من معاناة الغربة إلى ذُلّ العودة... قصة نازحة من إيران إلى أفغانستان
في أرضٍ تدفع الحرب والفقر أهلها إلى الرحيل، تصبح الهجرة خياراً قسرياً مرّاً من أجل البقاء، وشكيلا محمدي، أفغانية وأمٌ لأربعة أطفال، تسرد معاناتها في رحلتها غير المرغوبة إلى إيران، وما واجهته هناك من تمييز وتهميش، وصولاً إلى العودة المهينة إلى أفغانستان.

بهاران لهيب
كابول ـ الهجرة كلمة تحمل مرارة وكراهية لشعوب مثل الشعب الأفغاني الذي يعاني منذ سنوات طويلة من الحرب والفقر، فمنذ قرون، اضطر الناس إلى مغادرة أراضيهم حفاظاً على حياتهم واستمراراً للعيش، لكن هذه التنقلات دائماً ما كانت محفوفة بخسارة المنازل والممتلكات والأوطان.
بالنسبة لأولئك الذين كانت الحرب سبباً رئيسياً لهجرتهم، فإنها لم تكن يوماً خياراً، بل كانت جبراً مؤلماً، والشعب الأفغاني، بجانب آلامه التي لا تُحصى، شعر بألم الهجرة وذُلّها بعمق، ولا يزال يعاني منها حتى اليوم.
أكثر من أربعة عقود من الحروب والفساد والظلم والحكام التابعين أدّت إلى تشريد ملايين الأفغان حول العالم، كثير من هؤلاء المهاجرين يعيشون منذ سنوات في دول الجوار مثل إيران وباكستان، بل وحدثت حالات زواج بين بعض العائلات.
لكن منذ عام 2023، تصاعدت المعاملة غير الإنسانية تجاه المهاجرين الأفغان، ففي إيران وباكستان، اقتحم عناصر من السلطات المنازل دون إنذار، وطردوا الأسر بعنف وأجبروهم على عبور الحدود بالقوة، وكل مهاجر من هؤلاء له قصة أليمة عن العودة المهينة التي لم تجد آذاناً صاغية لدى حكومات الدول المضيفة، كما أن الحكومة الأفغانية لا تملك القدرة على تضميد جراحهم.
وإلى جانب القمع الرسمي، استغل بعض الأشخاص الفوضى التي يعاني منها المهاجرون، فلم يدفعوا لهم أجورهم، وفرضوا عليهم إيجارات باهظة، وباعوا لهم الأغذية الفاسدة بأسعار عالية.
من بين هؤلاء المهاجرين، تبرز قصة شكيلا محمدي، إحدى النساء اللواتي أنهكهن التعب والخيبة، حيث قالت، وهي أمٌ لأربعة أطفال "قبل عام، اضطررنا إلى مغادرة أفغانستان لإنقاذ حياة زوجي، لم يكن معنا سوى الملابس التي نرتديها، الكل كان يقول إن الحياة أفضل في إيران، لكننا لم نحصل على غذاء صحي ولا مأوى آمن".
وتابعت "كان زوجي جندياً في أفغانستان، لكنه عمل في البناء داخل إيران، وكان يتلقى أجر شهره بعد شهرين من الانتظار، كنا نقضي أيامنا بصعوبة، ونعاني لتوفير الطعام لأطفالنا".
وعن التمييز الذي واجهته في إيران، قالت "كانوا يبيعون لنا خبزاً قديماً عمره عدة أيام لأنهم يعلمون أننا أفغان، وعندما كنا نشتري مواد غذائية من المتاجر، كانوا يعطوننا البضائع منتهية الصلاحية، ولم يكن أمامنا خيار سوى أن نشتريها، كنا نتحمل الفقر إلى جانب الإهانة وقلة الاحترام".
وحول عودتها إلى أفغانستان، أفادت أنه "كان زوجي في عمله حين أُبلغ بأنه يجب أن يغادر إيران، اضطررنا لترك كل ما جمعناه بشق الأنفس هناك والعودة"، مضيفةً "واجهنا خلال العودة تصرفات حسنة وسيئة، لكن السيئ كان أكثر، ذات مرة، جلسنا للحظات في حديقة نحاول جمع المال اللازم لاستئجار السيارة، فجاءت بعض النساء الإيرانيات وطردننا من الحديقة بالشتائم والضرب".
وفيما يخص دعم طالبان للمهاجرين قالت "رغم أن إعلام طالبان يروج أنهم يدعمون المهاجرين وينقلونهم إلى مناطق سكنهم، إلا أن هذا ليس صحيحاً، وحدهم الناس الطيبون والمنظمات هم من يقدمون المساعدة، طالبان حاولوا الاستيلاء على تلك المساعدات".
وتتابع حديثها عن مرحلة الوصول "عندما وصلنا إلى الحدود، شعرنا بالفرح لوجود سيارة تنقلنا إلى وجهتنا، لكنها أوصلتنا فقط إلى هرات، بقية الطريق ساعدنا فيه بعض الأشخاص الذين جمعوا لنا المال لنكمل الرحلة".
وأضافت "كانت هناك امرأة جارة لنا، لديها ثلاثة أطفال وكانت حاملاً أيضاً، عندما نزلنا من السيارة، بدأت تصرخ أنها على وشك الولادة، لكن لم يهتم بها أحد، ولدت في الصحراء، ومات طفلها المولود، أما أطفالها الثلاثة الآخرون فقد اختفوا في الزحام، ولأن أطفالي الأربعة كانوا معي لم أستطع مساعدتها، جئت مع أسرتي ولا أعرف مصير تلك المرأة حتى الآن".
الهجرة القسرية بالنسبة للأفغان لا تعني فقط مغادرة الوطن، بل هي تجربة مليئة بالمعاناة، الإذلال، الجوع، وانعدام الأمان، قصص مثل قصة شكيلا محمدي ليست سوى واحدة من آلاف القصص، يجب على المجتمع الدولي والمؤسسات العالمية ألا يصمتوا أمام هذه المظالم، فالأفغان يستحقون الاحترام، الدعم، والكرامة الإنسانية سواء في وطنهم أو خارجه.