نساء المعتقلين في إدلب... ضحايا سماسرة نصب واحتيال
منذ عام 2011، تعرض عشرات آلاف المدنيين للاعتقال والاختطاف والاختفاء القسري على يد قوات النظام السوري.
هديل العمر
إدلب ـ خلفت الحرب السوريّة المستعرة آلاف المعتقلين والمفقودين في سجون النظام على مدار 11 عاماً، لتعاني زوجات هؤلاء المعتقلين ضغوطات قاسية مِن قبل المجتمع، فضلاً عن تعرّضهن للاحتيال والاستغلال مِن وسطاء ومحامين ومتنفذين في النظام، خلال رحلة بحثهن عن مصير أزواجهن.
وقعت هؤلاء النساء في الفخ فعلاً، إذ استطاع أشخاص إقناعهن بترتيب صفقات الإفراج عن أزواجهن مقابل مبالغ مالية ضخمة تقدر بآلاف الدولارات التي دفعتها بعضهن بالفعل، ليتبين أن المسألة مجرد مكيدة واحتيال ولم يطلق سراح أحد من أزواجهن حتى اللحظة.
تقول هيام القدور 36 عاماً أنها باعت كل ما تملك من مصوغات ذهبية وأنفقت كل ما لديها من مال في سبيل البحث عن مصير زوجها دون جدوى، وذلك بعد أن وقعت فريسة عمليات نصب واحتيال من قبل عدد من المحامين المتواجدين في مناطق النظام، والذين أوهموها أنهم قادرون على الوصول لزوجها بل والعمل على تخليصه من سجنه.
وبعد محاولات متعددة من البحث ودفع الكثير من الأموال لم تصل هيام القدور إلى زوجها ولم تجدي الأموال التي دفعتها حتى في إيصال خبر عنه أو إن كان ما يزال على قيد الحياة أم لا.
بدأت مأساة هيام القدور وهي من مدينة خان شيخون حين توجه زوجها لمدينة حماه من أجل العمل على إخراج جواز سفر بعد أن عزم النية على السفر خارج البلاد للتخلص من الحرب والبحث عن سبل حياة أفضل مع عائلته المؤلفة من زوجته وأربع أبناء، أواخر عام 2016.
لكن رحلته تلك انتهت قبل أن تبدأ بعد أن انقطعت أخباره بشكل فجائي لتعلم فيما بعد أنه اعتقل من قبل عناصر الأمن المتواجدة في مبنى الهجرة والجوازات في حماه دون معرفة الأسباب التي أدت لاعتقاله.
حاولت هيام القدور معرفة مصير زوجها بمساعدة أقربائه عبر محاولات عدة دون فائدة، واكتملت معاناتها وأصبح المشهد أشدّ ألماً عندما اجتمع غياب الزوج واعتقاله مع قسوة ومرارة النزوح والتشرد والفقر.
وحتى بعد نزوحها مع أهالي ريف إدلب الجنوبي إبان العمليات العسكرية الأخيرة واستقرارها في مخيمات الشمال السوري لم تيأس وتتوقف عن محاولاتها تلك التي استنزفت كل ما بحوزتها من أموال وقضت على كل أمل لديها برؤية زوجها من جديد.
وحتى الآن، لا توجد أي إحصائية رسمية للعائلات السورية التي وقعت ضحية شبكات الاحتيال التي تخدعهم بأنها تمتلك معلوماتٍ عن المعتقلين، وذلك بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
وأفادت الشبكة بعدم وجود معلوماتٍ كافية عن أولئك الأشخاص سوى أنهم في بعض الأحيان يكونون على صلة بالنظام السوري ويتطلعون للحصول على الأموال بهذه الطريقة.
لم يكن حال سناء البربش 43عاماً بأفضل حالاً من سابقاتها حين راحت تتوسل القاصي والداني للحصول على بصيص أمل لمعرفة مصير زوجها المغيب في سجون النظام، وتواصلت هاتفياً مع أشخاص أدعوا معرفتهم القوية بضباط ومسؤولي السجون واستعدادهم لتقديم معلوماتٍ عن زوجها المعتقل، ليظهر لاحقاً أنهم ينوون فقط الحصول على المال دون أن يتمكنوا من تقديم أي معلوماتٍ عن الشخص المعتقل أو مصيره.
وقالت سناء البربش إن الأمر بدأ حين تواصل معها "شخصاً عبر تطبيق الواتساب وأبدى لها استعداده للمساعدة من أجل الإفراج عن زوجها المعتقل منذ أكثر من خمس سنوات، لكنه اشترط دفع المال سلفاً".
وأضافت "للأسف أرسلت له مبلغاً مالياً يعد ضخماً بالنسبة لي وهو 3000 دولار أمريكي استدنته من أقربائي، لكنه بعد حصوله على المال لم يعد يرد على اتصالاتي".
وبالإضافة إلى خسارة الأموال، تبدو الآثار النفسية الأصعب والأنكى على زوجات المعتقلين اللواتي فقدن أي أمل بخروج أزواجهن من السجون، وأن يحظى أطفالهن برؤية والدهم من جديد، بتن حائرات أمام أبنائهن الذين لا يعلمون إن كان والدهم على قيد الحياة أم لا، وفق ما قالته المرشدة الاجتماعية مروة العلوش.
وأوضحت مروة العلوش أن الأمر يبدو أشد قسوة على أسر المعتقلين وزوجاتهم خاصة وأنهم يعلمون أنهم وبمعظمهم أبرياء وليس لهم في هذه الحرب لا ناقة ولا جمل.
وأضافت أن هناك "فارقاً بين أن يعلم الأهل أن ابنهم الذي ارتكب جريمة جنائية، ولديه ما يشينه في تاريخه قد ألقي القبض عليه، وبين أن يكون مواطناً صالحاً وألقي القبض عليه بشكل عشوائي ممنهج أو لمجرد كتابة بوست على فيسبوك".
ونوهت أن زوجات المعتقلين يكن أمام خيارات صعبة، يسودها الضياع وعدم الاستقرار النفسي والاجتماعي، بعد أن خسرن كل ما يملكنه وعجزن عن الوصول إلى "طرف خيط" يجمعهن بأزواجهن من جديد.
ومنذ عام 2011، تعرض عشرات آلاف المدنيين للاعتقال والاختطاف والاختفاء القسري على يد قوات النظام السوري، ورغم كل المناشدات والضغوط الدولية والتقارير الصادرة عن منظمات وجمعيات حقوق الإنسان، إلا أن النظام السوري لم يتحرك أبداً بخصوص المعتقلين في سجونه، بل مازالت أجهزته الأمنية مستمرة باعتقال المدنيين والناشطين في مناطق سيطرته.