الصراع السوداني... حصار المدن وتجويع المدنيين في ظل صمت دولي وإعلامي

مع تراجع الاهتمام الدولي والإقليمي بالصراع الدائر في السودان، نظم تحالف ندى ندوة رقمية عبر تقنية الزووم تحت عنوان "السودان في مرمى الصراع الإقليمي والدولي: النساء وثمن حصار المدن" وبمشاركة عدد من الصحفيات والناشطات.

مركز الأخبار ـ أكدت المشاركات في الندوة الرقمية، أن هناك تهميش متعمد في التغطية الإعلامية للصراع المستمر في السودان منذ منتصف نيسان/أبريل 2023، ولا تبدي الأطراف الإقليمية والدولية أي جدية في حل الأزمات العالقة.

نظم تحالف ندى ندوة رقمية عبر منصة "زووم" أمس الاثنين 15 أيلول/سبتمبر، تحت عنوان "السودان في مرمى الصراع الإقليمي والدولي: النساء وثمن حصار المدن"، وذلك في ظل تراجع الاهتمام الدولي والإقليمي بالأزمة السودانية المتفاقمة، وشارك في الندوة عدد من الناشطات والصحفيات، من بينهن الصحفية والمدافعة عن حقوق الإنسان مديحة عبد الله، والناشطة النسوية نهلة يوسف، فيما أدارت الجلسة صباح آدام.

وتضمنت الندوة ثلاثة محاور تناولت الأولى الصراع في السودان وتداعياتها الإنسانية ووضع ذلك في إطار الصراع الإقليمي والدولي، وتطرق المحور الثاني إلى الأوضاع الإنسانية من خلال التركيز على أوضاع النساء، فيما سلط المحور الثالث الضوء على الحصار والتجويع واستخدام الغذاء كأداة حرب من قبل أطراف الصراع.

الهدف من الندوة لفت نظر العالم إلى ما يحدث في السودان منذ اندلاع الصراع، والتركيز على الأوضاع الإنسانية وبالأخص ما تعيشه النساء، مع خفوت الاهتمام الدولي والإقليمي ولم يعد التجاوب بقدر حجم الأزمة السودانية.

 

الصراع في السودان وتداعياتها الإنسانية

في المحور الأول قالت الصحفية والمدافعة عن حقوق الإنسان مديحة عبد الله، إن الصراع الذي فرض على الشعب السوداني يعد من أبشع الأزمات التي شهدها العصر الحديث، لافتةً إلى أن السودان هو ثالث أكبر دولة أفريقية وغني بالموارد الطبيعية من مياه وثروات حيوانية ومعدنية وغابات وكان من الممكن أن يكون السودان بلد مستقر لولا الصراع الذي لم يتوقف منذ حصوله على الاستقلال.

وترى أن الصراع في حقيقته هو بحث الشعب عن نظام مدني يضمن حقوقه مما أدى في المحصلة إلى اندلاع الحرب الأهلية، وانفصال جنوب السودان عام 2011، وبعد اتفاقية السلام الشامل لم تنطفئ الحروب بل بدأ الصراع في دارفور التي شهدت انتهاكات ومجازر، مبينةً أن الحرب في دارفور منذ عام 2003 شهدت جرائم ضد الإنسانية، وقد أصدر المجتمع الدولي قرار القبض على الرئيس الأسبق عمر حسن البشير.

وأشارت إلى أنه لم يتحقق حلم الشعب السوداني بل ساء الوضع المدني وتم استهداف المناضلين والمناضلات، والناشطين والناشطات، ولم يكن هناك أي امكانية للتنمية في الريف، بل تعمقت المظالم فيه.

وأكدت أن الصراع المستمر بين المدنيين والعسكريين أدى لاندلاع ثورة كانون الأول/ديسمبر 2019، لافتةً إلى أن الحكومة الانتقالية واجهت تحديات عديدة تمثلت في الإسلام السياسي الذي وضع عقبات أمام الانتقال السياسي، وكان الجيش السوداني وقوات الدعم السريع هما جزء من المرحلة الانتقالية نتيجة التسوية وليس لأنهما يستحقان هذا الوجود في السلطة.

وبينت أنه عندما حان الوقت لاستلام السلطة من قبل المدنيين أصر العسكريين على الاستمرار بالسلطة حتى انقلاب تشرين الأول/أكتوبر 2021 وكان بداية للحرب رغم مساعي القوى المدنية لاستعادة السلطة بشكل سلمي، ودمج الميليشيات، وتأسيس جيش نظامي للبلاد، وبذلك انفجر الوضع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لأن كل طرف كان يسعى لاستلام السلطة.

وأكدت مديحة عبد الله أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال القول أن الصراع محلي أو أنه يخص السودان فقط، بل له امتداداته في المنطقة وبسبب التنازع الإقليمي والدولي فشلت كل محاولات إنهاء الصراع، طعماً في موارد السودان، فالبلاد ذات موقع استراتيجي وهناك صراع على البحر الأحمر والعديد من الملفات التي لم يتم حلها.

وشددت على أن الصراع الإقليمي والدولي يلعب دوراً اساسياً في وضع حد للحرب، "السودان يعيش حالة من الانقسام بين سلطتين، رغم محاولة الإنكار من قبل الطرفين، فكل سلطة تدعي الشرعية وتتحدث باسم شعب السودان، وهما لا يمثلان السودان لأن هذين الطرفين أفشلا الثورة، ويمارسان الانتهاكات بحق السودانيين".

ولفتت إلى أن الصراع الدائر في السودان أودى بحياة 150 ألف إنسان، وتشريد الملايين داخل البلاد وخارجها، فضلاً عن تدمير البنى التحتية والمدارس والمؤسسات والمستشفيات والطرق، ووفقاً للأمم المتحدة  ستصل تكلفة الإعمار إلى 300 مليار دولار لإعادة إعمار العاصمة الخرطوم.

وعن الأزمة الغذائية قالت إن 24 مليون سوداني يعاني من انعدام الأمن الغذائي الحاد "يتم الحديث عن المجاعة في غزة وأوكرانيا رغم أن ما يحدث في السودان أسوأ، لأن الإعلام يسلط الضوء على غزة بينما يتم تجاهل والتعتيم عن الصراع في السودان لأن أطراف الحرب ضربت طوق من العزلة، ولا يمكن للإعلام المحلي التغطية حول ما يحدث من انتهاكات داخل البلاد".

وأوضحت أن الصراع تسبب بتدمير بيئي واسع مما أدى لانتشار الأمراض منها الكوليرا والضنك والملاريا وزادت المخاوف من ارتفاع أعداد ضحايا الأمراض، منوهةً إلى أن جزء من هذه الأمراض ناتج عن استخدام اسلحة محرمة دولياً من قبل الجيش السوداني ولا تقبل الحكومة إجراء تحقيقات بخصوص ذلك.

وأضافت أنه "زادت جرائم العنف الجنسي والاستغلال الجنسي والتزويج القسري وحتى الاستعباد الجنسي من قبل أطراف الصراع وبالأخص من قبل قوات الدعم السريع، وتعاني الحوامل من انعدام الرعاية الصحية مما يتسبب بفقدانهن لحياتهن، ولكن رغم التعتيم الإعلامي هناك مقاومة مدنية من الأحزاب السياسية والحركات المدنية".

وكأي نزاع لها انعكاسات على الواقع المجتمعي كما تبين مديحة عبد الله "تسبب الصراع بمشاكل مجتمعية من عنف منزلي وزواج قاصرات وزواج قسري ولقد عادت ممارسة الختان بصورة أكبر لكن هناك ضوء في نهاية النفق".

 

الأوضاع الإنسانية والتركيز على أوضاع النساء

أما عن الحصار والتجويع وكيف استخدم هذا التجويع كسلاح ضد المدنيين وخاصة النساء فقد انتقدت الناشطة النسوية والمدافعة عن حقوق الإنسان نهلة يوسف الدور الباهت للبلدان العربية وللإعلام، كما انتقدت دفع المال من قبل أطراف الصراع من أجل السيطرة على المزيد من الأراضي دون الالتفات للمدنيين "أن التحولات في السودان شهدت تدخلات خارجية أطالت أمد الحرب وأثرت على فرص إحلال السلام، فالأزمة في السودان تسببت بحرمان الناس من أبسط مقومات الحياة".

وكشفت أن النساء منذ الاستقلال حرمن من التعليم والعلاج وكل شيء وزاد الصراع من أوضاعهن المأساوية، "هذا الصراع لم يكن خلاف بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني ولكنها جاءت نتيجة لتراكمات، ويصر طرفا الصراع على الحصول على السلطة للتهرب من المسائلة والمحاسبة، لذلك أصبحت أجساد النساء ساحة للمعارك وتستخدم أجسادهن كأداة من أدوات الصراع من قبل طرفا الصراع وسببها الأساسي التهرب من المحاسبة التاريخية، والآن تواجه  النساء أوضاعً مزرية، فقد تم سلب كل ما تملكه نساء السودان فالمعروف أن أوضاعهن صعبة جداً، فقد تم سرقة جهد العاملات في مناطق مختلفة من السودان، ويتم تجويعهن بشكل ممنهج بواسطة حصار المدن".

وأضافت "هذه الحرب هي حرب بقاء وامتلاك الأرض، والأصل في هذا الامتلاك هو طرد السكان من مناطقهم وارتكاب الإبادة الجماعية بحقهم، ونتيجة لهذه العقلية والأهداف ارتكبت مجازر وادي صالح وشطاي وغيرها من إبادات جماعية لقبائل كبيرة صاحبة أرض، ويتعمد المقاتلون الاعتداء على حرمات هذه القبائل، وبذلك يتم الاعتداء على النساء لكسر إرادة المجتمع، مما يدفع الناس لترك أرضهم لحماية النساء".

ولفتت إلى أن هناك مناطق محاصرة اليوم في كردفان ودارفور وغيرها وهذا الحصار منع إدخال كل مقومات الحياة حتى الماء، وتم  قصف وتدمير كل المؤسسات العلاجية.

وأشارت إلى أنه "نتيجة انتشار المجاعة في العديد من الأقاليم تأكل النساء الأعلاف مما تسبب لهن بإجهاضات، فتجويع امرأة هو تجويع رضيع وحتى طفل ما يزال في أحشائها، كما تُجبر أخريات للبقاء في المناطق التي تشهد  اشتباكات لأنهن مجبرات على تحمل مسؤولية الأسرة والأطفال والكبار في السن وذوي الاحتياجات الخاصة لذلك ارتضين بالجوع، ومنهن من حمل السلاح للدفاع عن أنفسهن، وهذا مهم لأنه عند الحروب يتم التعدي جنسياً على النساء وهناك قصص صمود لمقاومة النساء في مناطق التجويع القسري،"، مضيفةً أن النساء لسن بمستوى واحد، ففي الريف هن أقل تعليماً لكنهن الأكثر إنتاجاً، ولكن نتيجة الصراع المستمر تدمرت البنية الانتاجية ولم تستطع النساء الزراعة، فمن تخرج من المناطق المحاصرة يتم قلتها أو الاعتداء عليها جنسياً ويتم اتهامها بالعمالة للطرف الآخر".

وأكدت أن الانتهاكات التي تجري في السودان له وضع مختلف تماماً فلا بد من أن تسمع أصوات السودانيات في أي تجمع لحل الأزمة السودانية، ما يحصل في السودان بعيد عن الإعلام والتوثيق الجيد على عكس ما يحدث في غزة مثلاً، والمنظمات الحقوقية عندها القدرة الكاملة لتوثيق كل شيء، تم قطع الإنترنت والكهرباء عن عمد لإعاقة عمل الصحفيين والصحفيات والعاملين في المجال الحقوقي، فالظروف صعبة والمخاطر والانتهاكات تحيط بهم،  لم يتم توثيق احتياجات المحاصرات بشكل جيد".

وبينت أنه لا يتم التحقيق بالانتهاكات ضد النساء لأن ما سيتكشف عنها سيسقط شرعية أطراف الصراع ولن تحصل على السلطة، "لا يتحدث  قوات الدعم السريع عن جرائم الاغتصاب، وكذلك لا يتم التحقيق ولا حتى الحديث من قبل حكومة الانقلاب التي تسمي نفسها حكومة شرعية عن الانتهاكات، يقومون بإصدار خطاب التحرير بدلاً من كشف حقيقة استهداف المدنيين، والمنشآت المدنية والطيران الذي استهدف القبائل المدنية في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، كلا الطرفين يتهربان من المسؤولية ولا يتحدثان عن الجرائم المرتكبة ويستبعدوا الملفات المتعلقة بالنساء".

واختتمت نهلة يوسف مداخلتها بالتأكيد على أن حالات الاغتصاب مستمرة، والعديد من الناشطات مسجونات والنساء ذوات البشرة السوداء تتعرضن للتمييز والعنف والقهر النفسي والقتل المباشر "العالم يسمع ويشهد ولكن هناك بطئ في اتخاذ قرار نحو إيقاف الصراع الدائر وفتح الممرات الآمنة وفك حصار المدن".