ما بين الماضي والحاضر... القهوة العربية تقاليد راسخة تترجم ثقافة الضيافة
بينت عيوش الإبراهيم وهي إحدى النساء القديرات في عشيرة معروفة بمقاطعة منبج، أن أصول عادات تقديم القهوة من الأمور التي يجب ألا يغفل عنها أفراد عائلة شيخ العشيرة لذا يتقنها الكبار والصغار.
سيلفا الإبراهيم
منبج ـ يمتاز العرب الذين يتبعون النظام العشائري بعادات وتقاليد لا يزالوا يحافظون عليها بتفاصيلها ويتناقلونها من جيل إلى آخر، كعادة تحضير القهوة المرّة وطريقة تقديمها للضيف التي تتم على عدة مراحل.
عيوش الإبراهيم البالغة من العمر 65 عاماً، والتي تعرف بأنها إحدى النساء القديرات في عشيرة الغنايم التابعة لقبيلة البني سعيد وزوجة أحد شيوخ العشيرة، يحاكي الدق المرسوم على وجهها الذي يتناغم مع ملامحها، عراقة محبتها للعادات والتقاليد والقيم التي كبرت عليها وعلمتها لبناتها وأبنائها ولا تزال متمسكة بها.
ولمكانتها المرموقة في المجتمع ونظراً للبيئة التي أنشأت بها، تتقن عيوش الإبراهيم تحميص البن على النار ودقه بالمهباج لتستخرج منه القهوة المرّة التي اعتاد شيوخ العشيرة ونسائهم وبناتهم على تحضيرها بالأيدي لتكون خاصة بمجلسهم.
وعن مراحل تحضير القهوة، قالت إنه في البداية يتم تحميص البن في المحماس على نار هادئة حتى يتغير لونها وشكلها من الني إلى البني الغامق، ومن ثم يتم نشرها في صينية حتى تبرد لتطحن بالمهباج، وبعدها يوضع إبريق ماء على النار حتى درجة الغليان ويضاف إليها القهوة والهيل مع التقليب وتترك على نار هادئة لمدة ربع ساعة، ومن ثم تتم تصفيتها ووضعها في الدلة لتقديمها للضيوف.
وتطرقت إلى عادة توزيع القهوة على الضيوف والتي تكون على تناسق وترتيب فالفنجان الأول "للهيف" والثاني "للضيف" والثالث "للكيف" والرابع "للسيف"، موضحةً أن أول فنجان قهوة يشربه رب البيت على مرئ الضيوف كي يطمئنوا ويشربوا القهوة دون قلق فيطلق على الفنجان الأول "الهيف"، وأثناء الضيافة أول فنجان يحتسيه الضيف يطلق عليه "الضيف"، وإذا طلب الأخير أن يُسكب له مرة أخرى يطلق على هذا الفنجان "الكيف" أي للمتاع، أما الفنجان الثالث يطلق عليه "السيف" أي أن الضيف قادم بغرض طلب "الفزعة" لدعمه في قتال أو حرب ستقام بينه وبين طرف آخر، أما إذا اكتفى الضيف من الفنجان الأول يهز يده للإشارة بأنه اكتفى.
وعن سبب هز اليد أثناء الاكتفاء من شرب القهوة، بينت أن "الشرط الأساسي لاختيار الشخص الذي يضيف القهوة في المجالس أن يكون أصم وأبكم، لأن المجالس أسرار ومكان تجمع قضايا المجتمع ويتوجب الحفاظ على خصوصية تلك القضايا، فعندما يشرب الضيف القهوة يهز الفنجان ليفهم بلغة الإشارة أنه اكتفى من شرب القهوة".
وأضافت "يحبذ ضيافة القهوة باليد اليمنى وشربها باليد اليمنى ولا يوجب وضعها على الأرض"، لافتةً إلى أنه "توجد عادة أخرى إذا أتى الضيف وتم ضيافته القهوة ولم يشربها يدل على أنه جاء لطلب في حال لم يتم تلبيته لا يحتسي قهوته، وهنا صاحب مجلس الضيافة إذا أدرك أنه قادر على تلبية طلب الضيف يقول له بأن يشرب قهوته وأن ما جاء لأجله سيذهب به".
"الشاي للقص، والقهوة للنص، والذبيحة للخص"، مقولة لطالما اشتهر بها العرب وعلى وجه الخصوص في مجلس الضيافة تعبيراً عن كرمهم وتقديرهم للضيف وتعني أن الشاي تبدأ ضيافته من اليمين إلى اليسار، أما القهوة تتم ضيافتها بدايةً من أكبر شخص عمراً وقدراً في المجلس، أما جملة الذبيحة للخص فتعني أن ما يذبحه صاحب المجلس من ماشية يكون خاص بالضيف، بحسب ما شرحته عويش الإبراهيم.
وتطرقت إلى دور المرأة في عائلة شيخ أو وجهاء العشيرة "تتمتع المرأة بقدر كبير في هذه العائلة، فكما يكون دور الوجيه هو الاستشارة وحل القضايا الاجتماعية، تكون والدته أو زوجته لها دور في طرح المشاكل وحلها سواءً في مواضيع الخصام أو الصلح وما إلى ذلك".
وذكرت أنه توجد عادة أخرى والتي تعتبر من القيم التي يعتزون بها وهي "الدخيل" أي إذا جاء أحد وطلب أن يحتمي لا يرد مهما كانت مشكلته لأنه يكون دخيلاً على وجيه العشيرة الذي بدوره يقوم بحل تلك المشكلة.
ويعتبر تعلم أصول عادات تقديم القهوة من الأمور التي يجب ألا يغفل عنها أفراد عائلة الوجيه لذا يتقنها الكبار والصغار، وأكدت عيوش الإبراهيم أن "هذه العادات والقيم لا تزال متواجدة بيننا، فالمجالس مدارس ومن يكبر فيها يكتسب خبرات تفوق تعليم المدارس، وهذه العادات حافظت على نفسها حتى يومنا هذا لأننا حريصون على ناقلها من جيل إلى آخر".