نساء اليمن... رحلة الألم والأمل في خضم الحرب

تشهد اليمن مأساة عميقة تتجلى في معاناة النساء الجريحات اللواتي تحملن وطأة الحرب القاسية، فمعاناة هؤلاء النساء لا تقتصر على الجروح الجسدية فحسب، بل تمتد لتشمل طموحاتهن وآمالهن.

هالة الحاشدي

اليمن ـ تكشف التقارير الميدانية في اليمن، أن العديد من النساء الجريحات أصبحن عاجزات نتيجة الإصابات التي تعرضن لها، بالإضافة إلى المعاناة من التهميش والتمييز في مجتمعاتهن، ومع تصاعد أصداء المعارك، تُسجل قصصهن في صفحات النسيان، مما يبرز الحاجة الملحة لتسليط الضوء على قضاياهن وإيجاد سبل لدعمهن.

تشير الإحصائيات إلى أن اللجنة الوطنية في اليمن رصدت نحو 1400 جريحة تعاني من إعاقات متنوعة نتيجة عمليات القصف والقنص، بالإضافة إلى حوالي 700 جريحة من ضحايا الألغام، وقد أكدت منظمة سام للحقوق والحريات تدهور الأمن الشخصي للنساء بشكل مدقع، حيث تم تسجيل أكثر من 5000 حالة انتهاك، بما في ذلك مقتل 1100 امرأة وإصابة 2200 أخريات، وتعكس هذه الأرقام الفاجعة التي تعيشها النساء في اليمن، حيث تتعرضن للعنف الجسدي والجنسي في بيئة تغمرها الصراعات والتهديدات.

 

تجسيد الإرادة

تجسّد قصة هديل محمود عبد الواسع، الشابة البالغة من العمر 23 عاماً، نموذجاً ملهماً للإرادة والتحدي، ففي 30 حزيران/يونيو 2017، تعرضت لإصابة خطيرة جراء قذيفة في منطقة "الكدحة" بجبل حبشي في تعز، وبدلاً من الاستسلام لهذه المأساة، قررت أن تستمر في مسيرتها التعليمية وتتجاوز العقبات التي واجهتها.

وعلى الرغم من إصابتها، لم تتخلَ هديل محمود عبد الواسع عن حلم التعلم، وأكملت دراستها الثانوية، مؤكدة "لم أتوقف عن الدراسة نهائياً". كانت تُصِر على تطوير مهاراتها، وتعلمت الكتابة رغم ظروفها الصعبة، وأسست لنفسها طريقاً نحو النجاح بعدما تخرجت بمعدل خمسة وتسعين بالمئة، ثم التحقت بمعهد الاحتراف لتأهيل جرحى الحرب في مدينة تعز.

ولفتت إلى أنه "عندما بدأت دراستي، التحقت بقسم الحاسوب للحصول على رخصة دولية. استطعت أن أتعلم استخدام الحاسوب، رغم أن البعض قالوا لي إنه لا يمكنني الالتحاق بهذا القسم لأني لا أملك أصابع، لكنني كنت مؤمنة بقدراتي، ولدي عزيمة وإصرار، فقررت أن أجرب وأدخل هذا المجال، وقد نجحت في النهاية".

وأشارت إلى أنها شعرت بالحزن والقلق عند مغادرتها المستشفى، حيث كان كل شيء يعتمد على والدتها، لكنها أكدت لنفسها أنه يجب أن تعتمد على نفسها. عند عودتها إلى قريتها، واجهت ظروفاً صعبة، ولكن مع مرور الوقت بدأت تعتمد على نفسها، وتعلمت كيفية إمساك القلم.

وأضافت "بعد أن استأنفت دراستي، توجهت إلى المدرسة. صحيح أنني لم أحب الدراسة في البداية، إلا أن تشجيع زميلاتي ومعلماتي كان له تأثير كبير علي، كما كان أهلي داعمين لي، وكان الأطفال في المدرسة يسألونني عن حالتي، مما زاد من إصراري لمواجهة الظروف الصعبة التي مررت بها".

 

التغلب على الصعوبات

وبينت هديل عبد الواسع أنه "لقد كانت الصعوبات التي واجهتها خلال فترة إصابتي صعبة للغاية. شعرت بالعجز عن القيام بأي شيء، حيث كان كل شيء يعتمد على والدتي، ولكن بعد فترة، بدأت أمارس بعض الأمور بنفسي. بالرغم من أنني تأخرت في بعض الأمور، لكن مع التعود والاستمرار، أشعر الآن أنني أعيش حياة طبيعية".

وتابعت "لم أعد أشعر أنني إنسانة معاقة، بل تعودت على الحياة بكل جوانبها. تخيلت أنني أتمتع بقوة وقدرة على التغلب على التحديات لكن بعد فترة، تعرضت لحادث أليم أصابني عندما سقطت قذيفة على ذراعي. شعرت بالارتباك والصدمة، وأسعفوني أهل القرية وخالي إلى المستشفى. عند استيقاظي في الساعة الثالثة فجراً، شعرت بحالة من الارتباك، وللأسف، لم يرغب الطبيب في إعطائي أي معلومات، وانتظرت حتى الساعة العاشرة صباحاً".

وتقول "عندما استيقظت، رأيت يدي مربوطة بالشاش، وكانت مشاعري مختلطة بالحيرة، مما جعلني أتساءل "ماذا حدث لي؟" لم أكن على دراية بما حدث، فسألت خالي ولكنه كان صامتاً. عندما رأيت والدتي تبكي، شعرت بألم عميق في قلبي. لقد كان تحمّل هذا الأمر صعباً للغاية".

وعن معاناة العديد من الأشخاص الذين فقدوا أطرافهم، حيث يسعون للحصول على العلاج، أوضحت هديل عبد الواسع أنه "لا توجد علاجات تعيد إليهم أيديهم وأرجلهم، لكنهم يقبلون قدرهم ويعيشون حياة جديدة. بطبيعة الحال، تتغير الحياة بعد فقدان الأطراف، فقد اعتدت على وجود أطراف في السابق، والآن لم تعد موجودة"، مضيفةً "لقد استخدمت أطرافاً صناعية، ولكن لم أشعر بالراحة عند استخدامها".

وتوجهت برسالة إلى الجرحى قائلة "الإعاقة ليست فقط جسدية، رغم أنني امرأة واجهت صعوبات الحياة بكل جوانبها. لقد درست وتفوقت، وأؤمن بأن الأشخاص ذوي الإعاقة يجب ألا يتوقفوا عن العمل أو الدراسة. لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس. يجب أن يكون لديهم طموح نحو المستقبل، وعزيمة وإرادة للتفوق والإبداع".

كما لفتت إلى أن هناك فتيات يواجهن مشاكل بسيطة، ويقلن "لن أدرس بعد الآن"، لكنها تؤكد أنها واجهت العديد من التحديات، ومع ذلك لم تفكر في ترك دراستها. رغم كل ما مرت به، كانت تركز على مستقبلها الأكاديمي. لقد أحببت الدراسة وتفوقت في جميع مراحلها، وتسعى للتفوق في الجامعة في تخصص الإعلام.