القائد العام لوحدات حماية المرأة: ناضلنا في مواجهة الذهنية الغير مقتنعة بقوة المرأة، ولم نقبل الرضوخ للواقع المفروض بل عملنا بشكل جاد لتغيير(2)
في الجزء الثاني من اللقاء مع القائد العام لوحدات حماية المرأة نوروز أحمد سنتطرق للاختلاف بين القوات العسكرية النسائية في مناطق شمال وشرق سوريا ومثيلاتها في العالم
نوروز خوجه
قامشلوـ ، وكذلك لعمل الوحدات من الناحية الفكرية لتغيير واقع المرأة انطلاقاً من تغيير ذهنيتها، والسعي الحثيث لتحريرها.
في مختلف أنحاء العالم ظهرت العديد من التشكيلات العسكرية الخاصة بالمرأة، لكنها لم تستطع الخروج من عباءة السلطة ومصالحها، كيف استطاعت وحدات حماية المرأة تجنب الانزلاق في هذه الدوامة؟
تواجدت النساء وعلى مر التاريخ في المجال العسكري والجيوش وكان لها التأثير الكبير، وأزداد هذا التأثير مع تأسيس وحدات حماية المرأة التي أصبحت ايقونة لنساء العالم، إذ نسعى لإيصال صوت هذه الوحدات لجميع النساء، ويمكننا القول أن وحدات حماية المرأة مختلفة عن قريناتها، فهي لم تتشكل على أساس السلطة والمركزية أو استعباد الآخرين، إنما تأسست لتكون نافذة وبوابة لحماية المرأة والدفاع عن حقوقها وهويتها، وهي لم تحارب بغرض القتل أو الانتقام، أو كإثبات بأنها موجودة في الساحة العسكرية، هي اختارت هذا الطريق لحماية هويتها وكينونتها من براثن الأنظمة السلطوية المستبدة عن طريق الدفاع المشروع، كما أنها اختارت ذلك للدفاع عن جميع النساء وليس كباقي القوى والأنظمة بدأت باختيار جنرالات من النساء وكأنهم يُكافئونها، وحدات حماية المرأة هي التي تحارب وتدافع بذاتها ولا أحد يعطيها هذا الحق كمكافأة.
وحدات حماية المرأة تنظيم خاص بالنساء ومن هذا المنطلق تميز بطابعه النسائي الموحد وليس تشكيل مكون من شخصيات متفرقة كما نراه في التشكيلات العسكرية الأخرى في العالم، مع العلم أننا نحترم هذه الشخصيات لأنه ليس من السهل الوصول إلى هذه المستويات العسكرية، لكن اختلاف وحدات حماية المرأة هو الذي يعطيها القوة والتميز والتفرد من حيث الشكل والمضمون.
في الحقيقة مجتمعنا يفرض على المرأة الطاعة وقبول حكم وسطوة الرجل عليها والسير بهذه الذهنية لتكون قادرة على العيش، هذه الذهنية التي بددت آمال المرأة وطمست هويتها وجعلتها دائماً بحاجة للآخرين للوقوف على قدميها، حتى إن وجدت نساء قويات إلا أنهنَّ رغم ذلك ينتظرنَّ مساعدة الرجل، ومع اجتياز المرأة لهذا الواقع بنضالها استطاعت لعب دور بارز بطابعها النسوي وإرادتها وفكرها الخلاق وتركت بصمة تاريخية ومميزة.
في "ربيع الشعوب" الذي شهدته العديد من الدول العربية، ظهرت النساء بقوة في الثورة إلا أن عدم تنظيمهنَّ لأنفسهنَّ ومعرفة واقعهنَّ وحقوقهنَّ وعدم تغيير الذهنية الذكورية السائدة عاد بهنَّ إلى ما كنَّ عليه في السابق، بل أسوء من ذلك بكثير.
كيف أثرت القوات النسائية على تغيير مسار الحرب في سوريا وخاصة في تثبيت أركان الثورة، وعدم انجرارها في التحزبات أو سيطرة التنظيمات المتشددة، أو تلك التي تعمل لمصالح دول خارجية؟
ذكرنا سابقاً أن وحدات حماية المرأة لم تُؤسس بمخطط مسبق إلا أن الانضمام الكبير غير من الوقائع والذهنية المُتجذرة في المجتمع، وعلى رأسها الجانب الحربي، إذ عَرفنا أن الحرب تتضمن القتل، والشدة، وإراقة الدماء، واستخدام أساليب قذرة ووحشية، فإن انضمام النساء إلى وحدات حماية المرأة غير المسار والمفاهيم السائدة والمتعارفة في الحروب، لأنها اتخذت مسار الدفاع عن النفس والحقوق والهوية.
وفي الحروب يتم استخدام الأسلحة لكن كيفية استخدامها ومن أجل ماذا يتم استخدامها هنا يكمن السؤال، فاستخدام السلاح ليس للقتل إنما للدفاع أمام الخطر المحدق، ونظرتنا لقوانين الحرب نظرة مغايرة لنظرة القوى الأخرى التي تقتل الأسرى والأطفال والنساء، وكل من ليس له ذنب يكون مستهدفاً من قبلهم أي المجتمع بأكمله، إضافة لاستهداف أماكن لا يمكن أن تستهدف كالمدارس، والمشافي، ومنازل المدنيين الآمنين، وتدمير الآثار والمزارات والبنى التحتية للمدن لتصبح غير آهلة للسكن. نحن دافعنا دفاعاً مستميتاً ضد هذه القوانين، فالمجتمع كان ينظر إلينا كالمجموعات والفصائل الأخرى كـ "الجيش الحر" التي ظهرت على الساحة، لكن مع رؤيتهم لنضالنا ودفاعنا عن المجتمع ومبادئه، ومشاهدتهم لتحريرنا المناطق بغية وصول الأهالي إلى إرادة مُستقلة وإدارة أنفسهم بأنفسهم، غيروا من نظرتهم تجاهنا.
استمددنا قوتنا من قوة وروح المجتمع وندافع من أجله وهو مؤمن بإرادتنا لهذا استطعنا الوقوف صامدين في وجه الصعوبات والهجمات، نحن لم نستمد القوة من أي طرف خارجي، نحن عقدنا اتفاقيات مع بعض الدول بصدد خوض الحروب، لكن هذه الاتفاقيات لم تكن على أسس الاعتماد عليهم وأخذ القوة منهم أو خدمة مصالحهم. الشعوب بجميع مكوناتها وفئاتها العمرية انضمت للثورة منذ البداية وحتى الآن بإرادتهم وليس بشكل قسري، وكل حسب قوته من أجل الدفاع عن وطنه وهويته. النقطة الرئيسية أننا لم نتوجه إلى أي نوع من التحزبات أو الانجرار وراء قوى أخرى، لأن اللبنة الأساسية التي أسست عليها وحداتنا لم تكن للجري وراء السلطة أو الحكم، فالمرأة هي التي لعبت دوراً في عدم الانجرار وراء المصالح، أو أن تصبح القوة العسكرية كلعبة بيد قوى أخرى. نظام الأمة الديمقراطية القائم على العدالة والمساواة بين جميع المكونات أثر أيضاً بدوره علينا.
القتال في المناطق ذات الغالبية العربية كدير الزور والرقة مختلف نوعاً ما، كيف استقبل الأهالي المقاتلات، وكيف استطعتم تغيير الذهنية العشائرية في تلك المناطق؟
نحن تحدثنا عن الذهنية العشائرية لدى المجتمع الكُردي، إلا أن هذه الذهنية لدى المجتمع العربي أكثر تشدداً وتصلباً وخاصة المناطق التي تمت السيطرة عليها من قبل مرتزقة داعش. الأهالي في تلك المناطق دعوا قواتنا لتحريرهم من المرتزقة، رغم أنهم لم يكونوا يعرفوننا ورغم الحقائق التي تم تشويهها عنا، ولدى ذهابنا إلى هناك وجدنا شعباً مُتعطشاً للحرية وخاصة النساء اللواتي قلنَّ بأنهنَّ لم يعد لديهنَّ الصبر حتى يخلعنَّ تلك الملابس السوداء التي أجبرهنَّ داعش عل ارتدائها، وارتداء بدلاً منها ثياباً ملونة، فعندما شاهدنَّ المقاتلات تأثرنَّ بشكل أكبر برؤيتهنَّ وهنَّ يستخدمنَّ الأسلحة الثقيلة ويقدنَّ الحرب بكل عزيمة، وكيف أنهنَّ يعملنَّ على مساعدتهنَّ ويقدمنَّ الدعم، وزاد الفضول لديهنَّ للتقرب منا والتعرف على فكرنا، فالنساء ولدى رؤيتهنَّ للمقاتلات كنَّ كالورود التي تتفتح ابتهاجاً وكأنها لم تُسقى منذ زمن بعيد وكالأرض التي لم تروى أبداً.
تعرف المكون العربي وخاصة المرأة العربية على القوة الحقيقية للمرأة وإرادتها وكانوا بأمس الحاجة لهذه القوة، لذلك استقبلونا بكل امتنان وبفرحة عارمة، وتركت قوة المقاتلات طابعاً مختلفاً وجديداً لدى العربيات لأنهنَّ كنَّ مسلوبات الحرية والرأي ومجبرات على التواجد ضمن المنزل، ولمسنا باستقبالهنَّ المميز الحفاوة ورغبتهنَّ للتغيير والحرية، قبل ذهابنا إلى هناك النساء أرسلنَّ لنا دعوات لتحريرهنَّ من الظلم والاضطهاد، والكثير منهنَّ سعينَّ للانضمام إلينا إلا أننا كنا نؤكد عليهنَّ بإقناع عائلاتهنَّ والتفكير العميق لأنهنَّ لم يكنَّ قد تعرفنا علينا جيداً، لكن كانت إجاباتهنَّ بأنهنَّ كنَّ منتظرات منذ مدة طويلة لتحريرنا لهنَّ، ومع تحرير هذه المناطق توسعت وازدادت مسؤولياتنا، فنحن بدأنا من المجتمع الكُردي ورويداً رويداً انضمت النساء من المكونات الأخرى لوحدات حماية المرأة.
نضالنا قائمة على أساس بناء سوريا ديمقراطية تعددية لا مركزية تضم كافة المكونات، وتكون بطليعة المرأة التي لا يمكن لأحد إنكار هويتها الحقيقية وإرادتها، كما أن المرأة أيضاً باتت تعي ذلك، وأصبحت تطالب بحقوقها لتثبت أنه ليس من حق أي كان إنكار وجودها، وهذه المسألة مسألة نضال وتحتاج لمدة زمنية طويلة للوصول بجميع النساء إلى حريتهنَّ.
وحدات حماية المرأة ليست قوة للقتال في المعارك فقط، تناضلون من أجل إنهاء التسلط الذكوري والعادات والتقاليد الرجعية، ماذا حققتم حتى الآن؟
في بداية تأسيس وحدات حماية المرأة ركزنا على الناحية الفكرية والتدريبات رغم عدم وجود الإمكانيات وامتلاك التجارب، وبعد فترة زمنية وجيزة شاركنا في المعارك، ومع ذلك ناضلنا أمام الذهنية الغير مقتنعة بقوة المرأة ومشاركتها في الحروب، ولم نقبل الرضوخ للواقع المفروض وعملنا بشكل جاد لتغييره، فكلما استطعنا تغيير أنفسنا استطعنا تغيير العائلة والمجتمع، وسعينا لإنشاء العلاقات على أسس الاحترام وتبادل وقبول رأي الآخر، وعلى أسس الفكر الحر وعدم استصغار الآخر، هذه المبادئ جميعها حققت مع كل خطوة تغييراً نوعياً.
الخطوات التي أقدمنا عليها ليست في شمال وشرق سوريا فقط إنما في سوريا عامة ويجب الاستمرار بها، لأن الذهنية السلطوية المُتعمقة والمترسخة في المجتمع منذ آلاف السنين لا يمكن تغييرها بين ليلة وضحاها، فكلما تطورنا نجد أن هنالك المزيد مما يجب فعله، وهذا ينطبق على المجتمع أيضاً، إضافة إلى وجود ألاعيب خارجية تعيق عجلة التطور والتغير باستمرار الهجمات، واستهداف النساء الطليعيات أمثال سعدة وهند، وهفرين خلف، وهنالك آلاف النساء اللواتي يُستهدفنَّ ليس في منطقتنا فحسب إنما في العالم أيضاً، أي كل امرأة تكسر قيود العبودية وتتحرر تُجابه بهذه الوحشية لكسر إرادتها ولتحييدها عن المطالبة بحقوقها.
الحرية ليست سهلة المنال، الحرية ليست فقط مؤطرةً بالانخراط في المجال العسكري إنما يجب الانخراط في جميع المجالات الحياتية، ولإثبات الوجود علينا تصعيد النضال للقيام بثورة مجتمعية، وكوحدات حماية المرأة نرى ذلك مسؤوليتنا أيضاً، يجب أن نواجه الهجمات المستمرة وعدم تقبل المجتمع والأنظمة الذكورية المهيمنة التي ترى بأن القوة والسلطة يجب أن تكون بيدها وتسعى للحفاظ على هذا الوضع القائم.
في الآونة الأخيرة انضمت الكثير من النساء للقوات العسكرية إلا أن ذلك غير كافي فيجب أن يكون الانضمام جوهرياً وذا مضمون، ويستلزم تصعيد النضال لحرية ليس البعض من النساء أو قسم من المجتمع إنما يجب أن يكون هدف التغيير شاملاً للجميع.
تحدثتم في لقاءات سابقة عن أهمية وضرورة إيجاد آلية حماية مشتركة لجميع النساء، كيف يمكن تطبيق ذلك من وجهة نظركم؟
الضرورة لإيجاد مثل هذه الآلية في غاية الأهمية، إلا أن الأنظمة الاستبدادية تعرقل كل المحاولات عبر أساليب مُحاكة ومخططة بدقة، فعند انتفاض النساء أو عند تعرضهنَّ للضغوطات والمصاعب في بعض المناطق تقوم هذه الأنظمة بإعطاء بعض الحقوق لهنَّ لإقناعهنَّ بالعدول عن مطالبهنَّ وحقوقهنَّ المشروعة، أيضاً عند قتل النساء تقوم هذه الأنظمة بسجن مرتكبي الجريمة لعدة سنوات بغية القول إن الحق أُعطي لصاحبه، وكل هذه الأساليب والسياسات بهدف إبعاد النساء عن النضال الحقيقي.
تتصاعد وتيرة النضال في مواجهة هذه السياسات المفروضة، فإحتفالات الثامن من آذار/مارس هذا العام كان مختلفاً ومغايراً في كافة أنحاء العالم وهذا دليل على مستوى نضال المرأة، ولكن في المقابل كلما ازداد النضال وسارت النساء نحو تحصيل حقوقهن يتزايد الظلم والاضطهاد ايضاً.
على جميع النساء إثبات أنفسهنَّ ووجودهنَّ والنضال للوصول إلى حريتهنَّ، حينئذ ليس بمقدور أي جهة فرض العبودية أو إدامة النظام الاستبدادي ذا الطابع الواحد واللون الواحد المُنكر لوجود المرأة، ولأجل ذلك يجب توحيد النضال والوعي وكسر الحواجز والقيود الموجودة التي تفرضها الدولة والأنظمة تحت مسميات مختلفة باسم القوانين والعادات والاعراف، والجهة الوحيدة القادرة على هذا التغيير هي المرأة، وبهذا النضال سيصبح القرن الواحد والعشرين قرن حرية المرأة والذي تتضح معالمه منذ الآن.
نسعى جاهدين للوصول إلى حرية المرأة والنضال للتَغيُر والتغيير لمواجهة الذهنية السائدة، وتوحيد قوى المرأة في جميع الأماكن حتى لا تكون ضحية الأنظمة.
كلمة أخيرة توجهونها لنساء شمال وشرق سوريا ونساء الشرق الأوسط والعالم في ذكرى تأسيس وحدات حماية المرأة؟
نستذكر جميع الشهيدات اللواتي ضحينَّ بأرواحهنَّ وقدمنَّ التضحيات الجسام حتى نصل إلى هذا المستوى من النضال، ونحقق الإنجازات والانتصارات وأن نعيش بحرية وكرامة، اللواتي تركنَّ ميراثاً من الحرية كمنهل لنسير على دربهنَّ، وللاستمرار على نهجهنَّ علينا تصعيد النضال لأن الهجمات ضد المنطقة والمرأة خاصة في ازدياد بهدف النيل من الإرادة الحرة والتعايش المشترك، كما علينا الحفاظ على الهوية والميراث النضالي الحر، والذي سيكون بريادة المرأة لأنها الأكثر وعياً ومعرفة لما عاشته، علينا جميعاً تطوير فكر الدفاع عن النفس والاعتماد على أنفسنا، ونقول على وجه الخصوص لنساء المنطقة لأننا واكبنا الثورة معاً وعشنا مخاطر الهجمات علينا الاستمرار وبقوة في الكفاح، ونستذكر أمهاتنا لأنهنَّ ضحينَّ وقدمنَّ الكثير كالأم عقيدة والأم أمينة، فبنضالنا وتوعية المجتمع نكون على الطريق الصحيح للوصول إلى مستقبل حر.