محللة سياسية: تاريخ المرأة هو تاريخ غير مكتوب
بينت المحللة السياسية سارا رضا، أن النساء قدن المبادرات في الماضي وهن قادرات على المضي قدماً بخطوات أوسع وأكثر جدية في مستقبل السلام، لكن لم يكتب هذا في التاريخ، في وقت يسعى فيه القائد أوجلان نحو حرية المرأة وحل قضايا النساء.

هيرو علي
السليمانية ـ في 30 أيار/مايو الماضي، أرسل القائد عبد الله أوجلان رسالة إلى أكاديمية جنولوجي من جزيرة إمرالي، قال فيها "منذ طفولتي، سعيت لأكون أفضل صديق وشريك للمرأة. حتى في علاقتي مع والدتي، سعيت دائماً وراء فكرة المرأة الحرة. عشت ملتزماً بأحلامي وكرّست نضالي من أجل حرية المرأة"، كما أُرسل مع الرسالة زهرة بنفسجية إلى جميع النساء المناضلات من أجل الحرية، وهذه الزهرة نبتت داخل حديقة السجن.
في 27 شباط/فبراير من هذا العام، وجّه القائد أوجلان أيضاً رسالة سلام، والتي أصبحت الآن مسألة مركزية للكرد ولجميع شعوب الشرق الأوسط. حول هذا الموضوع، تحدثت المحللة السياسية سارا رضا، لوكالتنا عن رسالة السلام ورسالة القائد أوجلان إلى مركز جنولوجي الأكاديمي.
"تاريخ المرأة هو تاريخ غير مكتوب"
قالت سارا رضا إن القائد أوجلان أرسل عدة رسائل مهمة، وهي رسالة السلام في 27 شباط/فبراير الماضي، ثم رسالة إلى النساء بمناسبة يوم المرأة في 8 آذار/مارس الماضي، وبعدها رسالة إلى أكاديمية جنولوجي، مضيفةً أن هذه الرسائل مهمة جداً بالنسبة للنساء، خاصة رسالة 8 آذار التي تضمنت أربع نقاط رئيسية منها الحديث عن مكانة المرأة الكردية والدعوة إلى التعمق أكثر في تاريخها لأن "تاريخ المرأة غير مكتوب"، كما تحدث القائد أوجلان عن نساء يعشن في القصور، وثقافة "ساتي" التي ما زالت سائدة في عدة مناطق من الهند، حيث تُدفن النساء أحياء، كما أشار إلى النساء الكرديات المناضلات في هذه المرحلة من التاريخ.
وترى سارا رضا أن الرسائل تُعبر عن تفكير عميق من القائد أوجلان، ويمكن اعتبارها أساساً لتربية نسائية جديدة، خاصة لنساء كردستان والعالم.
يقول القائد أوجلان "منذ طفولتي رغبت أن أكون صديقاً وشريكاً للنساء. العلاقة التي ربطتني بوالدتي أيضاً كانت تدفعني للبحث عن المرأة الحرة".
وفي خطابٍ آخر قال "كنت أرغب أن أكون على قدر دور المرأة وقيمتها، ولهذا أستطيع القول إن هذا يمثل فلسفتي. فعندما نُقلت إلى جزيرة إمرالي شعرت أن مشروع حرية المرأة قد تُرك غير مكتمل، لكن الآن هذا المشروع قد اكتمل، وما يجب القيام به الآن هو تطبيقه فعلياً لأن نضال المرأة قد خلّف إرثاً عظيماً، وهذا الإرث كُتب بدم آلاف الشهيدات".
ثم يكرر قوله المؤثر "كنت أتمنى أن تعيش النساء بحياة حرة، وكلما سقطت امرأة شهيدة، كان ذلك يتركني في ألم دائم في نفسي".
"لطالما سعى القائد أوجلان نحو حرية المرأة"
قالت سار رضا إن القائد أوجلان أسس نضال حركة التحرر الكردستانية على أساس ثورة نسائية، وجعل من المرأة طليعة هذا النضال، لذلك يتمتع هذا النضال بخصوصية، فمنذ المؤتمر التأسيسي الأول كانت النساء في طليعة الحراك. كذلك في السجون وفي الجبال، لعبت النساء دوراً ريادياً في نضال حرية المرأة. لذا، فإن نضال القائد أوجلان كان مختلفاً عن أي نضال آخر، فقد كان موجهاً نحو جوهر القضية النسائية، ولهذا تعرّض دائماً للعداء، فكلما وُجدت امرأة حرة وواعية، واجهت عداء من الدول المستبدة، ومن النظام الرأسمالي، ومن العقلية الذكورية السلطوية.
وفي هذا الإطار، أرسل القائد أوجلان رسالته إلى أكاديمية جنولوجي، وتطرق فيها إلى عدد من الفلاسفة مثل بودا حيث قال "ما دام الخنجر المغروس في ظهر المجتمع لا يُنتزع، لن نتمكن من بناء مجتمع حر".
ويقول القائد أوجلان "لن يكون هناك مجتمع حر حتى تتحرر المرأة"، ولذلك يجب أن تخوض النساء مراجعة شاملة.
كما اقتبست من سيمون دي بوفوار قولها "المرأة لا تولد امرأة بل تُصبح كذلك"، أي أن هوية المرأة تم تشويهها عبر أيديولوجيات الجنسوية والتمييز، وعلى النساء أن يواجهن ذلك بوعي، ويقمن بأبحاث معمقة حوله، وأشارت سارا رضا أيضاً إلى قول فرجينيا وولف بأن "المرأة بحاجة إلى غرفة تخصها"، مما يعكس الحاجة إلى فضاء فكري واستقلالية ذاتية.
وأضافت "لذلك، يمكننا القول إن ما يجري الآن هو عملية تفكيك عميقة للبنى الفكرية التي طمست وجود المرأة لأن في هذا العالم الذي نعيش فيه، لم يُترك للمرأة مجالٌ للنضال، فالعقلية الذكورية المهيمنة سيطرت على كل قطاعات المجتمع والعالم".
ولفتت سارا رضا إلى أنه "نحن بحاجة إلى فضاء جديد يُبنى على جنولوجي (علم المرأة) أي أننا بحاجة إلى بناء ذاتنا من جديد، والبحث عن هويتنا وتربيتنا بأنفسنا، كي نصبح نساء واعيات وقويات، ونكون قادرات على تنظيم أنفسنا والمجتمع معاً".
وختمت بالاقتباس من القائد أوجلان "أريد أن أغير الرجل وأحرر المرأة والمجتمع معاً"، وهذه مهمة شاقة، لأن تغيير العقلية الذكورية يتطلب نساءً واعيات، وهذا ما بدأ بالفعل، وتقول سارا رضا "لقد رأينا كيف تمكنت النساء في روج آفا من دحر داعش عبر ثورتهن"، ولهذا، فإن بناء مجتمع حر يتطلب مقاومة مستمرة.
"النساء كنّ دائماً في طليعة مساعي السلام"
وأشارت سارا رضا، إلى إنه "لطالما كانت النساء في طليعة جهود السلام. نرى، على سبيل المثال، أن بروين بولدان لعبت دوراً قيادياً في محادثات إمرالي، فالمرأة بطبيعتها ليست عدوانية، بل تنشد السلام، أما الحروب التي نراها اليوم في العالم فتدار بعقلية سلطوية ذكورية، لذلك لا تكون المرأة طرفاً في إدارة الحروب، بل تنادي دائماً بالسلام، وتشارك في عملياته بشكل فاعل".
وفي تصريح صحفي، ورد أن القائد أوجلان دعا بين 5 ـ 7 أيار/مايو الماضي، إلى انعقاد مؤتمر لحركة التحرر الكردستانية، طالب فيه بوقف إطلاق النار وحل الهيكلية التنظيمية، وقد استجابت قيادة الحركة بشكل إيجابي لهذا النداء، ما اعتُبر خطوة واضحة نحو تقدم العملية السلمية.
لكن تقول سارا رضا، إن الدولة التركية ما زالت تلتزم الصمت ولم تتجاوب بشكل يتناسب مع هذا التقدم، ويُذكر أن القائد أوجلان دعا إلى تأسيس لجنة في البرلمان مكونة من 16 حزباً و100 عضو لمتابعة عملية السلام. رغم أن دولت بهجلي علّق بشكل إيجابي على هذه الدعوة، فإن البرلمان لم يتخذ أي خطوات فعلية حتى الآن. لذا، فإن العملية لا يمكن أن تكون من جانب واحد فقط، بل لا بد أن تكون ثنائية الأطراف.
ولفتت إلى أن الكرة الآن في ملعب المجتمع، وعلى النساء والمواطنين أن يتحملوا مسؤولية الدفاع عن هذه الرسائل وعن عملية السلام، مشيرة إلى أن النساء قدن المبادرات في الماضي وهن قادرات على المضي قدماً بخطوات أوسع وأكثر جدية في مستقبل السلام.
"المتضرر الأول من الحروب هم النساء والأطفال"
وبينت سارا رضا أنه "لقد اقتربنا من مرور مئة عام على معاهدة لوزان، واليوم أصبحت عملية السلام بمثابة إلغاء فعلي لتلك المشاريع والمخططات الإقليمية والدولية التي كانت تستهدف الشعب الكردي وأجزاء كردستان الأربعة. بلا شك، رسالة القائد أوجلان تمثل رفضاً لتلك المخططات، ومن هنا يجب على جميع الأحزاب الكردية في الأجزاء الأربعة أن تتوحد، حتى لا تتكرر مرة أخرى معاهدة مثل لوزان، لذلك نحن بحاجة إلى خطوات جدّية نحو وحدة وتنظيم الأحزاب الكردية".
"رسالة السلام ليست فقط للكرد"
وأضافت "الحرب دائماً ما تجلب الخراب والدمار، ومن يتضرر أولاً فيها هم النساء والأطفال، فكلما اندلعت حرب حلّ الفقر والبؤس وتعرضت النساء للقتل والمعاناة. لقد عشنا قرناً كاملاً في ظل الحروب، وكلها كانت لأجل تحقيق السلام، ولذلك يجب أن نقف إلى جانب دعوة القائد أوجلان للسلام، وعلى المجتمع ككل، فرداً فرداً، أن يشارك في هذه المسيرة وخاصة النساء، لأننا بحاجة إلى أن تتولى النساء دوراً ريادياً".
وأكدت أن المسألة ليست متعلقة بانتماء حزبي أو تنظيمي، بل المهم أن تتكاتف النساء الواعيات وصاحبات الإرادة في هذه المرحلة، ليشكلن قوة موحدة لدفع عجلة السلام، ولهذا من الضروري الآن تنظيم النساء في جميع أجزاء كردستان، وتمكين المرأة الواعية وذات الإرادة القوية للمساهمة في هذا المسار المصيري".
وفي ختام حديثها، وجّهت المحللة السياسية سارا رضا رسالة قالت فيها "من هنا أوجه نداءً إلى جميع نساء الأجزاء الأربعة من كردستان، أن ينخرطن في عملية السلام لكي نتمكن نحن نساء إقليم كردستان من عقد مؤتمر وطني نسائي، ونؤدي دوراً ريادياً في بناء مجتمع يسوده السلام والحرية والديمقراطية، ويتعايش فيه الجميع بشكل مشترك".