بالحرف اليدوية تتجاوز المهجرات في مخيم تل السمن محنتهنَّ
عقب تهجيرها قسراً ومعايشتها لظروف اقتصادية ونفسية صعبة، تعلمت ولادة محمد العلي الحرف اليدوية في ستة أشهر، لتتجاوز بمهنها محنتها، وهي اليوم تُدرب خمس نساء في كل شهر ضمن مخيم تل السمن.
دلال رمضان
كوباني ـ
يحتضن مخيم تل السمن الذي يقع على بعد 30 كم شمالي مدينة الرقة 700 عائلة مهجرة من تل أبيض/ كري سبي في شمال وشرق سوريا، وتحتاج أغلب هذه العوائل إلى مردود مادي يساعدها على تجاوز صعوبات الحياة، لذا لجأت النساء إلى العمل لتحقيق اكتفاء اقتصادي ذاتي والمساهمة في إعالة أسرهنَّ.
ولادة محمد العلي (53) عاماً، تعيش مع أسرتها في مخيم تل السمن، وهي مهجرة من منطقة شركراك التابعة لتل أبيض/ كري سبي، التي احتلتها تركيا في عام 2019، تقول "توجهت مع أبنائي الأربعة إلى المخيم منذ بدء الهجوم على منطقتنا، فتركيا استخدمت أسلحة ثقيلة ومتطورة في حربها على المدنيين، لنهب ممتلكاتهم".
وفي بداية نزوحها، عانت من حالة نفسية صعبة، إذ أن ظروف التهجير والأوضاع التي تمر بها البلاد فاقمت مشكلاتها، إضافة لأنها كانت بحاجة إلى مردود مادي تعيل به أبنائها، فزوجها توفي منذ ما يقارب الأربع سنوات، ولهذا قررت الذهاب إلى إحدى المنظمات ضمن المخيم "اشتركت في دورة تدريبية ما يقارب الـ 3 أشهر، لأتعلم الحرف اليدوية وكنتُ الأولى في التدريب، والتي لابد من امتلاك الشخص للموهبة إذا رغب بالعمل بها، إضافة لأنها مصدر تسلية وفائدة واستثمار للوقت".
أن معاناة النزوح بعد ترك ممتلكاتهنَّ ومنازلهنَّ والأعباء الملقاة على عاتقهنَّ، تتضاءل بمجرد تعلم مهنة معينة، والحديث لولادة العلي إذ يكون هنالك وسيلة لتفريغ التراكمات النفسية التي يعانينَّ منها "أتقن الآن التطريز على الأقمشة وحياكة الملابس الصوفية ومختلف أشكال الفاكهة، واستفيد من الأشياء التي لم نعد بحاجتها كالعلب البلاستيكية والعلب الفارغة للمأكولات لصنع قطع جميلة ومميزة، إضافة لألعاب الأطفال والحياكة على المجسمات".
وخلال فترة تدريبها دأبت على الذهاب من الساعة التاسعة حتى العاشرة والنصف صباحاً، "كنت أتدرب مع عدد من النساء اللواتي تجاوزت أعمارهنَّ الـ 18، يجمعنا هدف تعلم وإتقان الحرف اليدوية، وعلى الرغم من الظروف القاسية، سعينا لتجاوز الصعوبات في مخيمات النزوح، عبر إيجاد اقتصاد ذاتي لنا، من خلال بيع القطع التي نصنعها".
وبعد أن تعلمت الحرف اليدوية بشكل متقن، تُدرب اليوم العديد من الفتيات والنساء، ونظراً لانتشار وباء كورونا فهي تُعلم خمس نساء فقط لمدة 3 أشهر، وبعد الانتهاء يخضعنَّ لاختبار، لمعرفة مدى إتقانهنَّ المهنة، كما أنها تحاول نقل خبرتها لبناتها "لدى عودتي إلى خيمتي أقوم بالعمل وأعلم ابنتيَّ على هذه المهنة".
وعن المواد التي تلزمهنَّ لإكمال عملهنَّ، تبين ولادة العلي أن هناك نقص بكمية الخيوط، ويحتجنَّ إلى دعم ومساعدة، لكي يستطعنَّ إنتاج أعمال كثيرة "هنالك العديد من النساء ضمن المخيم قمنَّ بمشاريع خاصة بهنَّ في منازلهنَّ، وحققنَّ النجاح فيها".
وتقول إن 6 نساء سيشاركنَّ في معرض سيفتتح قريباً "سنفتتح في الأيام المقبلة معرضاً للقطع التي عملنا عليها خلال فترة التدريب، ومن خلاله سيُقيم الحضور أعمالنا، إضافة لإتاحة الفرصة لبيعها لأهالي المخيم".
وتحث ولادة العلي جميع القاطنات في المخيم للتوجه إلى الدورات التدريبية التي تساعد على تعلم المهن والحرف، للاعتماد على أنفسهنَّ وإعالة أسرهنَّ، "بعد انتهاء شهر رمضان سنفتتح دورة جديدة".
وتبين أنهنَّ يسعينَّ لافتتاح دورة للخياطة لكن عدم توفر الآلات اللازمة شكل عائقاً أمام بدء التدريب، لذلك فهنَّ يعملن حالياً في النسيج والتجميل، إضافة لأنهنَّ يقمنَّ بدورات لتوعية الأطفال والنساء من أجل الوقاية من الأمراض المنتشرة في المخيم كـ "اللاشمانيا وكورونا"، كما يوزعنَّ البروشورات لحث سكان المخيم من أجل الحفاظ على النظافة العامة والشخصية.