يافعين عرضة لمخاطر الفضاء الرقمي من قبل الجماعات المتطرفة

بات الفضاء الإلكتروني مصيدة تستقطب الأطفال والمراهقين في ظل تزايد الاستغلال من قبل الجماعات المتطرفة، وتلوح هذه الظاهرة بمخاطر جسيمة في الأفق.

زهور المشرقي

تونس ـ تمثل المبادرات المعنية للحد من تعرض الأطفال لمصيدة الجماعات المتطرفة على مواقع التواصل الافتراضي خطوة مهمة، وتحتاج تلك المبادرات لتعزيزها ليكون الفضاء الرقمي مكاناً آمناً لتنمية الأطفال لا بوابةً للاستغلال والاستقطاب.

غدى دور الأسر والمؤسسات التربوية والحكومات أكثر أهمية من أي وقت مضى، في ظل التوسع المستمر لاستخدام الإنترنت بين الأطفال والمراهقين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وقد أصبح الفضاء الرقمي يحمل تهديدات جديدة قد تؤثر سلباً على صحة الأطفال النفسية والاجتماعية، وتزيد من تعرضهم لمخاطر الاستقطاب الإلكتروني والتطرف الرقمي.

ومع تسارع انتشار التكنولوجيا أصبح الفضاء السيبراني سلاحاً ذو حدين؛ إذ يوفر فرصاً هائلة للتعلم والتواصل، لكنه في المقابل يحمل تهديدات خطيرة، خصوصاً للأطفال والمراهقين في حال عدم متابعة الأسرة لسلوك أطفالها، والانجرار وراء الجماعات المتطرقة التي تستقطب الأطفال كالمصيدة في الفضاء الالكتروني.

في تونس، كما في بقية بلدان الشرق الأوسط، أصبحت الجماعات المتطرفة والمتصيدون الإلكترونيون يستهدفون الفئات الناشئة عبر الإنترنت، مستغلين هشاشتهم العاطفية وفضولهم الطبيعي لاستقطابهم نحو أفكار متشددة أو استغلالهم في ممارسات غير أخلاقية.

أمام هذا الواقع هناك عمل دؤوب في تونس لتطوير استراتيجيات لحماية الأطفال من هذه الأخطار، من خلال تعزيز الوعي الرقمي، وإطلاق حملات توعوية، وتطوير أدوات رقابية للأسر، فكيف يمكن مواجهة هذا الخطر المتزايد؟ وما هي أبرز الجهود المبذولة لحماية الأجيال الصاعدة من الوقوع في شرك التطرف والاستغلال الإلكتروني؟

 

الإنترنت سلاح ذو حدين

برغم الفوائد الهائلة للإنترنت في تسهيل الوصول إلى المعلومات وتطوير المهارات الرقمية، فإنه يحمل أيضاً تهديدات خفية، خاصة للأطفال الذين قد يكونوا أكثر عرضة للتلاعب والاستغلال، في تونس أطلقت وزارة المرأة والأسرة وكبار السن بالتعاون مع مؤسسة مراقبة الإنترنت منصة لحماية الأطفال من الانتهاكات والاستغلال الإلكتروني، ضمن جهود أوسع لمكافحة الاستقطاب الرقمي والتصيد السيبراني.

تقول "إيمان. ج"، وهي أم لطفلتين، إنها كادت تفقد ابنتها بسبب تأثيرات الإنترنت عام 2013، لولا انتباهها لتغير واضح في شخصيتها، "لاحظت أن ابنتي التي كانت تبلغ من العمر 15 عاماً آنذاك، بدأت تتحدث فجأة عن ارتداء الحجاب وأن حياتها السابقة خاطئة، وكنت أتابع سلوكها، وذات يوم سمعتها تهمس لأختها أن الله سيعاقبني لأنني لم أفرض الحجاب عليهما"، مضيفة "من هنا بدأ شكي، فاكتشفت لاحقاً أنها تتواصل مع أشخاص يحاولون التأثير عليها عبر منصة الفيسبوك، فتدخلت على الفور وأغلقت حسابها، لكن هذه الحادثة زادت من خوفي على أطفالي، خاصة مع تطور أساليب الاستقطاب الرقمي".

 

جهود تونس لمكافحة المخاطر السيبرانية

في إطار الجهود لحماية الأطفال، أطلق المركز الوطني للإعلامية الموجهة للطفل، عدة حملات، منها ما يكون بشكل برامج تكوينية متخصصة في السلامة الرقمية، والتفكير النقدي، وكيفية التعامل مع المخاطر السيبرانية.

وتؤكد المسؤولة عن المركز الوطني للإعلامية الموجهة للطفل سامية بن ناصر أن الحماية الحقيقية للأطفال لا تكمن فقط في الرقابة الصارمة، بل في تمكينهم من مواجهة المخاطر بأنفسهم، وتضيف "نعتمد في برامجنا على مقاربة الوالدية الإيجابية، حيث نحث الأولياء على عدم اللجوء إلى المنع المطلق لاستخدام الإنترنت، بل تبني أسلوب تربوي يقوم على التوجيه والمرافقة"، متابعة "نعمل على تعزيز التواصل الفعال بين الأولياء وأطفالهم، مما يسمح لهم بمراقبة المحتوى الذي يستهلكه الطفل برفق، بل من خلال التحاور معه وتنمية التفكير النقدي لديه".

وتوضح أن المركز أطلق برنامج "سفراء الأمان الرقمي"، الذي يسعى إلى تدريب الأطفال أنفسهم ليكونوا رواداً في نشر ثقافة السلامة الرقمية بين أقرانهم، ففي عام 2024، تم تأهيل 200 سفير رقمي، مع خطط لزيادة العدد إلى 300 خلال 2025.

وأشارت إلى إطلاق دليل "آمن وآمنة"، الموجه للأولياء لمساعدتهم في توجيه أطفالهم بأسلوب تربوي فعال، إضافة إلى قصة "قلعة الأمان الرقمي"، التي تم تصميمها لتوعية الأطفال بأساليب حماية أنفسهم من التهديدات الرقمية بطريقة شيقة وتفاعلية.

وفيما يتعلق بمكافحة الاستقطاب الإلكتروني، لفتت الانتباه إلى أنه "نركز على تعليم الأطفال والمراهقين استراتيجيات الوقاية، مثل التعرف على الأساليب النفسية التي تستخدمها الجماعات المتطرفة لاستقطاب الشباب، وتعليمهم كيفية التحقق من المعلومات وتمييز المحتوى المشبوه، كما نركز على تعزيز مهارات التمييز والتحليل لدى الأطفال من خلال ورشات محاكاة وسيناريوهات عملية، كما نقوم بتطوير حملات توعية تستهدف المدارس والمجتمعات المحلية".

 

خطر عابر للحدود

المخاوف من الاستقطاب الإلكتروني للأطفال لا تقتصر على تونس وحدها، بل تمتد إلى مختلف بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ وفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة عام 2023، فإن 79% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15و24 عاماً في المنطقة يستخدمون الإنترنت بشكل نشط، مما يزيد من احتمال تعرضهم للاستغلال الرقمي.

كما وأنه في بعض الدول مثل سوريا والعراق وليبيا، استغلت الجماعات المتطرفة منصات التواصل الاجتماعي لاستقطاب الأطفال والمراهقين، مستغلين الفراغ الأمني والاضطرابات الاجتماعية، أما في دول الخليج، فقد تم تنفيذ حملات حكومية لرفع الوعي الرقمي، بما في ذلك ورش تدريبية للأهالي وبرامج تعليمية حول الأمن السيبراني في المدارس.

 

نحو استراتيجية شاملة لحماية الأطفال

في ظل هذه التحديات، أكدت المسؤولة عن المركز الوطني للإعلامية الموجهة للطفل سامية بن ناصر أن الحل لا يكمن فقط في حجب المحتوى أو فرض رقابة صارمة، بل في بناء قدرات الأطفال والشباب على التفكير النقدي واتخاذ قرارات سليمة عبر الإنترنت "نحن بحاجة إلى استراتيجيات تربوية وتعليمية متكاملة، تشرك الأسرة والمدرسة والمجتمع المدني، لضمان بيئة رقمية أكثر أماناً، أطفالنا هم مستقبلنا، وحمايتهم مسؤوليتنا جميعا".