كوباني... كيف لفتت مقاومة المدينة الأنظار نحو المرأة
لفتت حرب كوباني التي تحولت من مقاومة كردية إلى مقاومة شعبية وصلت أصدائها لجميع أنحاء العالم، الأنظار إلى دور المرأة المقاتلة في ثورة روج آفا بشمال وشرق سوريا، وقُدرتها على محاربة أخطر تنظيم إرهابي في العالم متمثل بداعش
نورشان عبدي
كوباني ـ ، كما شاركت النساء بقوة في الحرب الشعبية.
هاجمت مرتزقة داعش مقاطعة كوباني في شمال وشرق سوريا أواسط أيلول/سبتمبر 2014 بعدما حاصرت المدينة من الجهات الثلاثة أما الجهة الشمالية فكانت محاصرة من قبل قوات الاحتلال التركي الذي قدم الدعم لداعش بحسب ما كشفت عنه العديد من التقارير الدولية.
استطاع مرتزقة داعش خلال أيام قليلة السيطرة على نحو 300 قرية من كوباني في أكبر هجومٍ بري شنه داعش مستقدماً بحسب إحصائيات غير رسمية بين 4 و6 آلاف مرتزق. وتمكنوا من اعتلاء تلة مشتى النور المطلة على كوباني في الخامس من تشرين الأول/أكتوبر، وهو نفس اليوم الذي شهد عمليتين فدائيتين نفذتهما القياديتان في وحدات حماية المرأة YPJ آرين ميركان وريفانا لإيقاف زحف المرتزقة.
ومنذ اليوم الأول من تشرين الأول/نوفمبر عام 2014 تضامن العالم مع كوباني، إذ خرج الآلاف من عشرات المدن في أغلب دول العالم بمسيرات دعماً لمساندة مقاومة كوباني، كما شهدت المدينة موجة نزوح كبيرة فما يقارب الـ 400 ألف مدني نزحوا من كوباني إلى شمال كردستان، أما العائلات القليلة المتبقية فشاركت في الدفاع عن كوباني.
وبعد 134 يوماً من المقاومة استطاعت وحدات حماية الشعب ـ المرأة، تحرير مدينة كوباني من مرتزقة داعش، ليصبح 26 كانون الثاني/يناير 2015 بوابةً لإسقاط مخطط سيطرة داعش على العالم، فانتصار كوباني شكل بداية النهاية لتنظيم داعش الذي لطالما شكل خطراً على العالم أجمع.
"كوباني رمزاً للمقاومة"
أميرة محمد وهي اليوم الرئيسة المشتركة لجمعية تيريج لذوي الاحتياجات الخاصة في مقاطعة كوباني، شاركت مع الأهالي والمقاتلين/ت في المقاومة منذ هجوم جبهة النصرة على كوباني في عام 2013، حتى حرب كوباني ضد مرتزقة داعش. ووصفت كوباني بـ "القلب في الجسد"، مبينةً أن سقوط المدينة كان ليكون بوابةً لسقوط جميع مدن ومناطق شمال وشرق سوريا.
خلال الحرب عملت ممرضة في المستشفيات "عند هجوم داعش لم يبقى لدينا مكان سوى البوابات فنقلنا المستشفيات إلى البوابة الحدودية معبر مرشد بينار. وبدأت العمل بالمشفى للاهتمام بالجرحى وهم ليسوا فقط مقاتلين بل مدنيين خرجوا للدفاع عن مدينتهم، ودافعوا بأسلحة قليلة وغير متطورة بالمقارنة مع ما امتلكه داعش الذي سيطر على مخازن الأسلحة في العراق وسوريا وقُدم له الدعم من قبل الاحتلال التركي". مضيفةً "في بعض الأيام يصل عدد الجرحى لثلاثين جريحاً. لم يقولوا يوماً بأنهم استسلموا رغم إصابات بعضهم الخطيرة. أرادوا الشفاء بسرعة للعودة إلى المعركة".
وتستذكر أميرة محمد الدعم الذي قدمه الاحتلال التركي لمرتزقة داعش "في ذلك الوقت سهلت تركيا طريق العبور وتركت الحدود مفتوحة للمرتزقة لكن مخططات أردوغان الذي كان ينتظر سقوط كوباني فشلت". مضيفةً "كان لأهالي شمال كردستان موقف إنساني عظيم فبقائهم على الشريط الحدودي لعدة أيام وشجاعتهم ليجعلوا من أنفسهم دروعاً بشرية دور كبير في الانتصار. لقد زرعوا في قلوب المقاتلين إصرار وقوة أكثر من أجل النضال".
عن انتصار كوباني تقول "إلى هذا اليوم لا أستطيع وصف السعادة التي غمرت الجميع عند سماع خبر تحرير كوباني بشكل كامل"، وتضيف "بعد التحرير ذهبنا مع عدد من الجرحى إلى تلة مشتى النور لنحقق حلم الشهداء، في رؤية التلة محررة، فقد طلبوا منا أن نذهب إلى أماكن المقاومة ونردد بأعلى صوت 'لقد حررنا كوباني وانتصرنا'".
في الذكرى السادسة لتحريرها... كوباني شهدت حرباً شعبية
استمر الحصار 4 أشهر استخدم خلالها المرتزقة كافة الأسلحة الثقيلة من مدافع ودبابات وحتى أسلحة كيمياوية في قصف المدينة لكن المدينة شهدت نوعاً جديداً على المنطقة وهو الحرب الشعبية حيث وقف الجميع صغاراً وكباراً نساءً ورجالاً صفاً واحداً للدفاع عن كوباني.
بالمقابل أجبرت المئات من الأسر على الرحيل خوفاً على الأطفال وانتهاكات داعش بحق المرأة، ولم يخلو النزوح من المصاعب، كما تقول عائشة مسلم (42) عاماً من قرية خرخوري الواقعة غربي المقاطعة، والتي تستذكر الهجمات التي سبقت دخول داعش إلى كوباني بالقول "لم نتخيل أن يستطيع مرتزقة داعش السيطرة على كوباني ولكن عندما بدأت تقترب منا الحرب بعد سيطرة المرتزقة على منبج وتل أبيض، أصبحت أصوات المدافع والقذائف أقرب، ومع ذلك لم تكن فكرة النزوح قد راودتنا، وبقينا على هذا الحال لنحو شهر تقريباً".
وتضيف "اقتراب داعش أرعب الأهالي خاصةً عندما وصل المرتزقة إلى قرية قرقو، فتجمع الأهالي في القرى من أجل العبور إلى شمال كردستان عبر الشريط الحدودي. رغم مرور سنوات إلا أنني لم أستطع نسيان تلك اللحظات عندما تجمعت الآلاف من النساء والأطفال والمسنين حائرين إلى أين سيذهبون. صوت بكاء الأطفال والنساء مازال عالقاً بذاكرتي. لم نتخيل يوماً بأننا سننزح بذلك الشكل المأسوي".
وتكمل "أذكر أننا خرجنا من منازلنا في الساعة 12 ليلاً كان الظلام والبرد والخوف يسيطر علينا، وخاصة النساء والأطفال، وسرنا على الأقدام لساعات متواصلة حتى وصلنا للشريط الحدودي. كنا نعيش على أمل تراجع داعش عن القرية لذلك قررنا البقاء على الشريط الحدودي لبعض الأيام، وبقيت أنا وأطفالي الثمانية لمدة يومين هناك وفي ذلك الوقت كان زوجي في المدينة يحارب مع القوات ضد داعش، وفي أثناء بقائنا على الحدود وصل داعش لعدد من القرى الحدودية وبدأ يستهدف المدنيين بالقذائف والأسلحة الثقيلة مما أجبرنا على عبور الحدود نحو شمال كردستان".
بقيت عائشة مسلم وعائلتها في منزل بقرية كسرا على الشريط الحدودي بشمال كردستان "لم تكن مدة طويلة ولكن بالنسبة لي كانت مئات السنين وأنا بعيدة عن منزلي ومدينتي التي ولدت وعشت فيها. عندما يحل الظلام كنا على الحدود نراقب كوباني التي يتم تدميرها والقذائف التي تخرج من تلة مشتى النور". وتضيف "بعد شهرين عندما كانت المعارك ما تزال مستمرة لكن بعض الأحياء قد تحررت عدت أنا وأبنائي إلى كوباني، وبدأت بالمساعدة في إعداد الطعام وغسل ملابس المقاتلين/ت حتى تحررت قريتنا خرخوري وعدنا إلى منزلنا".
وفي نهاية حدثيها قالت عائشة مسلم "تركيا دعمت داعش لتحاربنا واليوم خلعت قناعها وتريد الانتقام لمرتزقتها بشن هجماتها وانتهاكاتها على مناطقنا باستهدافها للمدنيين، لكننا لن نسمح لهم بتهجيرنا مرة أخرى سنبقى صامدين في منازلنا ولن نستسلم لتركيا ومرتزقتها. ليس للأطفال ذنب ليفقدوا أعضاء من أجسادهم لكن أملنا وثقتنا كبيرة بقواتنا قوات سوريا الديمقراطية بأنها ستحمي أطفالنا من الممارسات التركية كما حرروا كوباني من داعش، أما الدول الضامنة في المنطقة فنحن نعلم بأنهم شركاء مع تركيا وأن لم يكونوا كذلك لأوقفوها عن ارتكاب المجازر. لا ننتظر من أحد بأن يحميانا ابناء هذه الأرض سيدافعون عنها حتى رمقهم الأخير".
كوباني... كيف أصبحت المدينة متحفاً مفتوحاً
خلفت المعارك الطاحنة التي دارت في كوباني دماراً هائلاً تجاوز الـ 50%، وبعد تحرير المدينة قررت الإدارة الذاتية في كوباني تخصيص قسماً من المساحة المدمرة لتصبح متحفاً يخلد المقاومة وليبقى شاهداً على وحشية داعش.
الإدارية في دار المرأة لناحية كوباني بإقليم الفرات في شمال وشرق سوريا سميرة أحمد من بين النساء اللواتي شاركن في مقاومة كوباني تصف الحرب بـ "العظيمة"، وتقول إن المقاتلين/ت والأهالي الذين شاركوا بالمعارك قدموا ملحمة تاريخية.
وأضافت "بفضل التضحيات عرفت كوباني المدينة الكردية الصغيرة في جميع أنحاء العالم ليس فقط كاسم ولكن عرفت بالنضال ومقاومة المرأة ومقاتلات وحدات حماية المرأة اللواتي أثبتن بأن المرأة قادرة على الانتصار في جميع المحافل، نحن نفتخر بهن، وبقينا لنساندهن هن وبقية المقاتلين؛ ولنمنحهم معنويات لكي يستمروا بالنضال ضد مرتزقة داعش".
تعرضت الأحياء القريبة من الحدود التركية لكوباني لأضرار بالغة نتيجة القتال العنيف في معظم أنحاء المدينة، لذلك قررت الإدارة الذاتية تحويلها إلى متحف للمقاومة، ويقع المتحف الذي تبلغ مساحته 13 هكتاراً في حي الشهيد سرحد في الجهة الشمالية الحدودية للمدينة، حيث توجد فيه أقدم منازل في كوباني، ومازال إلى يومنا يحتوي على نقوش الشهداء والمباني المنهارة وساحات القتال والآلات وقذائف الهاون.
وبينت سميرة أحمد أن "هذه الأماكن شاهدة على المقاومة التاريخية فحينما نمر بها نستذكر الشهداء والمناضلين ومن تلك الأماكن ساحة الحرية التي شهدت المظاهرات والفعاليات في بداية ثورة روج آفا، وخلال الحرب على كوباني"، وتحوي الساحة العديد من الأماكن الهامة كـ منزل الشهداء والذي بناه المقاتل رفعت هوراز ويضم بقايا الحرب والممتلكات الشخصية للشهداء وصورهم.
وإضافة إلى تلك الأماكن يوجد حي الشهيد سرحد الذي أصبح متحف الحرب، ومازالت مخلفات تلك المقاومة متواجدة في كل تفصيل من تفاصيل ذلك المتحف، ومازالت بصمات الشهداء محفوظة على جدران الحي، "كذلك مبنى المركز الثقافي كان شاهداً على مقاومة كوباني عندما أثبت المقاتلين/ت بأنهم قادرين على تحرير مدينتهم من رجس مرتزقة داعش".
لعل تلة مشتى النور التي تقع جنوب شرق مدينة كوباني وتعتبر تلة استراتيجية بسبب ارتفاعها وأشرافها على كامل المدينة تعد رمزاً لمقاومة المدينة وحرية المرأة بعد أن نفذت فيها الشهيدة آرين ميركان عملية فدائية ضد المرتزقة "تلة مشتى النور أصبحت مصدر قوة وإرادة لكل امرأة ومقاتلة شاركت في تلك المقاومة"، وكان تحريرها في 19 كانون الثاني/يناير 2015 إيذاناً بتحرير كوباني وبذلك أصبحت التلة مكاناً يسمى بتلة أرين ميركان تلة المقاومة والنضال.
وأضافت سميرة أحمد "يوجد أيضاً مكان لشعر المقاتلات، والشارع الذي يقع فيه يسمى بشارع شعر المقاتلات"، وتوضح "أمام مدرسة الشهيد نودا سرحد في مركز المدينة فقدت عدد من المقاتلات حياتهن، ولم يستطيع رفاقهن نقل جثامينهن لدفنها، لذلك بقيت هناك حتى تحرير المنطقة من المرتزقة. عندما أتيحت الفرصة للمقاتلين بنقل جثامين المقاتلات إلى مقبرة الشهداء لم يكن متبقي منهن سوى الشعر فقط، وفي نفس المكان تم تغطيته بالأسلاك والزجاج".
سميرة أحمد أم لثلاثة شهداء إحداهم ابنتها التي استشهدت في عام 2013 في قرية زورمغار في الجهة الغربية للمدينة خلال المعارك ضد جبهة النصرة ولم تستطع رؤية جثمانها "هذا المكان يؤثر في كثيراً لأن الشابات اللواتي لم يبقى من أجسادهم سوى الشعر فقدن حياتهم في سبيل الدفاع عن هذه الأرض. عندما أتجول في طرقات وشوارع كوباني وفي كل مكان شهد على حرب في كوباني أرى بأن روح ابنتي في تلك الأماكن، وبشكل خاص عندما أمر بمكان شعر المقاتلات".
بعد تحرير مدينة كوباني من مرتزقة داعش بقيادة وحدات حماية الشعب ـ المرأة، تم إعلان تشكيل قوات سوريا الديمقراطية في 15 تشرين الأول/أكتوبر 2015 وضمت جميع مكونات المنطقة من كرد، عرب، سريان وتركمان، وبدأت حملة تحرير المناطق التي تقع تحت سيطرة مرتزقة داعش.