"يوم المرأة العالمي"... كيف يبدو للنساء في إدلب
في الوقت الذي يحتفل فيه العالم بيوم المرأة العالمي تواجه المرأة السورية شتى أنواع الظلم والقهر والتشرد والحرمان بعد استهدافها بشكل مباشر خلال الحرب، التي لم تمنعها من المساهمة الفاعلة في جميع المجالات الاجتماعية والسياسية والطبية والإغاثية والإعلامية
سهير الإدلبي
إدلب ـ .
فالشابة العشرينية رنا الأخرس لم تتوقع يوماً أن تجد نفسها بعد عشر سنوات من الثورة والحرب داخل مخيمات النزوح مع طفلين صغيرين تناضل في سبيل تربيتهما في ظل أوضاع معيشية صعبة وسط البرد القارس وانعدام الخدمات والمواد الأساسية.
تقول رنا الأخرس "كنت أحزن لرؤية الفلسطينيين وما فعلته بهم "إسرائيل" التي احتلت أرضهم وشردتهم، لكننا اليوم بتنا مشردين أكثر منهم بفعل نظام استبد بالبلاد لعقود" وتضيف أن "يوم المرأة العالمي لا يعني لي شيئاً لكون المرأة في بلادنا مازالت مضطهدة ومعنفة ومحرومة من كل حقوقها" وتتساءل "ما الذي قدمه لنا العالم في يوم المرأة العالمي، طبعاً لا شيء سوى أنه يشاهد مأساتنا اليومية بعين الرضا دون أن يحرك ساكناً" وتتابع "نريد الأمان، نريد الحرية، نريد المساواة، نريد العدل ونريد العودة الكريمة إلى ديارنا، فنحن لم نحظى بأي أمل أو فرصة تساعدنا على عيش الحياة بكرامة كما جميع البشر".
رنا الأخرس التي نزحت مع عائلتها من معرة النعمان إلى مخيمات أطمة الحدودية تعتبر نفسها أنها ظلمت بسبب زواجها المبكر بفعل الحرب وعدم إكمال تعليمها بعد أن كانت تحلم بحياة أفضل تستطيع من خلالها تحقيق أحلامها الدراسية لتكون محامية تدافع عن "حقوق المرأة الضائعة في كل مكان وزمان" على حد وصفها.
رأي رنا الأخرس يشابه الكثير من آراء النساء اللواتي عبرن عن استيائهن من الحال الذي وصلت إليه المرأة السورية وخاصة ممن فقدن المعيل ولا يحظين بفرصة عمل ملائمة أمثال هيام الفارس (٣٠عاماً) وهي أرملة وأم لأربعة أبناء نزحت من مدينة خان شيخون بفعل العمليات العسكرية وتقيم في مدينة إدلب تقول أنها بعد وفاة زوجها بحثت طويلاً عن عمل لكنها لم توفق بذلك، فاضطرت لاستدانة مبلغ من المال والعمل ببيع الملابس المستعملة لإعالة أبنائها، "هذا العمل رغم قلة مردوده يبقى أفضل من الجلوس وانتظار مساعدة الآخرين، كل ما يهمني هو تأمين قوت أطفالي في هذا الزمن الصعب وتوفير حياة جيدة لهم"، هيام لا تعرف ما هو يوم المرأة العالمي لكنها تتمنى أن يتحسن واقع المرأة السورية "ولو قليلاً".
أما بالنسبة للمعلمة حلا سرحان (٤٨عاماً) من مدينة إدلب فهي ترى أن يوم المرأة العالمي يمكن أن يكون مناسبة جيدة للمرأة الغربية التي حظيت بكثير من الفرص والمناصب والحرية والمساواة في محيطها، أما بالنسبة للمرأة الشرقية والسورية تحديداً فهي ما زالت تناضل بتحدي واقعها والخروج من قوقعة الصورة النمطية التي وضعها فيها مجتمعها، مؤكدةً أن مواجهة المرأة لتحديات كبيرة ليس على الصعيد الاجتماعي فقط وإنما أيضاً على صعيد قطاع العمل كمحدودية الفرص وقلة توفر الخيارات والاستغلال والغبن في الأجور وخاصة بالنسبة لصاحبات الشهادات.
حلا السرحان كانت تعمل مدرسة قبل الثورة وبعد الثورة لم تعد مدارس فصائل المعارضة تستقبلها رغم وجودها ضمن مناطقها، واضطرت للبقاء في المنزل دون عمل رغم ما تحمله من الشهادات والخبرات وسنوات الخدمة في التدريس.
من جهتها تشرح المهندسة صفاء الخلف (٣٠عاماً) عضوة الهيئة السياسية بإدلب أن المرأة السورية شاركت بالاحتجاجات في سوريا جنباً إلى جنب مع الرجل ما وضعها أمام واقع واحد معهم من ملاحقة واغتيالات وابتزاز، ومع تحول مسار الاحتجاجات إلى العسكرة برزت المرأة السورية الناشطة والممرضة والمتطوعة ودفعت الثمن الأقسى وباتت المعيلة مع غياب الرجل.
لم تستطع المهندسة صفاء الخلف العمل ضمن اختصاصها في ظل الحرب ولجأت للعمل مع إحدى منظمات المجتمع المدني كمسؤولة حماية للطفل، تقول صفاء أن المرأة السورية تتحلى بالصبر والقوة والثبات وتكافح وتحارب الكثير من العادات والتقاليد التي تقيد تحركاتها وعملها ومسيرة نجاحها، وأعربت عن أملها بزيادة تمثيل النساء في المناصب الإدارية والقيادية ومواقع صنع القرار بعد أن حققت قفزة مهمة في هذا المجال من خلال "إثبات قدرتها في الوصول بالمجتمع إلى أرقى درجات الصمود والتقدم متخطية كل العقبات، وأثبتت أنها جديرة بتحمل أي عبء وهي أهلاً للثقة والمسؤولية بعملها".
وأصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً حول النساء السوريات في يوم المرأة العالمي بتاريخ الـ ٨ آذار/مارس ٢٠٢٠ ووثقت من خلاله مقتل ٢٨ ألفاً و٣١٦ امرأة منذ عام ٢٠١١، بالإضافة إلى تسعة آلاف و٦٦٨ امرأة لا زلن قيد الاعتقال والاختفاء القسري .
ويعترف العالم بيوم المرأة العالمي منذ عام ١٩١٠ حين عقدت مجموعة من النساء مؤتمراً دولياً في الدنمارك، هدفه الضغط على المجتمع الدولي من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين، واحتفل العالم بهذه المناسبة لأول مرة عام ١٩١١.