الكحل العربي بين مقاومة الاندثار ومواجهة الحداثة الرأسمالية

يعد الكحل العربي من رموز التراث الأصيل، ويشتهر بحجر الأثمد الذي يعتبر من أرقى أنواع الكحل الطبيعي، لما له من خصائص جمالية وعلاجية مميزة.

براءة جالي

الرقة ـ بالرغم من اندفاع الشركات العالمية نحو إنتاج المزيد من مستحضرات التجميل المعتمدة على المواد الكيميائية، والتي كثيراً ما تنطوي على آثار سلبية، لا تزال النساء المسنات يفضلن استخدام الكحل العربي، ذلك الأسلوب العريق الذي يُعد من أقدم وسائل الزينة التي عرفتها المرأة عبر العصور.

في ظل إدخال الحداثة الرأسمالية المواد الكيميائية في صناعة مستحضرات التجميل، ما تزال النساء المسنات يفضلن استخدام الوسائل التقليدية في الزينة، مؤمنات بأن الطرق القديمة أكثر أماناً وخالية من الآثار الجانبية، ويعتقدن أنها تحمل فوائد صحية للبشرة، كما ترين أن مستحضرات التجميل الحديثة، رغم انتشارها، قد تتسبب في أضرار متعددة للبشرة نتيجة احتوائها على مركبات صناعية.

ويعتبر الكحل العربي الذي تغنت به الأهازيج الشعبية والقصائد من أقدم أدوات التزيين التي عرفها الإنسان عبر التاريخ ولم يستخدم كأداة زينة فحسب بل لأغراض صحية أيضاً، ولا يزال حاضراً حتى الوقت الراهن. يعود تاريخ استخدام الكحل إلى حوالي 3500 قبل الميلاد استخدمته شعوب وحضارات عدة أشهرها الفراعنة.

ويصنع الكحل العربي تقليدياً في المنازل، حيث تتناقل النساء أسرار تحضيره من الجدات إلى الأمهات، ثم إلى البنات، في سلسلة من الإرث الجمالي المتجذر في الثقافة.

 

"الكحل تقليد للحفاظ على الإرث الثقافي"

عوش المحن، وهي امرأة في العقد السابع من عمرها، تفضل الكحل العربي عن جميع أدوات التجميل المستحدثة، وتقول "كان الكحل يُستخدم منذ القدم كرمز لجمال المرأة وزينتها. بدأت بصناعته واستخدامه منذ أن كنت في الثانية عشرة من عمري، بعد أن تعلمت أسرار تحضيره من والدتي التي كانت تتقن فنون الطب العربي، ولا يزال هذا التقليد حياً في حياتي، إذ أواصل صنعه واستخدامه حتى اليوم".

ويصنع الكحل العربي من حجر يطلق عليه (حجر الأثمد) إذ يوضع على الجمر حتى ينفجر ومن ثم يطحن حتى تتفكك حباته ويتناثر فيه الحصى الناعم وبعدها يعبأ في مكاحل العيون ويصبح جاهزاً، وتضيف "صناعة الكحل لا تحتاج سوى بضع ثواني"، متطرقة إلى خطوات صناعتها "في البداية أقوم بعجن الطحين ومن ثم أضع حجر الأثمد داخله، مع إضافة القليل من الزيت النباتي لكي يحترق جيداً، وبعد حرقه بالكامل أطحنه بالهاون وأغربله ليحافظ على نعومته وهكذا يصبح الكحل جاهزاً لتزيين العيون".

ويعد الكحل المصنوع من الحجر الأثمد صحياً، فضلاً عن أنه يعزز جمال العين ويمنحها مظهراً جذاباً لأنه يحتوي على مركبات طبيعية تغذي بصيلات الرموش، وتفيد معلومات أخرى بأنه يساعد في علاج الصلع غير الوراثي.

 

فوائد الكحل

وبينت عوش المحن أن للكحل فوائد عديدة تتعلق بصحة العين، من بينها تعزيز قوة البصر والمساعدة في علاج ضعف النظر، مشيرةً إلى فعاليته في حالات التهابات العيون والحساسية الشديدة، فضلاً عن دوره في تكثيف الرموش وتقوية المناعة لمواجهة الالتهابات والحساسيات، بالإضافة إلى استخدام الكحل للأطفال حديثي الولادة حيث يعمل على تنظيف العين وإزالة الشوائب منها.

ووجهت عوش المحن نصيحة للنساء والفتيات "يجب استخدام الكحل القديم الذي نصنعه بأيدينا والذي يعطي الفتاة جمال ونظارة ويجعل عيونها تلمع، خصوصاً أثناء ارتدائها للزي العربي والهباري"، محذرة من استخدام مستحضرات التجميل الحديثة لأنها تحوي مواد كيمائية ضارة للعين.