إعادة هيكلة العصرانية الديمقراطية... محور ندوة حوارية في الرقة
في ظل التحديات وصراعات الدول المهيمنة التي يشهدها الشرق الأوسط، سلطت ندوة حوارية الضوء على أشكال الهيمنة للدول القومية وأهمية تطبيق العصرانية الديمقراطية.
الرقة ـ أكدت العضوة في أكاديمية العلوم الاجتماعية عائشة جاويش على مبدأ القائد عبد الله أوجلان حول أهمية مشاركة المرأة في إعادة هيكلة العصرانية الديمقراطية التي تعتبر حل لقضايا الشرق الأوسط والعالم.
لإيجاد حلول جذرية للقضايا العالقة في الشرق الأوسط وتحت شعار "العصرانية الديمقراطية الحل الأنسب لقضايا الشرق الأوسط" عقد اتحاد المثقفين بالتنسيق مع أكاديمية القائد أوجلان للعلوم الاجتماعية ندوة حوارية اليوم الاثنين 4 تشرين الثاني/نوفمبر، بمشاركة العديد من الشخصيات السياسية والثقافية وحركات نسوية.
وتضمنت الندوة الحوارية محورين الأول كان حول صراع الهيمنة في الشرق الأوسط وأنواعها من الناحية الذهنية الثقافية والاقتصادية والسياسية، كما تطرق للحل عبر تطبيق مفهوم العصرانية الديمقراطية الذي طرحه القائد عبد الله أوجلان كأساس، وذلك بعد دراسة وتعمق كبير في قضايا المنطقة وفي جوهر المشكلة.
وتطرق المحور إلى "تشعب ذهنية الهيمنة والسيطرة في الدول والامبراطوريات التي حكمت الشرق الأوسط أو أرادت حكمه على مدى خمسة آلاف عام وحتى فترة حكم الدولة القومية التي قامت بتقسيم الشعوب ونشرت التفرقة والتعصب بهدف تغيير حقيقة الشرق الأوسط".
وحول ما قدمه القائد عبد الله أوجلان من خلال فلسفته أوضح المحور أنه تم "قراءة جديدة للقضايا الاجتماعية ودراسة أسباب وظروف وآلية ولادتها، وتأثيرها على الإنسان والمجتمع والبيئة، حيث يعتبرُ القائد عبد الله أوجلان أنّ السبب الرئيسي في ظهور القضايا الاجتماعية وتفاقمها الاستعمار والقمع واستغلال المجتمعات وظهور فائض القيمة وجعله هدف أساسي للبشرية، وتأثيرها على الأخلاق والسياسة المجتمعيتين".
وأكد المحور أن المجتمعات لا تستطيعُ الاستمرار بوجودها بدون الأخلاق والسياسة، اللتان تشكلان النسيج المجتمعي، فالمجتمع الخالي من هذا النسيج هو مجتمع خارج عن كينونته ويحيا تحت نيران الاحتلال والاستعمار الذهني والاقتصادي والسياسي بشتى الأنواع والأشكال".
وتطرقت المحور إلى أن القائد عبد الله أوجلان اعتبر ولادة الدولة والمدنية حدث مدمر وكارثي على المجتمع، لأنها قامت ببناء ذاتها على استعمار المجتمع الأخلاقي والسياسي، وحولت الإنسان إلى عبد يخدم الدولة وقوتها الاحتكارية، فمع ولادة الدولة يولد القمع والاستغلال كما تولد الحروب.
ولفت المحور إلى أن القائد أوجلان قال إنه في مرحلة الدولة السومرية، حلَّ الرجل الذكر محل المرأة الأم وأصبحت عبدة وأداة إنجاب ومتعة في خدمة شهوة الرجل وغرائزه، حيث قام كهنة الدولة السومرية بإنتاج الأيديولوجيا والثقافة الدولتية الهرمية الذكورية والدين الذكوري اعتمد على استعباد المرأة وسلب مكتشفاتها ومهاراتها وطمس هويتها".
وعن أحد أهم المصطلحات التي تطرق لها القائد أوجلان بفلسفته، المصطلح الذي اسماه بـ "العصرانية الديمقراطية" والتي يطرحها على أنها أفضل الحلول للأزمات التي يتم عيشها الآن "أزمة" و"الحداثة الرأسمالية" والعصرانية الديمقراطية هي حل لا يقتصر فقط على الجغرافية الخاصة بالمناطق التي يتواجد الكرد فيها فقط (كردستان)، بل يطرحها كحل بديلٍ متكامل لمنطقة الشرق الأوسط الكبير أولاً وللعالم بدءاً من الحياة التشاركية النّديِة بين الجنسين، ووصولاً إلى مشاطرتها بين الأقليات والقوميات والأثنيات والشعوب والأقوام والملل على اختلاف ألوانها وأطيافها وعقائدها، لأنهُ يؤمن بالتعددية.
وعرف المهامُّ الثلاث للعصرانية الديمقراطية على أنها مترابطة في الأبعاد الفكرية والأخلاقية والسياسية، (أي المهام الفكرية والأخلاقية والسياسية) وكل مهمة من هذه المهام يتعينُ عليها صونُ استقلاليتِها كمؤسسة.
بينما تناول المحور الثاني "ما تعايشه الشعوب في الوقت الراهن من أزمة فكرية نتيجة النزعة الفكرية التي تحدث في عهد الحداثة الرأسمالية كـ (الليبرالية، الوضعية، العقلانية، الذات والموضوع)، من مصطلحات تم إطلاقها من قبل الحداثة الرأسمالية ومحاولة القضاء على دور الأخلاق داخل المجتمع".
وعن المبادئ العامة بشأنِ المهامِّ الأساسيةِ لإعادة هيكلة العصرانيةِ الديمقراطيةِ "المهامّ الفكرية أولُ عمل يجبُ القيام به فما تعايشه المجتمعات اليوم هو أزمةٌ فكريةٌ عميقة، إنّ حلَّ أزمةِ النظام الفكرية غيرُ ممكنٍ إلاّ بإنجازِ "الثورةِ الفكرية" الشاملة التي تقوم على أساس كسر القوالب المجتمعية التي عانت من نظام السلطة وسيطرته فتمسكت بقوالبه الجاهزة بسبب كثرة الضغط الذي تم ممارسته عليها، وبحاجة ماسة لثوراتٍ شبيهةٍ لأجلِ الخلاص من الأزمةِ القائمة".
وتطرق المحور إلى أهمية إنشاء الأكاديميات السياسةِ والثقافةِ الديمقراطيةِ "لتقديمُ الدعمِ الفكريِّ والعلميِّ اللازمِ لتلبيةِ احتياجاتِ إعادةِ بناءِ وحداتِ المجتمع الأخلاقيّ والسياسيّ، وأيضاً ارتباط هذه الأكاديميات بالمجتمع هو أمر مهم كون الدولة تسعى لإبعاد العلم عن المجتمع وجعله مراكز تابعةً لها ولتسيير مصالحها ونشر ذهنيتها، ولا يحق للمجتمع التعبير عن نفسه بطريقةً علمية وكل هذه الأمور زادت من تأزم المشكلة الذهنية".
ولفت المحور إلى المهامّ السياسية "تفسر السياسة بالرجوع إلى التاريخ ومنذ نشوء السلطة والدولة، وبدأ نظام المدنية بتضيق الخناق على السياسة المجتمعية ويَستمرُّ هذا التضييق إلى يومِنا الحاضرِ بنسبةٍ كبيرة، فالمجتمعَ قد حُوصِرَ واستُعمِرَ وغُزِيَ وبات عاجز عن إدارة نفسه وتأدية وظائفه السياسية".
وعرف المحور العصرانية الديمقراطيةِ على أنها مجموع مؤسسات أخلاقية تُعادُ فيها هيكلة المجتمع الأخلاقيّ والسياسي "تهدف لتأمينِ سيرورةِ المجتمعِ الأخلاقي والسياسي حيالَ الهجماتِ التي تُسَيِّرُها قوى الحداثةِ ضدها بالأسلحةِ الأيديولوجيةِ وحربها الخاصة".
وشدد المحور على أهمية حل القضايا والأزمات لنظام الرأسمالية الذي يكمن في إنشاء العصرانية الديمقراطية "أن العصرانية الديمقراطية تستند على تاريخ الحضارة الديمقراطية، وما سعى إليه القائد أوجلان هو العمل على عرض العصرانية الديمقراطية، ومن خلال عرض ماهيتها المجتمعية وذهنيتها الأساسية تنظيمُ كافةِ الوحداتِ الاجتماعيةِ والأفراد، وفق مفهومِ (براديغما الأمة الديمقراطية التي تشمل وجوب وجود مجتمع أخلاقي وسياسي ومجتمع إيكولوجي وعلى حرية المرأة) وتحقيقُ الحرية والمساواة والديمقراطية، لذلك فحاجة المجتمع لإعادة صياغة وهيكلة جذرية من كل النواحي لكي يستطيع التخلص من المفاهيم التي تم زرعها على مدى آلاف السنين".
واختتم المحور بأهمية "توسيع نشاطات القراءة والتوعية الثقافية للوصول بهذا المجتمع الى درجةً عاليةً من الوعي الثقافي والسياسي ولكيلا يتم التلاعب به من قبل أنظمة الهيمنة الرأسمالية".
وعلى هامش الندوة قالت العضوة في أكاديمية العلوم الاجتماعية للقائد أوجلان عائشة جاويش "جاءت هذه الندوة كحاجة ضرورية في ظل الصراعات والتحديات والحروب الدائرة التي تشهدها دول الشرق الأوسط وتسلط الضوء على أهمية تطبيق العصرانية الديمقراطية كونها الحل الأنسب لحل كافة القضايا، ومساعي لإعادة بناء هيمنة الدولية لخلق حرب عالمية ثالثة بقيادة الدول الرأس مالية".
وحول الهدف من عقد الندوة قالت "لتوعية العالم عامة ومناطقنا خاصة بحقيقة وجه الدول القومية ومساعيها، كون مناطقنا تعتبر مهد الحضارات العصرانية والثقافية والتنوعية وكونها غنية بثروات والموارد البشرية وهذا ما جعلها أكثر هدفاً لسطو الدول المهيمنة".
وبينت أن المحور الثاني سلط الضوء على "شمل القائد أوجلان من خلال اطروحات الجانب الديني والثقافي والسياسي والفلسفي والمهام الأساسية لتطبيق العصرانية الديمقراطية"، مضيفةً أن أشكال الهيمنة التي فرضتها الدول القومية منها الثقافية الذهنية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية وتوحيد فئة ثقافية واحدة وانعدام الأقلية التي فرضتها والتي فاقمت هذه الأزمات وجعلتها أكثر تعقيداً، وهذا كان سبباً لطرح القائد أوجلان مشروع أخوة الشعوب والتعايش المشترك".
ولفتت إلى استمرار العزلة على القائد أوجلان "الصمت الدولي ومنح تركيا الضوء لاستهداف مناطق إقليم شمال وشرق سوريا هي سياسة مشتركة ساعية للقضاء على مشروع الأمة الديمقراطية والقضاء على فكره حتى أن رسالته الأخيرة أكدت الأرضية القانونية السياسية هو الحل".
وأكدت في نهاية حديثها على أهمية ثورة المرأة ودورها في تطبيق العصرانية "ذكر القائد أوجلان أن تحرر المرأة يعتبر تحرر المجتمعات، فالمرأة اليوم تدفع الفاتورة الأكبر في الحروب التي يشهدها العالم، لذا عليها أن تشارك بدورها الفعال لتقف بوجه الهيمنة القومية التي تسعى لاستبعادها كما فعلت منذ عقود".