شابات تونسيات: ليس هناك مهن وأعمال حكراً على الرجال
تُقبل الفتيات التونسيات على التدريب المهني في اختصاصات كانت حكراً على الرجال واقتحمنّ سوق العمل بذهنية لا تفرق بين المرأة والرجل.
نزيهة بوسعيدي
تونس ـ كثيرون هم من يعتبرون أن المرأة جسدياً أضعف من الرجل ولا تتحمل المهن الشاقة مثله، وبعض الناس ترى أن المرأة لا تستطيع أن تفرض ذاتها في عمل جرت العادة أن يكون ذكورياً مئة بالمئة بل إنه من "العيب" أن تعمل وسط الرجال بمفردها، وبعضهم يعتبرون أنه من طبع المرأة الخوف وأنها غير قادرة على المهن التي قد تدفعها إلى المجازفة بحياتها أحياناً.
بدأت الأفكار النمطية عن المرأة تتلاشى في المجتمع التونسي بإقبال الفتيات التونسيات على التدريب المهني في اختصاصات كانت حكراً على الرجال على غرار قطاع تركيب أعمدة الكهرباء والغاز أو قطاع البناء والتركيب وقطاع الحدادة، قطاع صقل الرخام والجليز (طلاء زجاجي) قطاع النقل الجماعي.
حنان عمار هي شابة من بين أربعة شابات قررن الالتحاق بواحدة من المهن التي كانت حكراً على الرجال طيلة السنين الماضية, حيث أفادت بأنها تقوم حالياً بوظيفة مركبة خطوط بالشركة التونسية للكهرباء والغاز بمدينة قفصة بعد أن تلقت تدريباً بمركز التدريب بالخليدية في هذا المجال.
وذكرت أنها اختارت هذا الاختصاص عن وعي تام بجميع مخاطره وأنها تدرك أن عملية الصعود بالعمود الكهربائي لإصلاح عطب ليست سهلة وتتطلب قوة جسدية أحياناً، ولكن أثبتت بعد تجربة تناهز الثلاث سنوات في العمل بأنها قادرة على القيام بمهمتها على أكمل وجه وأن سعادتها بعد إصلاح عطب أو إعادة الكهرباء إلى المنازل أو إدخال الإنارة لأي منزل لأول مرة وفرحة الناس به لا تعادلها سعادة.
وأكدت أنه "رغم انتمائي إلى منطقة داخلية محافظة لا زالت المرأة فيها تواجه العقلية الذكورية، إلا أنني لم أهتم بما يقولون قدر اهتمامي بما انجزه من عمل يومي ولا أخشى من الصعود يومياً بالأعمدة أو العمل وسط الحفر"، مضيفةً "حب المرأة لعملها مهما كان نوعه أو تصنيفه هو الذي يصنع الفارق ويجعلها متفانية فيه ويجعلها غير مهتمة بالناس بقدر اهتمامها بالنجاح في العمل".
وحول كيفية تعامل العمال الرجال معها لاسيما وأنهم لم يعتادوا على وجود النساء معهم في العمل، ذكرت حنان عمار أنه "من حسن الحظ أن الفريق العامل معي يساعد على أداء مهمتي دون أي استفزازات وأحرص على أن أكون في المستوى المطلوب ولكن عموم الناس يعتقدون بأني سأعود إلى العمل الإداري عاجلاً أم آجلاً لأن ما أقوم به من عمل سيتعبني ويرهقني مع الوقت".
من جانب آخر قالت إشراق عرفة بشيري وهي مسيرة أعمال بناء "انقطعتُ عن الدراسة بصفة مبكرة فكان الاستغراب من العائلة والرفض كردة فعل أولى وإصرار على مواصلة الدراسة ولكني أصريت على موقفي والتحقتُ بالمركز القطاعي للبناء وتوابعه بمنطقة ابن سيناء بالعاصمة عام 2014 وكانت حينها دورة افتتاحية فكنَ كفتيات نعدّ على الأصابع وحصلتُ على الدبلوم الأول ثم الدبلوم الثاني ووجدت نفسي في مواجهة سوق العمل كمسيرة أعمال لم يتعودوا على وجودي بينهم خاصة وأنني صغيرة في السن".
وأضافت أنه سرعان ما فكرت بفتح مكتب بمفردها وتكون صاحبة القرار وفعلاً أقدمت على فتح مكتب بالعاصمة واقتحمت المجال وهي الآن تعمل برفقة بعض النساء والرجال، مبينةً أنها لم تكتفِ بذلك بل قامت بتدريب إضافي في التصميم الهندسي حتى تستطيع القيام بكل الأعمال التي يحتاجها البناء وهي أيضا حرصت على أن تكون خبيرة في البناء المادي لتحديد كلفة المنازل في حالة توزيعه بين الورثاء.
وأوضحت بأنها تواجه في عملها صعوبات لها علاقة بتأزم الوضع الاقتصادي للبلاد والذي انطلق منذ زمن كورونا وتواصل إلى اليوم، ما يجعلها غير قادرة على العمل المسترسل وأحياناً تقول في نفسها "ما الذي افعله؟ أليس من الأجدر وضع حد للمعاناة والتعب؟"، واستدركت قائلة "ولكن لست أدري من أين تأتي القوة والعزيمة لأواصل العمل واتحلى بالصبر والأمل وأواصل المشوار".
وحول كيفية التعاطي معها كفتاة صاحبة مهنة لطالما احتكرها الرجال، أفادت "لا يوجد مجال حكر على الرجال ولا مجال حكر على المرأة بل هي سوق عمل لا فرق فيها بين الاثنين إلا بالعمل والثقة في النفس لكسب ثقة الناس"، مشيرةً إلى أن المرأة هي التي تفرض على الآخر احترامها وهي التي تثبت ذاتها بالعمل الجيّد.
وفي الختام قالت إشراق عرفة بشيري إن "الظروف الصعبة أيضا تصنع النجاح ولو بعد حين والاصرار والتفاني في العمل هو ما يجب أن تتحلى به المرأة التونسية التي اثبتت عبر التاريخ انها امرأة قوية ناجحة قادرة على تخطي كل العراقيل والصعوبات في اي مجال من المجالات وقادرة على العمل كيد عاملة في المهن الشاقة على غرار قطاع البناء".