بأساليب تقليدية... تتوارث الأجيال صناعة الصوف
لطالما عكست صناعة الصوف هوية وثقافة وحضارة مقاطعة دير الزور، فهي جزء لا يتجزأ من تاريخها، كما أنها فن عريق يتم توارثه عبر الأجيال من خلال المحافظة على صناعته.
زينب خليف
دير الزور ـ لا تزال نساء مقاطعة دير الزور في إقليم شمال وشرق سوريا تحافظن على مهنة الصوف وصنعه على الرغم من منافسة الصناعة والمنتجات الجاهزة لها.
تعتبر صناعة الصوف أحد أبرز المهن والحرف التقليدية التي يشتهر بها أهالي ريف مقاطعة دير الزور، والتي يتم حياكتها في المنازل. فالنساء هناك مسؤولات عن تجهيز صوف الأغنام وتحويله إلى خيوط بسماكة مختلفة عبر سحبه وفتله عدة مرات للوصول لدرجة السماكة المطلوبة، وتلوين الصوف يتم عن طريق نقعه بمواد طبيعية (كالرمان والكمون) ثم غليه ليثبت اللون.
وتبدأ عملية الحياكة أولاً بجمع الصوف من الأغنام، حيث يتم جزه في فصل الربيع بأدوات خاصة كالمقص أو الجزازة، ومن ثم تبدأ النساء باستخدام أداة تعرف بالمغفل، وهي أداة تقليدية تستخدم لبرم الصوف بشكل دقيق، وبطريقة تسمح بتفكيك الألياف بشكل جيد، مما يسهل عملية الغسل والتنظيف، ويعتبر الدوك أو المغزل من الأدوات الأساسية في عملية حياكة الصوف، حيث يستخدم لتحويل الألياف المفككة إلى خيوط متينة، ويتم تصنيع الدوك عادة من الخشب، حيث يشذب بشكل دائري ليكون سهل الاستخدام.
تقول حمدة الحسين الصالح إحدى النساء اللواتي لا تزلن تمتهن صناعة الصوف "نقوم في البداية بإدخال ألياف الأغنام في جزء صغير من المغزل المعروف محلياً باسم الدوك، وهو عبارة عن قطعة من الخشب ينتهي رأس العمود بقطعة حديدية كالمسمار المعقوف للربط، يتم تحريكه حتى تجتمع الخيوط حوله، من ثم تدار اليد حوله لتشكيل الخيوط، فهذه العملية تتطلب مهارة ودقة، إذ يجب أن تكون الخيوط متساوية في السماكة لضمان جودة المنتج".
وعن صناعة الدوك أو المغزل، لفتت أن عملية صناعة الدوك تتطلب خبرة ودقة، حيث يبدأ الحرفي باختيار قطعة خشب جيدة، وغالباً ما تكون من أشجار الزيتون أو السرو، ومن ثم يتم تشكيل الخشب باستخدام أدوات بسيطة مثل السكين والمنشار، ويتم شحذ الجزء العلوي من الدوك ليكون مدبباً، مما يسهل إدخال الألياف، ثم يصقل الخشب ليصبح ناعماً وجاهزاً للاستخدام، وللدوك أشكال وأنواع مختلفة.
وعن مراحل حياكة الصوف قالت "يتم غسل الصوف جيداً لإزالة الاوساخ والشوائب العالقة فيه، ويتم بعد ذلك تشكيله على شكل كرات لتصبح خيوط صوفية قابلة للغزل، بعد ذلك تأتي مرحلة "نفش الصوف"، يتم فيها فصل الألياف وتحضيرها للمرحلة التالية هذه العملية تساهم في تحسين جودة الصوف وتجعله أكثر نعومة".
وعن المرحلة التالية أي "البرم"، أوضحت إنه يتم استخدام خيطين معاً ويتم برمها بالمبرم، مما يعطيها قوة ومتانة ومن ثم تبدأ مرحلة "النسج" يتم فيها تشكيل الصوف بأشكال متعددة مثل المفارش، والتي تستخدم لتزيين البيوت أو لحماية الأرضيات.
وأكدت على أهمية الحفاظ على مهنة صناعة الصوف كجزء لا يتجزأ من التراث الثقافي للمنطقة ونقل هذه الحرفة التقليدية إلى الأجيال القادمة لما تحمله من رموز ومعاني تعكس حياة المجتمع، من خلال تعليمها والاستمرار في صناعتها والحفاظ عليها لأنها وسيلة للحفاظ على الهوية الثقافية في المنطقة وتساهم في تعزيز الانتماء بين الأجيال، كما أنها جزء لا يتجزأ من تاريخ المنطقة، مشيرة إلى أن هذه الحرفة ليست مجرد وسيلة لكسب لقمة العيش، بل جسر يوحد الأجيال، ويعزز شعور الانتماء والاعتزاز بالهوية الثقافية.
ونوهت إلى أن الاحتفاظ بهذه الفنون التقليدية يمثل جسراً يربط الأجيال بعضها بالبعض ويعزز الشعور بالانتماء للهوية الثقافية، لأن تراث حياكة الصوف ليس مجرد حرفة، بل تعبير عن هوية وثقافة غنية تستحق أن يتم الحفاظ عليها وتنقل للأجيال القادمة "بأجواء التعاون والمشاركة ولحظات مليئة بالذكريات كنا نجتمع كنساء حي واحد ونقوم بحياكة الصوف معاً، تلك اللحظات عززت الروابط الاجتماعية بيننا قمنا خلالها بكتابة بيوت شعرية باستخدام مهاراتنا في برم الصوف وصناعته".
وفي ختام حديثها قالت حمدة حسين الصالح "من خلال نقل مثل هذه المهن للأجيال القادمة، سنضمن استمرار هذا التراث، ليبقى شاهداً على تاريخنا وهويتنا، وكل قطعة مصنوعة من الصوف تحمل في طياتها قصة تروى ذكريات وثقافة تستحق أن يحافظ عليها الأجيال القادمة".