ربيع الشعوب والموقع والوزن الكردي
إن ربيع الشعوب في البلدان العربية لم يحقق إرادة الشعوب، إلا أن الكرد حولوا انتفاضة الشعوب إلى نظام كونفدرالي ديمقراطي.
هيرو علي
السليمانية ـ كان ربيع الشعوب، في أواخر عام 2010 وأوائل عام 2011، موجة من الثورات والاحتجاجات في مختلف أنحاء العالم العربي، وبدأت الثورة في تونس ثم انتشرت إلى معظم دول الشرق الأوسط وأطلق عليها الربيع العربي.
من أسباب الربيع العربي الفساد والركود الاقتصادي وسوء الأوضاع المعيشية للمواطنين وضعف الأمن وعدم اليقين والتلاعب بنتائج الانتخابات التي اعتبرها الناس البوابة الرئيسية للديمقراطية والتغيير، وعندما ظهر شاب يدعى محمد البوعزيزي، يضرم النار في نفسه احتجاجاً على تدهور وضعه المعيشي والاقتصادي وعدم قدرته على إعالة أسرته، اشتعلت شرارة الثورة في تونس.
انتهت الثورة التونسية في 14 كانون الأول/ديسمبر عندما غادر زين العابدين بن علي بلده بالطائرة إلى العاصمة السعودية جدة، وأعلن رئيس الوزراء محمد الغنوشي تنصيبه رئيساً مؤقتاً، وجاء ذلك نتيجة عدم القيام بواجبات الجمهورية بموجب المادة 56 من الدستور، لكن المجلس الدستوري قرر بعد يوم واحد اللجوء إلى المادة 57 من الدستور وإعلان شغور منصب الرئيس، وفي وقت لاحق، في 15 كانون الأول/ديسمبر 2011، أُعلن أن فؤاد المبزع، رئيس مجلس النواب، سيتولى منصب الرئيس بشكل مؤقت حتى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
مصر
بعد تونس، كانت مصر الدولة الثانية التي واجهت موجة من الاحتجاجات، حيث تظاهر المصريون في 25 كانون الأول/ديسمبر 2011 في القاهرة والإسكندرية ومدن أخرى مطالبين برحيل الرئيس حسني مبارك وبعد 30 عاماً في السلطة، استقال في 11 شباط/فبراير، وسلم السلطة إلى الجيش، ثم اغتنم الإخوان الفرصة للاستيلاء على السلطة، وفي 24 حزيران/يونيو 2012 أصبح محمد مرسي رسمياً رئيسا للبلاد، لكن حياته في السلطة كانت قصيرة. ففي 3 تموز/يوليو 2013 انقلب عليه الجيش وأطاح به، إذ تم عزله وسجنه وتوفي في السجن.
اليمن
في يوم الجمعة 11 شباط/فبراير 2011 أيضاً انطلقت ثورة الشباب اليمنية أو ثورة التغيير السلمي وأطلق على الثورة اسم "جمعة الغضب"، وهي مستوحاة من الثورتين السابقتين في تونس ومصر، مما دفع الشباب اليمني إلى المطالبة بالتغيير الاقتصادي والاجتماعي من نظام علي عبد الله صالح، الذي حكم البلاد لمدة 33 عاماً وغادر إلى السعودية في الرابع من حزيران/يونيو لتلقي العلاج بعد سقوط قذيفة على القصر الرئاسي يوم الجمعة 3 حزيران/يونيو، وعاد إلى اليمن في 23 أيلول/سبتمبر 2011، وفي تشرين الأول/أكتوبر 2011 وقع على المبادرة الخليجية التي فوض بموجبها صلاحياته لنائبه عبد ربه منصور هادي، وتوجه إلى مملكة عمان ثم إلى الولايات المتحدة للعلاج وأعلن استقالته.
ليبيا
ومن الدول الأخرى التي تضررت بنيران الثورة التونسية ليبيا، حيث كان معمر القذافي رئيساً للبلاد عندما اندلعت الاحتجاجات، ودخلت البلاد في حرب أهلية مريرة، وتمكن أولئك الذين أطلقوا على أنفسهم اسم المجلس الثوري، من إصابة معمر القذافي وقتله وإنهاء 40 عاماً من حكمه.
الأردن
بدأت الاحتجاجات في مناطق مختلفة من الأردن في أوائل عام 2011، متأثرة بموجة الاحتجاجات التي اندلعت في العالم العربي، وبدأت في 14 كانون الأول/ديسمبر 2011 بعد صلاة الجمعة واستمرت في الأسابيع التالية، لكنها هدأت بفضل الإصلاحات الحكومية.
ولقد نجحت ثورة الشعب في الإطاحة بخمسة أنظمة ورؤساء في تونس ومصر واليمن والأردن وليبيا، كما اندلعت ثورات في دول عربية أخرى، ولكنها سرعان ما انتهت دون تغيير، مثل السعودية والجزائر وجيبوتي وعمان والعراق والكويت.
سوريا
أما في سوريا فقد كانت نتائج ربيع الشعوب مختلفة، إذ أدى الوجود الكردي في البلاد إلى تأسيس نظام ديمقراطي جديد، بدأ شعب روج آفا بانتفاضة ضد النظام السوري، في 19 تموز/يوليو، ونجحت ثورته بفضل قوة وإرادة الشعب وأصبحت الانتفاضة ثورة حديثة وجديدة للشعب الكردي وشعوب سوريا.
عندما ثار شعب سوريا وروج آفا ضد نظام الأسد في كوباني في 19 تموز/يوليو 2012، دُق الجرس الأول للثورة، وعلى الرغم من الهجمات التي شنها داعش على إقليم شمال وشرق سوريا وشنكال والموصل، إلا أن هذه المنطقة وضعت حجر الأساس للمشروع الديمقراطي الوليد في سوريا.
وأصبح هذا الأساس لإقامة نظام جديد في روج آفا وتجسيد ثورة سياسية واجتماعية وثقافية، فضلاً عن إقامة نظام الكونفدرالية الديمقراطية، وهو أحد الركائز الفكرية للقائد عبد الله أوجلان، ويتضمن هذا النظام مبادئ وتدابير حرية النوع الاجتماعي والديمقراطية المباشرة وحماية البيئة وحرية المرأة والأمة الديمقراطية التي استطاعت احتضان كل الاختلافات واستبدال التطرف والعنصرية بشعار التعايش.
إن الكونفدرالية الديمقراطية ليست نظام دولة، بل هي نظام ديمقراطي غير حكومي للشعب، وهو نظام تشارك فيه كل قطاعات المجتمع، وتشكل النساء والشباب، على وجه الخصوص، منظمات ديمقراطية خاصة بهم ويمارسون السياسة بحرية.
استمرت ثورة الشعب في سوريا وإقليم شمال وشرق سوريا حتى إسقاط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024 وإنهاء حكمه، ويستمر النضال ضد هجمات الاحتلال التركي على إقليم شمال وشرق سوريا، ويتم بذل الجهود لتعزيز حقوق الشعوب والمجتمعات السورية من خلال الدبلوماسية والحوار.
يقال إن "معايير الديمقراطية" في الدول العربية تحسنت من عام 2010 إلى عام 2020، بعد بدء ربيع الشعوب، لكن الدول التي انهارت أنظمتها لا تزال تعيش أزمة صعبة وتقول إن ثورتها كانت من أجل حياة أفضل.