طفلة فلسطينية تفقد ثلاث من أفراد عائلتها في الحرب خلال عام

تسببت الحرب في قطاع غزة بمقتل مئات الآلاف من المدنيين، ليفقد الأطفال عائلاتهم ويعيشوا حالة نفسية صعبة دون سند، من بينهم الطفلة حبيبة حسونة التي فقدت ثلاث من أفراد أسرتها.

رفيف اسليم

غزة ـ فقدت الطفلة حبيبة حسونة ثلاثة أفراد من عائلتها في الحرب على غزة، الأمر الذي تسبب بتدهور حالتها النفسية والخوف من الظلام ومن النزوح تحت النيران والقذائف، معتقدةً أنه بكل مرة ينزحون بها تفقد أحد أفراد عائلتها.

ما إن تجاوزت الطفلة حبيبة حسونة البالغة من العمر 10 أعوام، انفصال والديها وهي لا تكاد تبلغ الست سنوات وأصبح والدها وشقيقها وجدتها هم السند الوحيد لها نظراً لكونها لا تزال طفلة، حتى جاء الهجوم على قطاع غزة وحرمها منهم، في ثلاث حوادث منفصلة خرجت من اثنتان منهما كناجية من تحت الأنقاض، حاملة معها ذكريات مروعة تكاد لا تحتملها طفلة في عمرها.

تقول عمتها أميرة حسونة، إن حبيبة حسونة شهدت العديد من الحوادث المروعة خلال الحرب في قطاع غزة، وكان أولها مقتل والدها طارق حسونة البالغ من العمر35 عاماً، في الثاني والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 2023، على يد قناصة القوات الإسرائيلية وبقاء جثته في الشارع لعدة أيام "كانت تخرج حبيبة رأسها من النافذة لتصرخ على الكلاب الضالة حين تحاول سحب الجثة وترميهم بالحجارة، خلال محاصرتهم بالمنزل".

 

ناجية من أنقاض أحد المراكز الطبية

وأوضحت أنه بعد اجتياز حبيبة حسونة حادثة والدها حتى اصطدمت بأخرى في 15 أيار/مايو الماضي، حين اضطرت العائلة للنزوح إلى نقطة طبية تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" في حي "الصبرة" وهو المكان الذي شهد سقوط العديد من الصواريخ الثقيلة على النازحين هناك من قبل القوات الإسرائيلية، والتي أدت إلى مقتل المئات من بينهم شقيقها آدم حسونة.

ووصفت تلك الليلة بالكابوس "في تلك الليلة خلدنا إلى النوم ونحن نعلم أننا لن نسلم من نيران الغارات، على الرغم من أن الأطفال كانوا يمرحون بالقرب من الخيام تارة، وتارة أخرى يستمعون لحكايا الجدة التي روتها لهم، إلا أنه في تمام الساعة الرابعة فجراً حدثت المجزرة وأصبح الجميع يصرخ تحت الركام ما عدا آدم حينها علمنا أنه توفى، وبعد ساعات خرجت حبيبة منكوشة الشعر يكسوها اللون الأبيض ورماد الصواريخ، وتبكي تريد شقيقها وجدتها".

 

كوابيس تلاحق حبيبة حسونة

وتابعت أميرة حسونة "بقيت حبيبة بلا شقيق أو أب، لكن جدتها حاولت التخفيف عنها وسعت لاصطحابها إلى عدة مراكز طبية لعلاج الحروق التي اجتاحت جسدها إثر نيران الصواريخ، كما سعت لتلقيها بعض جلسات العلاج النفسي على الرغم من عدم وجود مختصة، إلا أنها حاولت تقديم مساعدة لحفيدتها بمختلف الطرق المتاحة في مدينة الموت، لتخليصها من الكوابيس التي أصبحت تجتاح نومها بلا هوادة".

ولم تكاد حبيبة حسونة تتجاوز تلك الصدمة الثانية حتى تلقت أخرى في التاسع من حزيران/يونيو الماضي، خلال اجتياح حي الصناعة الأخير عندما كسرت جدتها الحصار المفروض وخرجت من المنزل للمساعدة في إسعاف إحدى الجارات لتفقد حياتها بقذيفة دبابة، وفق ما قالته أميرة حسونة، مشيرةً إلى أنه حينها سقطت القذائف عليهم كالمطر وخرجوا جميعاً يبكون، وكانت ممسكة بيد حبيبة وتسألها عن أطفالها التي لا تعلم أين أصبحوا.

 

أطفال بلا علاج أو معيل

لم تكن حبيبة حسونة الضحية الوحيدة من الأطفال، فهناك الآلاف منهم أصبحوا بلا عائلة وآخرين بحاجة لتلقي العلاج النفسي والجسدي، حيث خرجت أميرة حسونة هي وأطفالها من تحت الأنقاض من منزلها الذي فقدته الكائن في حي "الزيتون" بعد إطلاق حزام ناري، ما أسفر عن إصابة ابنها بكسر في الجمجمة وارتجاج بالمخ أثر على قدمه ولم يعالج حتى اللحظة، كونه يحتاج للتحويل إلى خارج البلاد لتلقي العلاج، فيما تعاني ابنتها المصابة بعدة مشكلات بالكبد وأنزيماته، إثر عدم تلقيها العلاج حتى اليوم.

وبينت أميرة حسونة، أنها في الوقت الراهن ترعى 13 طفلاً، منهم أطفالها الستة وحبيبة حسونة وكذلك 6 من أبناء شقيقها المحاصر برفقة زوجته في مشفى "الاندونيسي" شمال مدينة غزة من قبل القوات الإسرائيلية، إثر مكوثهم هناك للعلاج محكمة عليهم الخناق، مشيرةً إلى أن والدتها كانت ستساعدها لو بقيت حية لكنها رحلت وتركت لها تلك المسؤولية.

وعن والدتها تقول أميرة حسونة والتي تدعى ليلى حسونة، فكانت عضو مجلس إدارة لمجلس المرأة بمنطقة الزيتون ومديرة جمعية "قوارير الرحمة" التي تقدم خدماتها للنساء بمنطقة الصبرة في قطاع غزة، لافتةً إلى أنها تحمل الجنسية المصرية، لكنها رفضت الخروج من القطاع كي تستمر بتقديم خدماتها الإغاثية للنساء والفتيات، فكان قدرها أن تلقى حتفها في القطاع.

وأضافت "والدتي كانت حاصلة على لقب مختارة، كونها كانت تساهم في حل العديد من المشكلات محاولة تغيير النظرة النمطية للمرأة ووضعها في المجتمع"، لافتةً إلى أن "المعنفات كانوا من أولوياتها، فدوماً تسعى لترى إن كان هناك فرصة لحل مشكلاتهن بشكل ودي أو إيجاد مأوى لهن بعيداً عن العنف، كما قادت العديد من المبادرات والتظاهرات وهذا ما جعل حبيبة حسونة تتعلق بها وتحبها".

 

ما بين الأحلام والمخاوف

وتقول حبيبة حسونة، إن جدتها كانت عالمها وقدوتها الأولى فكانت دوماً تهتم بها وبشقيقها، لذلك تحلم أن تكبر وتصبح مثلها ذات يوم، وتساعد النساء المظلومات في نيل حقوقهن، مشيرةً إلى أنها تفتقد جدتها في جميع تفاصيل يومها ولم تعتاد رحيلها حتى اليوم.

وتحلم بالعودة لمدرستها، كونها دوماً كانت تحظى بالترتيب الأول هي وشقيقها آدم حاصدة أعلى الدرجات، لافتةً إلى أنها لا تعلم شيئاً عن معلماتها وصديقاتها اللواتي تفرقن شمالاً وجنوباً، مشيرةً إلى أن جميع أغراضها المدرسية دمرت واحترقت تحت ركام منزلها.

وتخشى حبيبة حسونة العتمة، وتعد الثواني كي ينجلي الليل، كما أنها تمقت البقاء وحدها، وأن تنادي ولا يرد عليها أحد كون تلك الحالة ترجعها لليوم الذي بقيت فيه تحت الأنقاض لساعات وهي تصرخ لينقذها أحدهم، كما تخاف النزوح تحت نيران القذائف والطلقات التي ترسلها الطائرات الإسرائيلية المسيرة، مختتمة أنها في كل مرة تنزح بها تفقد فرد من أفراد عائلتها.