سمية الشريف تعيل أسرتها عبر دراجتها الهوائية
بشوارع غزة المنكوبة تتنقل دراجة هوائية تحمل شابة لم تتجاوز الـ 17 عاماً أجبرتها الحرب على تحمل مسؤوليات أسرة فقدت جميع من يعيلها، لتصبح هذه الشابة وجهاً لوجه مع قسوة الحياة.

رفيف اسليم
غزة ـ على دراجتها الهوائية تعمل سمية الشريف، في نقل بعض البضائع وبيعها من سوق الصحابة وسط مدينة غزة إلى معسكر جباليا شمال القطاع، لتعيل أسرتها خاصة بعد فقدها لاثنين من إخوتها في الحرب المستمرة على المدينة المحاصرة، تاركين لها عبء رعاية الأسرة وهي ابنة الـ 17 عام فقط.
تحب سمية الشريف ركوب الدراجة الهوائية منذ أن كانت طفلة وقد تسببت في كسر يدها ذات مرة وهي تتعلم كيف تتحكم بالمقود، وتتذكر أنها في ذات اليوم استطاعت تحقيق التوازن وقيادتها بيد واحدة فقط، حينها شعرت بالإنجاز وفرحة عارمة وأخذت تجوب شوارع منطقتها.
ومع مرور السنوات كبرت سمية الشريف، ولم تستطيع قيادة الدراجة الهوائية بسبب التقاليد المجتمعية التي تمنع الفتاة من استخدام "البسكليت" كوسيلة نقل، لكن عندما اندلعت الحرب وانقطعت وسائل المواصلات وارتفعت بشكل جنوني أجرة النقل لما تبقى منها، وافقت عائلتها على استخدامها للدراجة لنقل البضائع التي تبيعها للنازحين بإحدى المدارس.
الإرادة تتحدى كافة المحن
وبينت أن لا مانع لديها من إيصال بعض الطلبات بأسعار زهيدة مقارنة بالمواصلات الأخرى شريطة ألا تبتعد كثيراً عن مكان سكنها ما بين محافظات شمال غزة ومركز المدينة لتستطيع بذلك توفير نقود إضافية لعلها تمكنها من سد احتياجات أسرتها، خاصة في ظل غلاء الأسعار الجنوني وامتناع وصول المساعدات إلى قطاع غزة وشح الطحين وهو المادة الأساسية في غذاء العائلات بمدينتها المنكوبة.
وتسمع سمية الشريف وهي تقود دراجتها العديد من العبارات البعض منها يكون لاذع والبعض الأخر يشجعها بل ويهنأها على مهارتها وقدرتها في محافظتها على التوازن وحمل البضائع خاصة مع طول المسافة التي تقطعها تحت أشعة الشمس الحارقة والمقدرة بـ 3 ساعات، وهي في كلتا الحالتين لا تعطي عبارات المدح أو الذم بالاً كونه لديها مسؤولية أعظم عليها إنجازها، فإخوتها الصغار جوعى وبحاجة لها.
وتواجه العديد من العقبات أبرزها وعورة الطرق التي دمرتها القوات الإسرائيلية خلال القصف والعمليات البرية فهنا حفرة تمتد عدة مترات، وهناك بركة من المياه العادمة عليها العبور من منتصفها، متحملة الروائح الكريهة والأمراض التي ستلتصق بها نتيجة الجراثيم والميكروبات التي سببتها كثرة السكان وانعدام خدمات الصرف الصحي بالمدينة.
آمال تخيب تحت وطأة الحرب
بينما يعد الهاجس الأكبر لديها هو غلاء أسعار تصليح الدراجة الهوائية، فالعجلات بطبيعة الحال تحتاج لنفخ من فترة لأخرى بسبب الحجارة والزجاج، عدا عن القطع الداخلية لتلك الدراجة التي يتجاوز سعرها مقدرتها على التصليح، مشيرةً أنها ببعض الأحيان تضطر لتركها عدة أيام متتالية وتتنقل على أقدامها حتى تجمع المبلغ المالي المطلوب.
وتحتاج لدعم من أجل تطوير مشروعها من بسطة عليها عدد من البضائع كالقهوة وبعض السكاكر التي تصنعها والداتها في المنزل، إلى بقالة صغيرة تحوي بعض المؤن وأرز وعدس وسكر وبعض حلويات الأطفال والحاجيات الأخرى، لتتمكن من تحقيق هامش ربح يجعلها تستطيع تأمين دخل أسرتها ومستقبلها، فهي تحلم كبقية بنات جيلها بإكمال دراستها والتخرج من الجامعة.
رغم أنها تعلم أن ذلك الحلم قد يكون مستحيل، لكنها كأي فلسطينية تدرك أنها كالعنقاء تحلم بالعودة من الرماد وتحلم أن تكون هذه الأيام ماضي صعب، وستتذكر أنه أسس لديها شخصية قوية ومسؤولة.