الهجوم الكيماوي على حلبجة جرح لم يلتئم
في نهاية الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت من عام 1980 إلى عام 1988، استخدم نظام البعث في العراق الأسلحة الكيميائية لمهاجمة مدينة حلبجة والارتكاب بمجزرة جماعية بحق المدنيين.

ريجنا سلام
حلبجة ـ شكل الهجوم الكيماوي الذي شنه نظام البعث العراقي على مدينة حلبجة، جزءاً من حملة عرّفت بالأنفال القائمة على ترحيل القرويين الكرد إلى معسكرات العمل القسري التي بنتها الحكومة بالقرب من المدن.
ضحايا هجوم حلبجة الكيماوي تجاوز 5 آلاف شخص غالبيتهم من النساء والأطفال والمسنين، إلى جانب تدمير المنازل، بحسب تقارير، ففي الساعة الحادية عشرة مساء يوم 16 آذار/مارس 1988 وحتى صباح اليوم التالي، قصفت القوات الجوية العراقية مدينة حلبجة 15 مرة، وفي كل مرة كانت تشارك فيها حوالي 10 طائرات.
معاناة أم تشكل قطرة في بحر مأساة حلبجة
وفي خضم كل هذه المعاناة، قالت وزيرة محمد حمه التي فقدت أطفالها الخمسة في الهجوم الكيميائي على حلبجة، "بعد أن تم نقلنا من قرية تويلا في عام 1987، عدنا إلى حلبجة، استقرينا هناك وعشنا حياة طبيعية حتى 13 آذار 1988 حين انتشرت شائعات بأن حلبجة ستتعرض للقصف بالأسلحة الكيميائية".
وتحدثت عن أبنائها "نكين، رانج، هاورين، أجين، سنكار" الذين كانوا ضحايا الهجوم الكيمياوي، وعن ذكرياتهم التي أصبحت معروضة الآن في نصب الشهداء، "أخذت أجين شقيقها الأصغر رانج لإنقاذه، لكنهما لم يعودا أبداً، ثم استشهد نكين وسانكار معاً، وكانا يحاولان إنقاذ نفسيهما".
لا زالت تحتفظ بالكرة التي لعب بها ابنها سنجار، والقناع الذي صنعه زوجها لابنها ذي الأشهر السبعة، "لدي ذكريات كثيرة عن طفولتهم، لكن لم يتم إنقاذ شيء منها بسبب النزوح"، مضيفةً "لقد قمت بتربية جميع أطفالي في حديقة البيت، قال لي الناس ألا أهتم بالحديقة، لأنه لو كان ابنائي على قيد الحياة لكانوا قد تزوجوا وأنجبوا أطفالاً".
الصمت كان رد المجتمع الدولي على مجزرة حلبجة
ونشرت الغازات المستخدمة في القصف برائحة التفاح والفواكه في المدينة، وهو ما كان غريباً بالنسبة لسكان حلبجة، فاختبأ الكثير منهم في أقبية منازلهم وحاول بعضهم الهروب بعد الظهر، ولكن الرائحة انتشرت، مما أدى إلى مأساة إنسانية هائلة تعد من أكبر جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبت في العالم على الإطلاق.
تم قصف حلبجة بواسطة طائرات سيخو وميراج، وبدأ القصف في الساعة 11 مساءً واستمر حتى صباح اليوم التالي، تعرضت المدينة للهجوم 15 مرة وتم إسقاط أكثر من 200 قنبلة وزن كل منها 500 كيلوغرام، وقد استخدمت الأسلحة الكيميائية مثل الخردل والسيانيد والفوسفور، في القصف الذي خنق كل شيء حي في المدينة بما في ذلك الناس والطيور والحيوانات والأشجار.
لا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد ضحايا الهجوم الكيماوي في حلبجة، لكن تقديرات الضحايا تشير إلى أكثر من 5 آلاف شخص فقدوا حياتهم و10 آلاف جريح، وبحسب إحصاءات غير رسمية، فقد تم تسجيل 5460 ضحية في حلبجة، فيما تم علاج 12800 جريح في إيران بعد الكارثة، بعضهم توفي ودفن فيها.
علي حسن المجيد المعروف بعلي الكيماوي يعتبر المنفذ الرئيسي للهجوم على حلبجة وما حدث تم بأوامره، هو ابن عم الرئيس العراقي صدام حسين ويعتبر يده اليمنى، بعد الهجوم أطلق عليه الشعب الكردي لقب علي الكيماوي.
عندما تم قصف حلبجة اختار المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة الصمت ولم يتكلم أحد عن حلبجة، وقالت بعض المصادر أن السبب في ذلك هو أن الولايات المتحدة وبريطانيا كانتا حليفتين للحكومة العراقية وضد إيران، وظلتا صامتتين بشأن الجريمة.
كما ظلت الأمم المتحدة صامتة بشأن هذه الجريمة، على الرغم من أن ميثاقها يسمح لها بملاحقة مرتكبي الجرائم الإنسانية.
بعد تحرير العراق في 9 تشرين الأول/أكتوبر 2005، أنشأ مجلس الحكم العراقي المحكمة الجنائية العليا العراقية بموجب القانون رقم 10 لمحاكمة أعضاء من نظام البعث، وأصدرت المحكمة أسماء 55 شخصاً مطلوباً بتهم ارتكاب جرائم في العراق، من بينهم المتهمون بالهجوم الكيماوي على حلبجة.
وعقدت الجلسة الأولى في قضية حلبجة في 17 و21 كانون الأول/ديسمبر 2008، وأعلن أن القضية تشكل جريمة ضد الإنسانية وحكم على علي حسن المجيد بالإعدام، وفي 25 ديسمبر/كانون الأول 2010، أي بعد ثمانية أيام من قرار المحكمة، أُعدم علي الكيماوي، وفي عام 2012، أُعيد الحبل الذي استُخدم في إعدامه إلى حلبجة ووُضع في نصب شهداء حلبجة.
لم يرق قرار المحكمة الجنائية العليا بإعلان القضية جريمة ضد الإنسانية للقائمين على القضية، لذا تم تقديم استئناف في 28 فبراير 2010 بعد 34 جلسة، وأعلنت المحكمة أن القضية إبادة جماعية وليست جرائم ضد الإنسانية، وحكمت على سلطان هاشم وفرحان مطلق وصابر عبد العزيز بالسجن 15 عاماً.
وفي وقت لاحق، في 17 مارس/آذار 2011، أعلن البرلمان العراقي الهجوم الكيميائي على حلبجة بمثابة إبادة جماعية، لكن الحكومة العراقية لم تقم حتى الآن بتعويض ضحايا حلبجة، وهو واجب قانوني على الحكومة.
لم يتم الاعتراف بقضية الهجوم الكيميائي على حلبجة على أنها إبادة جماعية، وكان البرلمان الكندي هو الوحيد الذي اعترف بهذه الجرائم باعتبارها جرائم ضد الإنسانية، وليس إبادة جماعية، في 16 مارس/آذار 2010.
وفي أغسطس 2013، أعلنت منظمة البلديات العالمية من أجل السلام حلبجة ثالث أكثر منطقة كارثية في تاريخها، وتم انتخاب رئيس بلدية حلبجة نائباً لرئيس المنظمة وكان من المفترض أن يعمل على ذلك في الأمم المتحدة للاعتراف بالإبادة الجماعية وتضم المنظمة 157 دولة و5712 رئيس بلدية، ولكن لم تسفر عن أي نتيجة حتى الآن ولم يتم الاعتراف بالجريمة المرتكبة ضد حلبجة على أنها إبادة جماعية.