التمثيل الغائب... المرأة والدبلوماسية بين الاعتراف الرمزي والإقصاء الواقعي

في كل مرة يُعلن فيها العالم يوماً دولياً جديداً للمرأة، نشعر أن هناك بارقة أمل في الاعتراف المتأخر بأدوار النساء، وفي الوقت نفسه، نتذكر أننا في دول لا تزال تؤمن أن القيادة امتياز يُوزع، لا استحقاق يُؤخذ.

مقال بقلم الصحفية منى توكا

ليبيا ـ في الرابع والعشرين من حزيران/يونيو يحتفل العالم باليوم الدولي للمرأة في العمل الدبلوماسي، يوم خصصته الأمم المتحدة سنة 2022 ليكون مساحة رمزية للاعتراف بمكانة المرأة في تمثيل الدول وفي صناعة السياسة الخارجية، لكن السؤال الأهم: من يحتفل حقاً؟ ومن يمارس التغيير؟!!

في دول عديدة، منها ليبيا، لا تزال النساء بعيدات عن الواجهة الدبلوماسية، لا بسبب قلة الكفاءة ولا ضعف القدرات، بل لأن المعايير التي تحكم التعيينات لا علاقة لها بالعلم ولا بالتخصص، بل ترتبط غالباً بالانتماءات السياسية أو القرابة أو الولاء.

هناك خريجات من معهد العلاقات الدبلوماسية الليبي لم تُتح لهن أي فرصة واقعية رغم تميزهن، وهناك سفارات لم تعرف التمثيل النسائي منذ تأسيسها، وهناك من يصرّ حتى اليوم أن صوت المرأة لا يصلح للمنابر الدولية، وكأن الدبلوماسية لا تعني الحوار، بل تعني الصوت الخشن فقط.

ونعلم جميعاً أن التمثيل الدبلوماسي ليس مجرد منصب، إنه وجه البلاد في الخارج، وأداة لرسم السياسات، وشكل من أشكال التأثير الناعم، فلماذا تُقصى النساء عن هذا الدور؟ ولماذا تظل كفاءتهن معلقة، تنتظر إذناً سياسياً؟

في دول عربية أخرى برزت أسماء نسائية في السلك الدبلوماسي، ولكنها بقيت استثناء يُرفع في المناسبات، ولا يُعمم كقاعدة عادلة، الكثير من تلك الدول تتبنى خطاب التمكين لكنها في الواقع تخشى أن تكون المرأة صوتاً مستقلاً ومؤثراً؛ لهذا تُبقيها في المراتب الوسطى، وتزين بها الصور الجماعية فقط.

الدبلوماسية الحقيقية تحتاج صوتاً مختلفاً تحتاج المرأة، لا من باب التجميل، بل من باب العدالة والفعالية، تحتاج عقلاً يفاوض من موقع الإنسانية، لا من منطلق الهيمنة والندية فقط، تحتاج وجوهاً تعكس كل شرائح المجتمع، لا شريحة واحدة تحتكر تمثيله.

لهذا، فإن هذا اليوم يجب ألا يكون مناسبة بروتوكولية أخرى، بل يجب أن يكون فرصة للسؤال: كم امرأة تشغل موقعاً دبلوماسياً اليوم في بلادنا؟ من منهن وصلت بجهدها، لا بوساطتها؟ من منهن تصنع القرار، ولا تنفذه فقط؟

نعم، هناك نساء قادرات، وهناك من كافحن ليصلن إلى هذا الحقل الصعب، ولكن الطريق لا يزال مغلقاً أمام أغلبهن، وهذا ما يجب أن يتغير.

الدبلوماسية ليست وظيفة بل هي مسؤولية وطنية، والمساواة فيها ليست ترفاً، إنها مقياس لنضج السلطة وعدالتها.