الاهتمام بالصحة النفسية أساس الحفاظ على الصحة الجسدية
جهل النساء الريفيات بأهمية الصحة النفسية، وتغافلهن عن الاهتمام بهذا الجانب، يؤثر سلباً على حياتهن، ويصيب بعضهن بالاكتئاب الذي يعتبر حالة مرضية نفسية تصل حد الانتحار.
إخلاص الحمروني
تونس ـ تواجه المرأة ولاسيما الريفية العديد من الصعوبات، مما يؤثر سلباً على صحتها النفسية والجسدية، ولتتجاوز ما تمر به لا بد من تكريس الجهود المجتمعية والتشجيع للتحدث عن المشاكل والأمراض النفسية التي تمر بها باعتبارها عمود الأسرة والمجتمع.
تكمن أهمية الصحة النفسية بأنها جزء لا يتجزأ من الصحة العامة، لا سيما عند الحديث عن المرأة، فهي نصف المجتمع ومن المهم أن تتمتع بصحة مثالية، لأنها الأم والأخت والزوجة، وهي العاملة والناشطة الاجتماعية، كما أنها شريك فعال في صنع القرارات التنموية للمجتمع، لذا فإن لصحتها النفسية أهمية في تمكينها اجتماعياً واقتصادياً، وهو ما يساهم في رفع جودة الحياة، غير أن الريفيات تجهلن أهمية هذه الحقيقة وتتغافلن عن الاهتمام بهذا الجانب، الأمر الذي يؤثر سلباً على حياتهن.
ولتسليط الضوء على مدى أهمية الصحة النفسية للمرأة لاسيما الريفية قالت الأخصائية النفسية بالمندوبية الجهوية للأسرة والعمران البشري في مدينة سيدي بوزيد سلوى عامري إن الصحة النفسية للمرأة تعتبر من العناصر التي تشمل الصحة الجسدية والنفسية والعلاقات الاجتماعية، مشيرة إلى أن الاهتمام بالوضع النفسي للمرأة يعتبر من آخر الاهتمامات في المناطق الداخلية، وحتى صحتها الجسدية دوماً مهمشة وثانوية "المرأة في حد ذاتها لا تهتم بصحتها عموماً وبصحتها النفسية خصوصاً وتعتبرها أمر ثانوي".
وعن أسباب تغافل المرأة في المناطق الداخلية عن صحتها النفسية والآثار الناجمة عنها أوضحت أن عدم اهتمام المرأة الريفية بصحتها النفسية يعود إلى كثرة أعمالها وواجباتها المنزلية وتربية أطفالها إلى جانب عملها خارج المنزل الذي يستمر منذ شروق الشمس إلى غروبها، الأمر الذي يؤثر على صحتها النفسية كالإرهاق الذي تعيشه بسبب عملها في القطاع الفلاحي، مشيرةً إلى أن حالتي التوتر والقلق التي تشعر بها المرأة يتسبب بحدوث اضطراب مشترك نظراً للضغوطات التي تعيشها "التغافل وعدم الوعي ولاهتمام بالصحة النفسية يؤثر على صحة المرأة وعلى علاقاتها مع أطفالها وزوجها ولكنها للأسف غير واعية بخطورة الوضع".
وحول مدى العلاقة بين الصحة النفسية والجسدية لدى النساء قالت سلوى عامري "هناك علاقة وارتباط بين الصحة الجسدية والنفسية والاجتماعية، فهذه الجوانب الثلاثة هي شخصية الإنسان عموماً، وإذا تم المس بأي جانب منها فإن بقية الجوانب ستتأثر لا محالة وإذا ما تأثرت الصحة الجسدية فإن الصحة النفسية ستتأثر أيضاً".
وأضافت "عندما تتعب نفسية المرأة تظهر علامات على الجسد جراء ذلك فتكون هناك تفاعلات بصفة عامة وتحصل اضطرابات مثل القلق وآلام المعدة والرأس وقلة التركيز وتراجع الذاكرة وكثرة النسيان والضغط، وفي بعض الحالات يمكن أن تصل إلى الاكتئاب والخوف والرعب وعدم الثقة في النفس وسوء التقدير من قبل الزوج وسوء معاملته وهذا يؤثر على صحتها العامة، ومن علاماته قلة النوم وفقدان الشهية واضطرابات المعدة وهي اضطرابات جسدية ناجمة عن التعب النفسي للمرأة".
وعن الدراسات التي قالت إن النساء هن الأكثر تعرضاً للاضطرابات النفسية بينت أن بعض النساء تلجأن إلى الخدمات النفسية أكثر من الرجال لأنهن قادرات على التعبير أكثر عما في داخلهن وهو عامل مساعد إلى حد ما من أجل تجاوز هذه الوضعيات، لكن بالرغم من ذلك تتعرض المرأة للأمراض النفسية أكثر من الرجل بالنظر إلى أعمالها التي تفوق طاقتها.
ولفتت إلى أنه "لو تمت المقارنة بين الرجل والمرأة في هذا المستوى لوجدنا أن الرجل يقوم بوظيفته خارج المنزل فقط ولكن المرأة لها وظائف عدة داخل المنزل وخارجه، بالإضافة إلى أنها تتعرض لاضطرابات الهرمونات قبل الحمل وأثناءها وبعدها وهو ما يؤثر سلباً على حالتها ويجعلها عرضة للأمراض النفسية خاصةً في ظل عدم وجود من يهتم بها ويكون واعي بحجم التغيرات التي تطرأ عليها في مثل هذا الوضع".
وأكدت أن الرجل لا يتفهم هذا الوضع وهو ما يتطلب من المرأة أن تتحمل مسؤوليتها لوحدها وتتجاوب مع التغيرات التي تحدث لها مع العائلة والزوج والأطفال، لذلك فالوظائف المتعددة للمرأة تسبب لها الإرهاق على مستوى الجسد والأعصاب والصحة النفسية عموماً إضافة لعلاقاتها.
وأشارت إلى أن الحالة النفسية للمرأة الريفية التي تعيش ظروفاً صعبة تؤثر على الحالة الجسدية والتي بدورها تؤثر على العامل الاجتماعي، ويدفعها ذلك للعزلة والانطواء على نفسها، ولا تستطيع القيام بواجباتها كما يصبح لديها نقص تقدير لذاتها وثقتها في نفسها وتصبح منعدمة إلى أن تصل لمرحلة الاكتئاب التي هي حالة مرضية نفسية وتستمر لتصل في بعض الأحيان إلى الانتحار.
وحول المساواة بين الرجل والمرأة تقول إن العمل النسوي يركز على توعية المرأة لكن الجانب المتعلق بتوعية الرجل من أجل إدماجه في النشاط العائلي وتغيير وظيفته داخل الأسرة بقي ضعيفاً جداً، لذلك فإن الحديث عن المساواة والعدالة الجنسية وتعزيز حقوق المرأة يجب أن يكون بالتوعية والتحسيس من الجانبين.
وفيما يتعلق بتعزيز حقوق المرأة شددت على ضرورة التركيز عليها من قبل المرأة والرجل معاً وهناك من يؤمن بحقوق المرأة والمساواة ولكنها فئة ضعيفة جداً علاوة على نقص الاستمرارية "في بعض الأحيان نجد أن المرأة نفسها تبرر اللامساواة وبالتالي فإنه بات من المهم رفع نسبة الوعي لديها وإحداث التغيير الإيجابي وتفعيل الحقوق وتوزيع الوظائف بين الجنسين رغم وجود اختلافات بيولوجية حتى لا تبقى على الأوراق فقط".
ونوهت إلى أن الحالة النفسية الجيدة للمرأة يمكنها من تقديم المزيد من العطاء العاطفي والاجتماعي والأسري والاقتصادي "على الحركات النسوية العمل أكثر والاهتمام بقضايا الصحة النفسية والتوعية بمخاطرها حيث أن الصحة النفسية مهمة جداً لأن الإنسان إذا كان مضطرباً نفسياً فلن يستطيع أن يقدم شيئاً كما أن السعادة والرفاهية مرتبطين بالصحة النفسية، وللوصول إلى نتائج جيدة لا بد أن تكون الصحة النفسية في أعلى المراتب لأنها تبقى محرك كل شيء رغم إهمال المجتمع وإهمال المرأة لهذا الجانب".
وفي ختام حديثها قالت سلوى عامري أنه على النساء الاهتمام بصحتهن النفسية أكثر، وفي حالة التعب أو حدوث اضطراب من المستحسن الذهاب إلى المختص النفسي لمتابعة الحالة وتحسين الظرف قليلاً من أجل المساعدة على متابعة مشوار الحياة.