مؤسسة الفرح الاجتماعية... أول دراسة في لبنان حول العنف المبني على النوع الاجتماعي

لا يقتصر تمكين المرأة على دعمها بفرصة عمل فحسب، أو تعليمها حرفة ومهنة، فالمسألة أكبر وأعم، وهي تنطلق أساساً من بلورة مفاهيم ثقافية خارج الموروث المجتمعي

سوزان أبو سعيد
بيروت ـ ، أي من مراكمة الوعي بقضاياها وكل ما هو متصل بحياتها، وهذا ما سعت وتسعى إليه "مؤسسة الفرح الاجتماعية"، خصوصاً في مشروعها الحالي المتعلق بالعنف المبني على النوع الجندري.
 
مشاريع إنسانية وتنموية وتعليمية
تقول مديرة المشاريع في مؤسسة الفرح الاجتماعية فريال المغربي لوكالتنا، أن "مؤسسة الفرح الاجتماعية، جمعية إنسانية غير ربحية تأسست عام 1988، تعمل في خمس قطاعات مختلفة، ألا وهي قطاع المساعدات الإنسانية والتي تشمل تقديم حصصاً غذائية وحصص مواد نظافة وترميم بعض البيوت غير الآهلة للسكن، بالإضافة إلى قطاع الصحة، إذ توجد مراكز صحية تابعة للجمعية بالإضافة إلى دعم 30 مركزاً صحياً وتزويد المستشفيات في كافة المناطق اللبنانية بالأدوية وغيرها، ومن ثم التعليم المهني إذ ندعم التعليم الزراعي والمهني، كما نقوم بدعم الفئة الشابة والمرأة".
وأشارت إلى أن القطاع الزراعي في المؤسسة "يضم أربع مشاريع كبيرة، وهي عبارة عن مشاتل زراعية في منطقة الشوف (جبل لبنان)، ويتميز هذا المشتل بإدارته من قبل ذوي الاحتياجات الخاصة، وقد تم تأمين فرص عمل لأصحاب الهمم في المشتل، وكذلك في قضاء عاليه (جبل لبنان)، وهناك مشتل في بلدة بيصور وآخر في بلدة الرملية، والمشتل الرابع في راشيا (البقاع) حيث نعمل على إكثار البذور والشتول وتوزيعها مجاناً على المزارعين".
 
 
دعم المرأة والفئة الشابة 
وحول كيفية دعم المؤسسة المرأة والفئة الشابة، تقول فريال المغربي "في هذا المجال نهتم بمشروع ريادة الأعمال، حيث نحث كل شخص لديه فكرة قابلة لأن تصبح مشروعاً، أن يطرحه على المؤسسة، حيث يتم تدريب حوالي 20 ـ 24 فريقاً، ونختار بينهم ثلاثة فرق لتنفيذ المشاريع".
وتضيف "نحاول مساعدة النساء على أكثر من صعيد، منها شراء المونة من نساء يقمن بتحضيرها في منازلهن لوضعها ضمن الحصص الغذائية، وهناك مشروع هبات وقروض ميسرة للنساء اللواتي يرغبن في المبادرة بمشاريع خاصة، ويقسم المبلغ بين 70% هبة و30% قرض، فضلاً عن مشاريع أخرى في مجالات متعددة، ومنها المشروع الأخير الممول من السفارة الأميركية "مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق الأوسطية"، حيث تبين لنا خلال توزيع الحصص الغذائية أثناء جائحة كورونا، أن العنف قد ازداد بشكل كبير، وهذا الأمر دفعنا للقيام ببحث موسع عنه، وقمنا بتقديم مقترح هذا المشروع الذي اهتمت به الجهة المانحة ومولته".
 
العنف المبني على النوع الاجتماعي 
وحول البحث الذي أجرته المؤسسة والذي يتعلق بالعنف المبني على النوع الاجتماعي والذي تم ملاحظته خلال الحصص الغذائية، أشارت إلى أن "البحث شمل مناطق الشوف وعاليه (جبل لبنان) وطرابلس (شمال لبنان)، وهي أكثر ثلاث مناطق ازدادت فيه العنف المبني على النوع الاجتماعي"، لافتةً إلى البحث كان عبارة عن مجموعات تركيز "Focus Groups"، "يتم التواصل مع نساء من فئات عمرية مختلفة مع وجود باحثة مستقلة وهي مستشارة المشروع الدكتورة ندى خداج صبح المتخصصة بهذا المجال، وأخصائيات اجتماعيات من مؤسسة الفرح، حيث يتم توجيه أسئلة لهؤلاء النساء، ومن خلال المعلومات وتحليلها سنقوم بنشر دراسة تتمحور حول أسباب زيادة العنف في هذه الفترة".
وأوضحت أنهم بعد نشر الدراسة سينتقلون إلى المرحلة الثانية وهي "عبارة عن حملة مناصرة تعتمد على نتائج الدراسة، بهدف التوعية بالعنف في مجتمعنا، وكيف يمكن لهن الحصول على المساعدة في حال احتجن إليها، وذلك بالتنسيق مع جمعيات مختصة بمكافحة العنف ضد المرأة".
وأضافت "العنف المبني على النوع الاجتماعي يمكن أن يشمل فئات متعددة، ولكننا ركزنا على النساء بشكل خاص، كونهن الأكثر تعرضاً للعنف، وشمل البحث أكثر من 100 امرأة في مجموعات التركيز بالإضافة إلى مسح عبر الإنترنت يصل إلى حوالي 300 امرأة، أي المجموع حوالي 400 امرأة، وفي توجهنا للنساء نحاول التعريف بالعنف وبأنواعه، فضلاً عن إرشادهن لكيفية التعامل مع العنف، وتوجيههن للجهات المختصة للتعامل معهن عبر طرح الأسئلة واستخلاص النتائج لأغراض البحث، مع مراعاة السرية المطلقة للمجموعات الثلاث، الشابات والنساء الكبار في السن والمعنفات، وسيتم نشر هذه الدراسة على موقع مؤسسة الفرح وصفحة السفارة الأمريكية في لبنان، أما الفيديوهات وحملات التوعية والنشرات التعليمية فستنشر على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة والجمعيات الداعمة لهذا المشروع".
 
أول دراسة من نوعها في لبنان
وعن معايير البحث أوضحت فريال المغربي أنه "قبل البدء بمجموعات التركيز تم التوقيع على وثيقة بأن المعلومات سرية تماماً ستستعمل لأغراض بحثية، وستكون دون ذكر أسماء Anonymous، مع الحرص على عدم التصوير داخل المجموعات، وعدم نشر أي معلومة تخص المشروع، وحتى عند ذكر شهادات وتجارب ضمن مجموعات التركيز فستكون الأسماء وهمية".
وعند سؤالها عن سبب زيادة العنف ضد النساء خلال جائحة كورونا، قالت "لا شك أن هناك زيادة، خصوصاً بسبب الأوضاع الاقتصادية ووضع الحظر وغيرها من الأزمات التي تعاني منها البلاد، وليس لدينا أي معلومات حالياً، وننتظر نتيجة الدراسة التي تعتبر الأولى من نوعها في لبنان بهذه المعايير المختارة أي العنف الجندري خلال جائحة كورونا".
وأشارت إلى أن "هناك أنواعاً متعددة من العنف، اللفظي والمعنوي والجسدي، وهدفنا التوعية وأن تتوصل النساء إلى تعريف العنف وأنواعه، وتعرفن إمكانية وكيفية الحصول على مساعدة، وتوجيههن لمعالجة الأسباب الكامنة وراء هذا العنف، بالإضافة إلى تعريف النساء على آليات التبليغ، إلا أنه لا يمكن أن أقول للنساء أن عليهم التبليغ عن العنف، دون تقديم الحلول التي من الممكن اللجوء إليها، لذا فهذه الدراسة عبارة عن إطار يمكن في المستقبل التعامل مع هذه الأنواع من العنف، فمثلاً في حالة السبب الاقتصادي للعنف، نحاول توزيع حصصاً غذائية للعائلات الأكثر تعثراً، علماً أننا في المرحلة الثانية من المشروع، وضمن الحملة الإعلامية الواسعة، سنستخدم هذه الحصص الغذائية بتوزيع نشرات توعوية على سطح هذه الحصص الغذائية بنتائج هذه الدراسة وتوجيهات حول العنف، وأين يمكن للنساء اللجوء والتبليغ مع إظهار أرقام طوارئ لجمعيات مختصة، والعديد من المعلومات الأساسية في حالة التعرض للعنف، فهناك العديد من نشراتنا التوعوية على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، إلا أن هناك الكثيرات ليس لديهن اتصال بالإنترنت، فيمكننا استخدام هذه الوسيلة التي يمكن أن تصل إلى هؤلاء النساء".
وقالت في ختام حديثها "سنتابع أكبر حملة إعلامية لتوصيل المعلومات، فمدة الدراسة وجمع المعلومات دامت ثلاثة أشهر، يتبعها ثلاثة أشهر للحملة الإعلامية عبر وسائل التواصل الاجتماعي والحصص الغذائية وغيرها، وننتظر نتائج الدراسة لإجراء مراحل أخرى من المشروع بالإضافة لتقديمه للجهات المانحة".
 
"كسر الجليد واكتساب الثقة"
وفي هذا المجال، قالت الأخصائية الاجتماعية أماني حمادة عن دورها في إعداد الدراسة "كان دورنا كأخصائيات اجتماعيات كسر الجليد مع النساء لبناء الثقة بما يمكنهن من التعبير عن أنفسهن، وتحقيق هدف هذه الدراسة بالبحث وإحصاء العنف الجندري خلال الجائحة، وعبر أسئلة يتم طرحها ضمن ثلاث مجموعات في ثلاث مناطق، حول تعريف العنف، وماذا يعني العنف الجندري، وعن التبليغ عند التعرض للعنف، ولمن يلجأن بهدف معرفة مقدار الوعي لدى النساء لمواجهة العنف الذي يتعرضن له".
وأشارت إلى أن "هذه المواضيع حساسة للغاية، وكان المحور الأساس في مجموعات التركيز هو تعرف النساء على بعضهن البعض، ورواية تجاربهن، وقد اضطررنا في إحدى المجموعات والمناطق أن نقوم بجلسات إضافية لنسمح للنساء بالتعبير عما تتعرضن له، وفي البداية قد تخجل بعضهن من الحديث، ولكن بعد فترة، ومن خلال تسلسل الأسئلة والإجابات عليهن، تتشجعن لرواية ما يحدث معهن، وخصوصاً عندما يستمعن إلى تجارب الأخريات".
وأوضحت أنه "لكل منطقة مختارة خصوصيتها وبيئتها، وهناك عدد كبير منهن نفين تعرضهن للعنف، كون المتعارف لدى البعض منهن أن العنف جسدي فحسب، ولم يكن يعرفن أن هناك عنفاً معنوياً ولفظياً، لذا كان دورنا توجيههن للمعلومات الصحيحة، دون التدخل بآرائهن ليتمكن ومن خلال الحديث، التعرف على حالات عدة، فضلاً عن أن رواية بعض النساء لتجاربهن، وإجابتهن على تسلسل الأسئلة المختارة من العام للخاص، شجع نساء أخريات على الحديث".
 
 
العنف اللفظي
ولفتت إلى أن "هذه الحالة الأخيرة، دليل واضح على الثقة التي اكتسبناها من المشاركات، كما وأنه من خلال روايات المشاركات، فإن هذا العنف ينعكس على الأسرة والأطفال، فالشخص المعنّف، يتجه لتعنيف الآخر، وينعكس على من حوله وعلى علاقته بالآخرين، ما عدا نسبة قليلة تداركت هذا الوضع، وهو أمر لاحظناه في المناطق الثلاث، بغض النظر عن الجائحة، وهو ما ستكشفه الدراسة الإحصائية للعنف الجندري في المجتمع والمنزل وأماكن العمل والدراسة وغيرها من الأماكن، والموجه ضد المرأة من المجتمع، وليس شرطاً أن يكون من الزوج، لا بل أن ما لاحظناه أن العنف قد يكون من الأب والأخوة الذكور وفقاً للتربية المبنية على المجتمع الأبوي التفضيلي للذكور داخل العائلة على الإناث، فضلاً عن أن العنف اللفظي أصبح غالباً على العنف الجسدي في معظم الأحيان، وهو يؤذي أكثر بتأثيره على الحالة النفسية للمرأة، وهذه النتائج وغيرها، ستحاول هذه الدراسة تقييمها وبحثها للعمل على الخطوات اللاحقة".