواطنة، والحقوق، ودور المرأة في التحولات الراهنة، وبين الرمزية السياسية ليوم المرأة المغربية، والانتظارات المتراكمة من مشروع مدونة الأسرة، تبدو البلاد أمام لحظة مفصلية لا تتعلق فقط بالقانون، بل بشكل المجتمع الذي يريده المغاربة والمغربيات بعد عقدين من الإصلاح.

وفي هذا السياق، نبهت جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، في بيان بمناسبة اليوم الوطني للمرأة، إلى أن الوضع العام للنساء في المغرب يتطلب يقظة جماعية ومسؤولية مشتركة، محذّرةً من استمرار مؤشرات مقلقة تتعلق بأمن النساء وحقوقهن رغم ما تحقق من مكاسب في مسار المساواة والتمكين.

وأضاف البيان أن المرحلة الحالية تتسم بارتفاع مستوى العنف والتمييز ضد النساء، داعياً إلى تعزيز آليات الوقاية والحماية وجبر الضرر، وإحداث نظام وطني موحد لرصد وتتبع العنف القائم على النوع الاجتماعي.

 

صوت الشابات في احتجاجات جيل Z

ولم يغب الحراك الشبابي الأخير عن البيان، إذ عبرت الجمعية عن تضامنها مع الاحتجاجات السلمية التي تقودها فئة الشباب في عدد من المدن المغربية، مؤكدةً على ضرورة حماية الحق في التعبير والمشاركة المدنية دون تضييق، خاصة بالنسبة للشابات اللواتي عبرن عن آرائهن بـشكل سلمي ومسؤول.

وأكدت الجمعية أن صوت الشابات في الميدان مؤشر على رغبة حقيقية في الإصلاح والمشاركة، داعيةً السلطات إلى الإنصات لنبض الشارع بدل تجاهله.

 

تشريعات تنتظر المراجعة

وشددت الجمعية على أن تأخر إصلاح القوانين ذات الصلة بحقوق النساء، مثل القانون الجنائي والقانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، يحد من فعالية الجهود المبذولة في مواجهة العنف، خاصة العنف الرقمي المتزايد، مطالبةً الحكومة بإحالة مشاريع القوانين الجديدة على مجلس النواب خلال الدورة الخريفية الحالية، مؤكدة أن الانتظار طال بما يكفي.

 

مدونة الأسرة... انتظار يطول

أحد أبرز الملفات التي ما زالت عالقة، بحسب البيان هو مشروع إصلاح قانون مدونة الأسرة، الذي أعلن عن إحالته على اللجنة الوزارية للصياغة القانونية قبل أكثر من عشرة أشهر، دون أن يكشف عن أي مستجد بشأنه.

وقالت الجمعية إن المشروع يجب أن يستند إلى مبادئ الدستور والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة، وأن يضمن المساواة الفعلية في الحقوق والمسؤوليات، بما يصون كرامة المرأة ويحمي مصلحة الطفل ويعزز استقرار الأسرة.

 

إصلاح المدونة مدخل للديمقراطية

وترى الناشطة الحقوقية خديجة الرباح، أن إصلاح قانون مدونة الأسرة ليس مجرد تعديل قانوني بل خطوة لإعادة النظر إلى النساء كمواطنات من الدرجة الأولى "نساء البوادي والجبال والأحياء الهامشية والعاملات في القطاع غير المهيكل، وهن تمثلن نحو 65% من النساء العاملات كلهن تنتظرن نصاً قانونياً يكرس المساواة والكرامة".

وأشارت إلى أن الذكرى العشرين لليوم الوطني للمرأة تأتي في سياق انتظار خطاب ملكي يوجه نحو إصلاحات جوهرية في القوانين التمييزية، معتبرةً أن المطالبة بإصلاح المدونة لا تنفصل عن المطالب الشبابية الأوسع التي تشهدها البلاد، مثل تحسين التعليم والصحة والعدالة الاجتماعية "حين نتحدث عن العدالة الاجتماعية، فإننا نتحدث عن رفض كل أشكال التمييز واللامساواة بين المواطنات والمواطنين".

 

"الملف يعيش حالة غموض وصمت غير مبرر"

ومن جانبها قالت غزلان بنعاشير، مؤسسة جمعية "جسور" ملتقى النساء المغربيات والعضوة في التنسيقية النسائية من أجل التغيير الشامل لمدونة الأسرة، إن ملف المدونة يعيش حالة من الغموض والصمت غير المبرر "لا تتوفر لدينا أي معطيات دقيقة حول مآل مشروع القانون أو المرحلة التي وصل إليها داخل اللجنة الوزارية المكلفة.

واعتبرت أن المرحلة الحالية تتطلب إعادة تنظيم الجهود النسائية وتوحيد الصوت المدني حتى يسمع داخل المؤسسات التشريعية، مشددةً على ضرورة دعم البرلمانيين والبرلمانيات للملف من أجل الخروج بقانون ينسجم مع واقع المجتمع المغربي الحالي ويحقق المساواة الفعلية بين النساء والرجال "إذا كنا نريد لهذا البلد أن يتقدم ويبني ديمقراطية حقيقية، فلا بد أن تكون المساواة أساسها، لا يمكن الحديث عن تنمية أو عدالة بدون مساواة قانونية ومجتمعية كاملة".

وفي ظل هذا الغموض الذي يلف ملف المدونة، وبين انتظارات الإصلاح التشريعي وتصاعد الأصوات الشبابية والنسائية المطالبة بالعدالة الاجتماعية، يبدو أن المغرب يقف أمام اختبار حقيقي، وهو كيف يمكن تحويل التوافقات والخطابات إلى إصلاحات ملموسة تترجم على أرض الواقع، وتضع النساء في صلب مشروع المساواة والديمقراطية الذي تتطلع إليه الأجيال الجديدة.