التونسيات ينتفضن ضد العنف... "صمت الدولة يقتلنا"
طالبت النساء في تونس خلال مسيرة صامتة، بإيقاف نزيف العنف ضدهن وبحقهن في الحصول على الحماية، ونددن بصمت الدولة حيال ما يتعرضن له من عنف وتكريس لسياسة الإفلات من العقاب
زهور المشرقي
تونس ـ .
اختتمت تونس الحملة الدولية لمناهضة العنف ضد النساء، الجمعة 10 كانون الأول/ديسمبر الجاري، بمسيرة نسوية صامتة نظمتها الديناميكية النسوية وجمعيات نسوية شريكة جابت شوارع العاصمة تونس.
ارتدت المشاركات في المسيرة الصامتة اللون الأسود كحداد ولم تصاحبها شعارات مسموعة بل التزمن برفع لافتات كتب عليها "لا للعنف، صمت الدولة يقتل النساء، حلو القبور تسمعو النساء، لا للتمييز ضد النساء، عدالة حرية مساواة نسوية".
وطالبت المسيرة بإيقاف نزيف العنف المسلط على النساء وبحقهن في الحصول على الحماية الاجتماعية والاقتصادية، ونادت برفض قتيل النساء وسياسة الإفلات من العقاب.
وكالتنا وكالة أنباء المرأة واكبت المسيرة وتحدثت مع النسويات الفاعلات والمشاركات فيها واللواتي أجمعن على أن صمت الدولة قد دفع بارتفاع النسب بطريقة مرعبة، وشددن على ضرورة تطبيق القانون عدد 58 الصادر عام 2017، لمناهضة العنف ضد النساء ومحاربة العقليات البالية التي تتغذى من مآسي النساء وآلامهن.
قالت المديرة التنفيذية لمكتب شمال إفريقيا والشرق الأوسط للفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان يسرى فراوس، وهي الرئيسة السابقة لجمعية النساء الديمقراطيات، في حديث مع وكالتنا، أن النزول إلى الشارع يأتي كاحتجاج على صمت الدولة المتواطئة مع مرتكبي العنف رغم أن آلة القتل تمتد يومياً لاستهداف امرأة على الأقل من أصل ثلاث نساء، "مع تواتر الحالات الوحشية من العنف تبدأ من الاغتصاب إلى التعذيب إلى القتل وصولاً إلى مقتل النساء تحت شاحنات الموت التي تنقلهن إلى المزارع للعمل من أجل "إطعام الشعب"، ما لم يحرك ساكناً لدى رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي يتحدث عن الأمن القومي ويعقد دورياً اجتماعات لكنه لم يطرح فيها سؤال "لماذا تموت النساء في تونس ولماذا لا توجد سياسة ناجعة للقضاء على العنف ضدهن؟".
وانتقدت سياسة وزارة الأسرة والمرأة والطفولة في مواجهة حالات العنف بالشعر والرسالات النصية، في وقت تُغلق فيه مراكز الإيواء لاستقبال النساء ضحايا العنف في تخلٍ عن مسؤولياتها بالتعهد للضحايا، لافتةً إلى أن كل ما يحدث من قتل للنساء يواجه بأحكام متسامحة وقضاة يصدرون أحكامهم بعد خمس سنوات وأكثر من عذاب ضحية العنف بين أروقة المحكمة ومختلف الإجراءات المعقدة.
وتطرقت إلى جريمة رفض الكشف عن الأرقام الحقيقية لضحايا العنف من النساء، حيث أن أرقام الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات قد رصدت 16 حالة وفاة في الأسبوعين الماضيين تزامناً مع الحملة الدولية لمناهضة العنف بسبب ما تعرضن له من عنف، وتعمل على توثيق جميع الحالات التي يتم رصدها.
وعبّرت الناشطة النسوية عن امتعاضها من عدم توفير ميزانية لرسم سياسة ناجعة تكون نتائجها واضحة لحماية النساء من العنف، متطرقة إلى العقلية المحافظة التي تنكر القانون عدد 58 وتسعى لعدم إنفاذه وتعمل لإفقاد النساء الثقة في أنفسهن وفي الدولة، "لولا شجاعة التونسيات وأصداحهن بأكثر حرية وطلاقة حول تعرضهن للعنف ما كن لنتمكن أن نحتج اليوم في شارع الحرية وننادي بأن صمت الدولة هو الذي يقتل النساء".
بدورها ترى عضو جمعية النساء الديمقراطيات فردوس التونسي أن التصدي للعنف المعبّر عن كره بغيض يصل إلى حد التفنن في ممارسة التعذيب والتلذذ بمعاناة الضحايا وصولاً إلى القتل، بات أمراً مستعصياً مع هذه السياسة التي تنتهجها الدولة، خاصةً مع أزمة الإفلات من العقاب رغم وجود قانون كان من المفترض أن ينهيه لا أن يضاعفه سبع مرات.
ولفتت الناشطة النسوية إلى أن قانون مناهضة العنف ظل حبراً على ورق ولم تنجح العدالة في تطبيقه وإيجاد الآليات الواقعية الواضحة والمضمونة لضمان حسن التنفيذ، وما زاد الوضع تعقيداً تواصل الخوف من تقديم الشكايات من قبل النساء ضحايا العنف وهو أمر شجّع المعنف على زيادة عنفه، معبرةً عن سخطها من إقناع النساء في المراكز من قبل أعوان الأمن بسحب الشكاية والصفح عن معنفها، منتقدةً هذه السياسة التي زادت من هول الكارثة.
وأفادت بأن التخاذل الأمني في بعض قضايا العنف ضد النساء هو أول أسباب ارتفاع النسب، فضلاً عن صعوبة الإجراءات القانونية التعجيزية التي تدفعها للتخلي عن القضية وعدم نيل حقها، مؤكدةً أن العقلية الذكورية البالية المستبطنة وراء عدم ولوج بعض المعنفات للعدالة.
ودعت إلى تطبيق القانون ومعاقبة المعنف والمغتصب لمحاربة "قتل النساء" خاصةً مع ارتفاع الأرقام المسجلة بسبب صمت الدولة، مؤكدةً ان الاحتجاج بإمكانه إحداث التغيير والضغط على السلطة لضبط سياساتها تجاه هذه القضية التي تمس النساء والأمن القومي.
من جانبها أفادت الفنانة التشكيلية أسماء خمير إحدى المشاركات في المسيرة، بأن ظاهرة العنف تمس كل النساء والإنسان عموماً في شخصه وكرامته وإنسانيته، لافتةً إلى أن النساء عبرن عن رفضهن لسياسات إسكاتهن وتهميش ملّفاتهن فخرجن إلى الشارع ليجسدن حضورهنّ مبتكرات أشكالاً متنوّعة من المقاومة كالصمت وارتداء اللون الأسود الذي دل على غضب ساطع من ارتفاع النسب.
وأكدت على ضرورة كسر حاجز الصمت بهدف الإصلاح والمكافحة، مشيرةً إلى أن الجنسين وجدا حتى يكملا طريقهما معاً في سلام لا لتُشن حرباً بينهما، مبرزةً أن معالجة أسباب الظاهرة ليست مهمة الدولة فقط لاعتبارها نتيجة تراكمات منذ سنوات بل هي مسؤولية جماعية للمجتمع المدني والجمعيات النسوية والسلطة كلاً من جانبه للدفاع حتى تكون النتائج مضمونة.
ولفتت إلى أهمية التركيز على التربية منذ التنشئة وتربية الطفل على ضرورة احترام النساء وصون حقوقهن واعتبارهن شريكاً لا عدواً وجب محاربته والاستنقاص منه، مشددةً على أن العائلة هي النواة الأولى والأساسية التي يترعرع فيها الطفل وتشبعه مبادئ وجب أن تكون مراعية لحقوق الإنسان والمبادئ الكونية للإنسانية.
وتطرقت إلى أهمية نشر معاني المحبة والتآخي وترسيخها في الأجيال الحالية والقادمة، معتبرةً أن التسيب الذي عاشته تونس منذ عام 2011 كان أيضاً سبباً رئيسياً في تفشي ظاهرة تعنيف النساء والتي وصلت حد القتل والتنكيل خاصةً مع الفوضى التي يقع تقريرها عبر وسائل الإعلام واستسهال ارتكاب جرائم العنف وتسهيلها أمام المتلقي خاصةً من قبل المراهقين وفق قولها.
واعتبرت أن أولى خطوات إيقاف نزيف العنف تتجلّى من تصديق المعنفات، واعتماد خطط شاملة لمعالجة الأسباب الجذرية كالتصدّي للتنشئة الاجتماعية المعتمدة على التقاليد والعادات البالية والأعراف المكرّسة للتمييز وكذلك البرامج التعليمية والثقافية والإعلامية المرسّخة للصور النمطية ودونية المرأة.
من جانبها قالت أصالة مدوخي الناشطة النسوية بجمعية دمج للعدالة والمساواة، أن المسيرة جاءت تنديداً بجرائم العنف والكراهية والتمييز ضد النساء كافةً بما فيهن ذوات البشرة السوداء، "من المؤسف أن نتحدث عن العنف في عام 2021، بهذه النسب المرعبة ومع وجود قانون يناهض ذلك كان من المفترض أن يحمي كل النساء باختلافاتهن التي وجدت"، مشددةً على أن المسيرة النضالية لا زالت مستمرة لتحقيق العدل والمساواة التامة وضمان حقوق كافة النساء المهضومة من قبل الدولة وبتشريعات ظالمة على حد قولها.
ومن جانبها تعتبر النقابية والناشطة النسوية ليليا المثلولي، أن مشاركتها في المسيرة جاءت رفضاً لتنصّل الدولة من مسؤولياتها السياسية والقانونية والأخلاقية تجاه النساء اللواتي يعنفن يومياً ويقتلن في دولة تستهين بحقهن في الحياة، موضحةً "يقولون إن المرأة نصف المجتمع والأم مدرسة فهل من المعقول أن نقتل هذا النصف ونهدم المدرسة؟!".
وعبّرت عن مساندتها اللامشروطة للنساء ضحايا العنف، مؤكدةً أن تونس تمتلك ترسانة مهمة من القوانين التي تقاوم العنف إلا أنها لم تجد طريقها إلى التنفيذ.
وانتقدت شكوى الدولة من قلة الوسائل التي وجب أن تتوفر للمساهمة في مكافحة الجرائم ضد النساء، وعدم توفير مراكز للإيواء لحماية المعنفات اللواتي تغادرن مكان إقامتهن هرباً من بطش معنفهن حتى يكون أحياناً الشارع بمخاطره ملاذها.
وشددت على أهمية تضافر الجهود بين مختلف المكونات والأطراف لمكافحة ظاهرة العنف التي تمس كل النساء والتضامن معهن، لافتةً إلى أهمية أن يكون الجميع صفاً واحداً ضد هذا التيار الذي كانت أولى ضحاياه النساء، "ما يحدث من ارتفاع لنسب جرائم العنف ضد النساء أمر لا يشرّف تونس التي كانت ولا زالت نموذجاً تحتذي من حيث تمتع النساء بحقوقهن وبمجلة الأحوال الشخصية فضلاً عن وجود مجموعة قوانين مهمة يفترض أن تنصفها، ولكن الواقع بعيد كل البعد عما يروج وعن التشريعات المتوفرة".
وأكدت على أن النساء في تونس لن يصمتن بعد اليوم وسيناضلن إلى حين تحرك الدولة بفرض سياسة استراتيجية لمحاربة العنف وتوفير ميزانية لذلك وإنشاء مراكز لإيواء المعنفات ومساعدتهن للوصول إلى العدالة حتى ينال المعنف جزائه القانوني.
وترى الممثلة التونسية المشاركة في المسيرة إباء حمدي، أن ظاهرة العنف انتشرت في العالم بأسره ولم تكن حكراً على تونس معبرةً عن أسفها من أن تكون المرأة دائماً هي ضحية هذه الآفة والحلقة الأضعف، مشيرةً إلى أن الدولة لم تصل بعد لمرحلة أخذ الأمور على محمل الجدّ لمحاولة إيجاد الحلول الواقعية للظاهرة.
وأوضحت أن الوضع لم يعد يحتمل الانتظار، داعيةً السلطات إلى التدخل وتحمل مسؤولياتها واعتبار المسألة أمن قومي واتخاذ القرارات الصارمة لإنقاذ النساء، منتقدةً غياب حملات التوعية ضد الآفة قبل الحملة الدولية وتخويف المغتصب والمعنف والقاتل وإبراز صرامة القانون في هذا المجال، مشيرةً إلى أنه يجب العمل بشكل جماعي ومشترك بين جميع المكونات لتوعية النساء أولاً بأهمية الوصول إلى العدالة وكسر حاجز الخوف حتى لا يستسهل قتلهن وتعنيفهن واغتصابهن.
وعن دور الفنان في ذلك تقول إن الممثل لديه إيجابية الاستماع إليه أكثر ومتابعته والتأثر به من قبل الجمهور المتنوع، حيث وجب أن ينخرط في طريق المقاومة ضد العنف والتحسيس بعيداً عن الشعبوية وأن يكون حاملاً لقضية النساء اللواتي لا صوت لهن، موضحةً أن الفنان قادر على كشف المسكوت عنه وكسر كل التابوهات التي ترفض السلطة التحدث عنها بعيداً عن منطق التستر والخوف.
فيما تطرقت فدوى سيدي العضو بجمعية "وشم" للثقافة والفن، إلى تعرضها بدورها كناشطة نسوية للعنف من قبل والديها بسبب مواقفها والمبادئ التي تحملها وتؤمن بها، مشيرةً إلى أنه وجب كسر حاجز الخوف وفضح كل معنف مهما كان دوره وقربه، داعيةً إلى التصدي لكل من يبحث عن ثغرات في القانون حتى لا يكون في صف النساء، مبينةً أن النضال هو السبيل الوحيد للكشف عن حقيقة وضعهن وتوعيتهن وإبراز أن الجميع يساندهن ضد كل السياسات التي تسعى لتكبيلهن والضغط عليهن لتعنيفهن دون محاسبة.