شتاء بلا تدفئة أو دعم هذا العام أيضاً... يواجه معيلات نازحات في إدلب
مع حلول فصل الشتاء تتكرر معاناة النازحات والمهجرات في كل عام والتي تبلغ ذروتها مع المنخفضات الجوية والعواصف والأمطار والثلوج التي يواجهنها في مخيمات منسية وخيام بالية
سهير الإدلبي
إدلب ـ سرعان ما تهدم وتغرق مع أول عاصفة لتجعل ساكنيها عرضة للبرد والتشرد.
بينما تسعى لتنظيف خيمتها مما اخترقها من مياه جعلت أمتعتها غارقة وسط البرد الشديد تقول علياء الدوري (٣٢) عاماً وهي من نازحي مدينة معرة النعمان ومقيمة في مخيمات كفر دريان شمال إدلب، أن الأمطار اخترقت خيمتها من الأعلى وتسربت الوحول إليها من الأسفل وقضت ليلتها مع أطفالها الأربعة في العراء في مشهد لن تنساه مدى الحياة.
وأضافت "بتنا في حيرة من أمرنا أين نذهب أو ماذا نفعل وسط العاصفة التي بللت كافة أمتعتنا وجعلتنا نواجه البرد الشديد، خوفي على أطفالي من البرد دفعني للاستعانة بجيراننا من أجل قضاء الليلة عندهم ريثما حل الصباح لأعود إلى الخيمة وأحاول إصلاح ما دمرته مياه الأمطار والسيول".
تواجه علياء الدوري المأساة ذاتها كل عام دون وجود من يساعدها في تغيير هذا الواقع، فهي لا تمتلك المال لاستبدال خيمتها ببناء قوي ولا لدفع إيجارات المنازل المرتفعة.
من جهتها تمضي روعة الحاج علي (٣٠) عاماً الشتاء كل عام بمفردها دون سند أو معيل مع أبنائها الثلاثة بعد وفاة زوجها، لتواجه حياةً صعبة وسط البرد القارس وانعدام سبل الحياة وافتقارهم لمواد التدفئة والاحتياجات الأساسية في مخيم الكرامة الواقع في بلدة حربنوش شمال إدلب.
وتقول "نمر بأوقات عصيبة منذ نزوحنا عن مناطقنا في ريف إدلب الجنوبي، تلك المعاناة تزداد في فصل الشتاء الذي يحمل معه تشرد جديد لنا يضاف إلى تشردنا الأساسي، فلا مدافئ ولا أغطية ولا حتى ملابس شتوية كافية".
وأشارت إلى أنها تتعرض بعد كل عاصفة لاقتلاع خيمتها وتشردها مع أبنائها ريثما يتم إصلاحها وإعادة بنائها بمساعدة بعض رجال المخيم، وكثيراً ما تتسبب الأوحال بإعاقة التنقل بين الخيام وتجمع المستنقعات الكبيرة وتتسبب بغرق الخيام والأمتعة.
وتتابع "أجبرتنا الحرب على ترك أرزاقنا وبيوتنا ووضعتنا الأقدار في مخيمات باردة ومشتتة، وأصبح فصل الخير الذي كنا ننتظره كل عام ليروي أرضنا العطشى ومحاصيلنا الوافرة مجرد فصل يحمل معه القهر والبؤس وينحصر كل همنا فيه بالحصول على الدفء ولقمة عيش تسد رمق أطفالنا".
مئات النازحين باتوا في العراء بلا مأوى خارج خيامهم التي لم تعد تقيهم البرد والمطر بعد دخول المياه إليها ما أجبر الكثير من العائلات إلى النزوح إلى أماكن متفرقة ومنها المساجد ومراكز الإيواء المؤقت أو لبيوت أقربائهم في المدن والبلدات ريثما تنتهي العواصف.
استقبلت الخمسينية فتحية قدري الكثير من النساء والأطفال داخل خيمتها بعد تضرر خيامهم في العاصفة التي ضربت المنطقة منذ أيام قليلة ولأن خيمتها لم تتضرر وهي تسكن فيها بمفردها مع زوجها العجوز لجأت إليها جاراتها ممن تضررت خيامهم.
تقول فتحية قدري باكيةً "يؤلمني مشهد رؤية هؤلاء الأطفال والنساء يرتجفون من البرد، لقد شردوا وباتوا بلا مأوى أو مال أو معيل"، مؤكدةً أن معظم النساء المقيمات في مخيمهم الواقع في بلدة مشهد روحين هن أرامل فقدوا أزواجهن في الحرب ولا يوجد عائل لهن، راجية فرج قريب يمحو معاناة جميع النازحين الذين ضاقت بهم الحياة وانعدمت بهم السبل وباتوا يتجرعون مرارة الإقامة في مخيمات تفتقر لأدنى مقومات الحياة.
إحدى تلك النازحات وتدعى هيام الجدوع (٢٩) عاماً ولديها أربعة أولاد تقول أنهم "يتعرضون للتشرد كل عام ويعيشون حياة مأساوية وحتى طعامهم باتوا يشترونه بالدين الذي يتراكم عليهم لمدة طويلة، فأنى لهم إيجاد مأوى مناسب وسط البرد القارس مع كل هذا الفقر؟".
غالبية النازحين يستخدمون الأوراق وأكياس النايلون وملابس بالية وبقايا نفايات لاستخدامها في التدفئة حتى لا يفتك بهم البرد القارس الذي راح يودي بحياة الأطفال في كل عام.
وتطالب هيام الجدوع بإغاثة طوارئ عاجلة من قبل الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني التي لم تعد تهتم لأمرهم ولا تنظر لأحوالهم في مخيمات تفتقر للبنى التحتية الأساسية من طرقات ومياه وشبكات صرف صحي وخيام بالية لا تصلح للعيش.
من جانبها أطلقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان نداءات استغاثة عاجلة لمساعدة نحو ٣ آلاف و٦٤٠ عائلة تضررت خيامهم بسبب العواصف الممطرة في الشمال السوري، وناشدت الدول والمنظمات العربية والدولية الإسراع في تقديم المساعدة.
وأشارت إلى أضرار جسيمة لحقت بمئات من مخيمات المنطقة بسبب السيول، بما في ذلك تمزق في الخيام أو انجرافها بشكل كامل، إضافةً إلى فقدان النازحين مستلزمات معيشية أساسية أو تلفها كالملابس ومستلزمات النوم ومدخرات التدفئة والمواد الغذائية.
وأكدت الشبكة أن "النساء والأطفال وكبار السن هم الفئات الأكثر تأثراً لأنها الأكثر هشاشة بين النازحين" لافتةً إلى أن نقل الحوامل وذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن من ذوي الأمراض المزمنة يشكّل "تحدياً إضافياً" ضمن عمليات إخلاء الخيام الغارقة بتلك المستنقعات.
وسجلت الشبكة تضرر نحو ٤٠٠ مخيم، بإجمالي ما لا يقل عن 5 آلاف و163 خيمة متضررة بشكل جزئي أو كامل وتشريد قرابة ٣ آلاف و٦٤٢ أسرة.