الذاكرة والفرمان الـ 74 ـ 2

"بقينا في الجبال أياماً عطشى وجوعى، لكن بعد بضعة أيام جاء مقاتلو الدفاع الشعبي لنجدتنا وقاموا بحمايتنا، حملوا أطفالنا وشيوخنا على ظهورهم" بهذه الكلمات عبرت نسرين خالد عما عاشوه أثناء فترة الفرمان الـ 74.

روناهي زردشت

شنكال ـ هاجم داعش شنكال والقرى المحيطة بها في الثالث من آب/أغسطس من عام 2014 وقتلوا واختطفوا خلالها الآلاف من الأشخاص معظمهم من النساء والأطفال وتم بيعهم في الأسواق ولا يزال مصير آلاف الإيزيديات مجهولاً، فضلاً عن هروب ونزوح الآلاف إلى الكهوف في الجبال لتجنب الوقوع في قبضة داعش.

إن أفضل تعريف للطفل هو ما عبر عنه الشاعر فرانسيس طومسون عندما قال "هل تعرف ماذا يعني أن تكون طفلاً؟ يعني أن تكون مختلفاً عن الناس، يعني الإيمان بالحب والمودة؛ يعني أن الناس يستطيعون تحويل القرع إلى سيارات، والفئران إلى خيول، والحب إلى عظمة، دون القيام بأي شيء، لأن كل طفل يحمل ملاك الخير الخاص به في قلبه، أن تكون طفلاً هو أن تعيش لفترة قصيرة وأن تعتبر نفسك كملك الفضاء اللامتناهي".

أن تعريف الطفولة لا ينطبق على الأطفال الذين يعيشون على هذه الأراضي، فأطفال هذه الأراضي يولدون ويكبرون في خضم الحروب والمجازر والعنف والهجمات وغيرها، حيث يتم تقطيع جثث الأطفال على الحدود بواسطة الطيران الحربي مثل ما حدث في روبوسكي، كما يتم حفظ جثث الأطفال في الثلاجات لمنعها من التفسخ كما حدث مع جثة جميلة، في هذه الأراضي يتم سحق أجساد الأطفال الندية تحت دبابات العدو، ويولد ويكبر الأطفال على طرق الهجرة، أثناء الفرمانات والمجازر مثل الأطفال الإيزيديين، في هذه الأراضي اللعبة الرئيسية للأطفال هي العيش ضد جميع أنواع الهجمات والمذابح والعنف والفرمانات، وفي هذه الأراضي الأطفال لا يبكون من أجل الألعاب بل يبكون بسبب الجروح التي أصابت أجسادهم، في هذه الأراضي إنجاب الأطفال في أجساد صغيرة يعني حمل أحمال ثقيلة، وجود طفل على هذه الأراضي هو بسمة على الوجه، وأمل وإصرار على الحياة رغم كل شيء، إنجاب الأطفال على هذه الأراضي هو صرخة رغم كل شيء شعار يتردد على الألسن.

 

نشأت بين جراح الفرمان

كانت نسرين خالد البالغة من العمر 21 عاماً إحدى هؤلاء الأطفال الذين شهدوا الفرمان الـ 74 الذي شنته عصابات داعش على شنكال في الثالث من آب/أغسطس 2014، وكبرت مع جراح الفرمان. كانت تبلغ من العمر 10 سنوات وقت حدوث الفرمان في تل قصب في شنكال.

 

هاجموا حوالي الساعة الثالثة ليلاً

خلال هجوم داعش كانت القرى والتجمعات التابعة لناحية تل عزير وسيبا هي أكثر الأماكن التي تعرضت للمجازر والأماكن التي قاومت داعش، ومن إحدى القرى التي دخلت التاريخ بمقاومة الشعب ومجازر داعش هي قرية تل قصب الواقعة جنوب شرق شنكال.

وهاجمت عصابات داعش قرية تل قصب في منتصف الليل، الإيزيديون الذين أنقذوا أنفسهم من العصابات توجهوا على الفور إلى الجبال، التي كانت أفضل ملاجئ للناس منذ آلاف السنين.

تقول نسرين خالد عن هجمات داعش على قريتها في الثالثة فجراً "في البداية سمعنا صوتهم وقلنا ما الذي حدث، قال القرويون لا نعرف، عندما سمعنا الصوت كنت على السطح وكان الجميع يركضون، ثم قالوا لقد حدث فرمان ودخل داعش إلى القرية حينها أحضرنا سيارة وكنا خمس عائلات هربنا إلى الجبال لتنجب الوقع في قبضة داعش".

وأشارت إلى أنها سارت مع عائلتها والأشخاص الذين كانوا معهم لأيام دون مياه أو خبز، وبعد أيام قليلة صادفو مقاتلي قوات الدفاع الشعبي HPG ووحدات المرأة الحرة YJA-Star "بقينا في الجبال أياماً وكنا عطشى وجائعين، لكن بعد بضعة أيام جاء المقاتلون لنجدتنا وأخضروا لنا الماء والخبز وقاموا بحمايتنا، لقد حملوا أطفالنا وشيوخنا على ظهورهم".

 

الهجرة والعودة

وقالت بعد أن أوصلهم المقاتلون إلى أماكن آمنة توجهت مع عائلتها إلى إقليم كردستان "بقيت مع عائلتي في إقليم كردستان، وبعد عام من الهجوم عدنا إلى أراضينا لكن ليس إلى منزلنا في تل قصب بل في تل عزير"، مشيرةً إلى أنها تفكر كثيراً بالنساء الإيزيديات اللواتي وقعن في أيدي داعش أثناء الفرمان "لو لم نتمكن من إنقاذ أنفسنا يوم الفرمان والاختباء في الجبال، لكنا الآن أنا وعائلتي في أيدي المرتزقة".

 

"لماذا تعرضنا للفرمان؟"

كانت نسرين تبلغ من العمر 10 سنوات عندما حدث الفرمان، وبعد مرور عام على حدوث الفرمان، عادت في مدينة تل عزير التي نشأت فيه وتزوجت هناك لكنها لا تزال تفكر بما حدث يوم الفرمان، ووحشية داعش والنساء اللواتي وقعن في أيدي داعش، وفي كل مرة تطرح سؤال "لماذا شن الفرمان علينا؟" وأوضحت أنه عندما يكبر طفلها ستخبره عن الفرمان وما رأته وعاشته.

وطالبت نسرين خالد بإنقاذ وتحرير النساء الأسيرات لدى داعش وأعادتهن إلى أسرهن وأطفالهن.