وعود مؤجلة وحرمان دائم... أزمة الطاقة تضرب قرى شرق كردستان
ضاعفت أزمة الطاقة التي تشهدها إيران الأعباء على نساء القرى خصوصاً في شرق كردستان، حيث يتحملن مسؤوليات المنزل، فيما تبقى مشاريع إيصال الغاز مجرد وعود رسمية بعيدة عن الواقع.
سابا محبي
مهاباد ـ تشهد إيران منذ سنوات أزمة طاقة شاملة، غير أن الحرمان المزمن من الخدمات الأساسية ومصادر الطاقة جعل حياة سكان القرى أكثر صعوبة وتعقيداً. ورغم ما تنشره وسائل الإعلام الرسمية من أخبار متكررة عن وصول "نعمة الغاز" إلى المناطق المحرومة، وما تُعلنه من أرقام قد تبدو مقنعة، فإن الواقع مختلف؛ فما زالت قرى عديدة في مختلف أنحاء البلاد تواجه برد الخريف والشتاء بالاعتماد على وسائل تقليدية لتأمين التدفئة والوقود اللازم لحياتها اليومية.
في عدد من قرى شرق كردستان، تكشف خزانات النفط المنتشرة أمام أبواب المنازل عن واقعٍ صعب، حيث يواجه السكان برد الشتاء القارس بظروف أشد قسوة من غيرهم. ووفقاً للإحصاءات الرسمية، فإن أكثر من 20% من أصل 2,800 قرية وبلدة في محافظة أورمية ما زالت محرومة من الغاز، وبعضها لن يُزوَّد أبداً بالغاز المنزلي بسبب حجمها السكاني. وهناك أيضاً قرى أُدرجت في الخطط الرسمية ضمن مشاريع إيصال الغاز، لكنها لا تزال تعتمد على حصص الكيروسين لتدفئة منازلها.
غياب الخدمات الأساسية مثل الغاز والكهرباء والماء يثقل كاهل الجميع، لكنه يضاعف العبء على النساء بسبب الأدوار الجندرية والمسؤوليات غير المتكافئة داخل الأسرة. فالنساء غالباً ما يتحملن مسؤولية الطهي، ورعاية الأطفال وكبار السن، وتدفئة المنزل، وتوفير الاحتياجات اليومية. لذلك فإن أي نقص في مصادر الطاقة يضاعف أعباءهن الزمنية والجسدية، ويحوّل المهام البسيطة إلى أعمال شاقة تستغرق ساعات طويلة، مما يعرضهن لمشكلات صحية مثل أمراض الجهاز التنفسي، والإرهاق المزمن، والانهاك النفسي.
تعيش فاطمة. م في قرية كوران الواقعة بين سردشت ومهاباد، وهي من القرى التي جُهزت العام الماضي بخطوط الغاز، لكن سكانها ما زالوا محرومين من استخدامه. حيث قالت "مدّوا خط أنابيب الغاز إلى كوران، لكن لم يتم تشغيله حتى الآن. نحصل سنوياً على حصص النفط عبر البطاقة الريفية، ونستخدمها للتدفئة. الحياة هنا صعبة، وهذا ما دفع أبناءنا للهجرة، ولا يعود بعضهم إلا في موسم الزراعة. لو كانت لدينا خدمات أساسية، لبقي كثير منهم في القرية".
بدورها، أوضحت غزال. ح، وهي امرأة أخرى من القرية "من الصباح حتى المساء علينا مراقبة مدافئ النفط بسبب مخاطرها، ورغم أننا اعتدنا عليها، إلا أن رائحتها تملأ الأجواء. كل بيت لديه خزان نفط، ونستخدم أسطوانات الغاز للطهي، وأحياناً نخبز في الأفران التقليدية القديمة. الرجال يقتصر دورهم على جلب النفط، أما المشقة كلها فتقع على عاتقنا نحن النساء. ومع نقص المياه هذا العام، أصبحت الحياة أكثر قسوة".
منذ قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979، كان أحد وعودها الأساسية توفير الماء والكهرباء والخدمات الأساسية مجاناً. كما أن مشروع إيصال الغاز، الذي بدأ قبل الثورة، امتد تدريجياً من المدن الكبرى إلى مناطق أخرى في البلاد. غير أن التركيز على تزويد المدن بالطاقة جعل العديد من قرى شرق كردستان مهمشة وبعيدة عن هذه الخدمات.
وفي عام 2024، أُعلن عن إطلاق 85 مشروعاً لتزويد القرى بالغاز في محافظة أورمية، لكن عشرات القرى، مثل كوران، ما زالت محرومة من الوصول إلى شبكة الغاز الوطنية رغم إدراجها ضمن هذه المشاريع. وحتى اليوم، لا يُعرف متى سيتم تزويد هذه المناطق بالغاز فعلياً، لتبقى مجرد أسماء في قوائم رسمية تُستخدم لإيهام الرأي العام بوجود إنجازات لا تزال بعيدة عن الواقع.