جمعية "هنا" للتنمية تعمل على تمكين المرأة وتأسيس جيل المستقبل
من أسرتها استوحت مديرة جمعية "هنا" للتنمية نوال محمود اسم جمعيتها لتكون بمثابة العائلة لكل شخص ينضم إليها
كارولين بزي
بيروت ـ . "هنا" جمعية لبنانية لا تبغي الربح تأسست في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، تسعى لأن تكون رسالة دعم للنساء المهمشات وتمكينهن وتوعيتهن على مختلف أمور الحياة وتدريبهن ومساعدتهن على إيجاد مصدر رزق لهن. وتستهدف الجمعية النساء اللبنانيات، الفلسطينيات والسوريات، إلى جانب الأطفال وحتى الفئات الشابة.
"لا شيء يقف عائقاً أمام المرأة ما دامت تملك العقل والإصرار"
وتوضح مديرة جمعية "هنا" للتنمية نوال محمود لوكالتنا أبرز نشاطات الجمعية، وتقول "أولاً على صعيد التعليم، لدينا دروس محو الأمية وتعليم الكبار، ونقدم للنساء الدعم النفسي والإرشاد الصحي والتوعوي وننظم دورات تمكين للنساء خاصة بالخياطة أو بالتطريز والكروشيه لكي يكون لهن دور قيادي وريادي في المجتمع، ونتيجة الوضع الاقتصادي السيء في لبنان والحاجة إلى التنمية المستدامة والأمن الغذائي، قمنا بتعليم النساء على كيفية إعداد المونة المنزلية".
وتتابع "أطلقنا حملة المناصرة للمرأة والمساواة بين الجنسين، ونظمنا عدة دورات ضمت نساء وشباناً وفتيات هدفها خلق المساواة بين النساء والفتيات من جهة وبين الرجال في إطار العمل.. إذ نظمنا دورات خاصة بالديكور الداخلي والطلاء وقد التحق عدد كبير من النساء والفتيات بهذه الدورة بينما لم يستكمل الرجال هذه الدورة".
وعن المشروع الذي جاء ضمن إطار البيئة النظيفة أو الخضراء في لبنان، تقول "قمنا بتعليم النساء وتدريبهن على الطاقة الخضراء التي تعتمد على الطاقة الشمسية، إذ مشكلة الكهرباء في لبنان هي مشكلة مزمنة منذ ما قبل الأزمات التي تعيشها البلاد، وبالتالي قمنا بتدريب عدد من النساء على العمل في مجال الطاقة في أماكن متخصصة، وهن الآن يعملن في هذا المجال ويقمن بإصلاحات تقنية كهربائية في البيوت".
وتضيف "في البداية واجهنا صعوبة في إقناع النساء بأنهن يستطعن أن يعملن في مجال الطاقة لأن هناك اعتقاد أن هذه المهن حكرٌ على الرجل، بينما كانت رسالتنا للمرأة بأنه طالما لديك العقل والقدرة والاستيعاب والثقة بالنفس والإصرار على التعلم يمكنك ممارسة هذه المهنة، بما أنها لا تحتاج لقوة بدنية وعضلية". وتلفت إلى أن غالبية اللواتي انضممن إلى هذه الدورة كانوا من النساء لا الرجال. لا تنكر نوال محمود أنه في البداية شعرت النساء بأن الأمر غريب عليهن ولكنهن لاحقاً أصبحن متمكنات في تصليح الكهرباء، الأمر الذي أكسبهن الثقة بأنفسهن، وتتابع "لا يوجد شيء يقف حاجزاً أمامنا طالما أن لدينا القدرة العقلية". وتشير إلى أن النساء تفوقن في هذه الدورة على الرجال الذين استكملوا التدريب.
"نعتمد مبدأ التنمية المستدامة مع الأطفال"
تعمل جمعية "هنا" على رعاية الأسرة أي الأم والطفل، فهي تساهم بتمكين المرأة وتعليمها من جهة ومن جهة أخرى يأتي دور الطفل، وتقول "نحن لا ننسى أن الأم كانت فتاة قبل أن تصبح أماً، نحن نعمل على توعية الفتاة منذ الصغر لكي تكون أماً تستطيع أن تقوم برعاية أطفالها. نسعى من خلال أحد البرامج الذي يطال الأطفال، أن نحافظ بل ونركز على أدمغة الأطفال قبل التركيز على أجسادهم، فدماغ الطفل صفحة بيضاء وفارغة من المعلومات وبالتالي نحاول أن نقوم بغرس المعلومات التي تستطيع قدرة دماغ الطفل اكتسابها واستيعابها. ونعمل في جمعية هنا على تعليم الأطفال بطريقة صحيحة نحضرهم فيها للمستقبل، إذ لا أنتظر النتيجة في اليوم التالي بل أنتظر واقعاً مختلفاً على أيدي هؤلاء الأطفال بعد عشرين عاماً، مستقبل أكثر ازدهاراً، فهذا الطفل المتعلم اليوم سيصبح طبيباً متفوقاً بعد عشرين عاماً، نحن نعتمد مبدأ التنمية المستدامة".
أسست جمعية "هنا" مجموعة من النساء والشابات اللواتي درسن في سن متأخرة، تقول نوال محمود "تزوجت في السادسة عشر من عمري وأكملت دراستي مع أولادي، حاولنا أنا وزميلاتي أن نجد مساحةً آمنة لنا وشكلّت "هنا" هذه المساحة لنا ولكل الذين انضموا إليها"، واختارت نوال محمود اسم "هنا" لتكون بمثابة أسرة للجميع.
وتلفت إلى مدى شعور الأطفال بالراحة والأمان في الجمعية نظراً لجو الألفة والطمأنينة الذي تعكسه، إذ أن الأطفال الذين يدرسون في الجمعية لا يترددون بالتعبير لنوال عن حبهم لها نظراً للجهود التي تبذلها معهم.
"لم تثنينا كورونا عن متابعة مبادراتنا"
وتتابع "إلى جانب تمكين المرأة، نقدم الدعم المعنوي والنفسي للنساء، مثلاً في ظل الغلاء الفاحش أقبل عيد الأضحى ولم يكن بإمكان العديد من العائلات أن تشتري معمول العيد، فقمنا بمبادرة اشترينا التمر والطحين وكل ما يلزم لتحضير المعمول، قامت أربعون امرأة بتحضير المعمول وعندما انتهين أخذت كل واحدة منهن علبة لعائلتها وقمنا بتوزيع هدايا منها للنساء اللواتي يعانين من حالات عجز... هذه كانت من ضمن المبادرات التي نقدمها للنساء".
ومن بين المبادرات والنشاطات التي تقوم بها الجمعية، تعليم النساء على كيفية تحضير المونة، فهي تقوم بتسويق المونة لبيعها لصالح النساء.
الدورات التي تقدمها الجمعية مجانية حتى تلك التي لا تجد لها ممولاً، وفيما يتعلق بالمشاريع الكبيرة مثل الطاقة الخضراء أو مشروع أنامل الذي تزامنت انطلاقته مع وباء كورونا ومشروع الدمى، فهذه المشاريع وفق مديرة الجمعية "تحتاج للتمويل وكان هناك تمويل من منظمة اليونيسف، ومنظمة تشيزفي وجمعية أنيرا".
وتتابع "مع انتشار وباء كورونا توقفت اليونيسف عن العمل على الأرض واقتصر عملها على العالم الافتراضي ولكننا لا نستطيع أن نعلم النساء كيفية تحضير المونة افتراضياً، وبالتالي في هذه الفترة لم نتوقف عن تعليم النساء ولو بأعداد بسيطة لمنع الازدحام، فسعينا في جمعية هنا إلى تعليم النساء على تحضير المونة أو التطريز".
"أنا شبابي.. مبادرة تطوعية من أجل الخير"
وتضيف "خلال فترة كورونا، بحثنا عن الحاجة الملحة في هذه المرحلة، ووقع الخيار على الأقنعة، فقمنا بإطلاق مشروع أنامل الذي انبثق من أنامل النساء اللواتي يعملن في صناعة الكمامات، فكنت أقوم بتصميم الكمامات وتقوم عدة نساء بحياكتها وأخيراً يقوم فريق من النساء بتطريز تلك القطع، حتى أننا قمنا ببيعها للفنادق، وتلقينا طلبات من خارج لبنان". وتلفت إلى أنه يتم خصم التكلفة من عائدات بيع هذه الكمامات والباقي يتم توزيعه على النساء اللواتي شاركن في خياطتها.
وتتطرق إلى أحد المشاريع المتفرعة عن الجمعية، وتقول "لدينا فريق متطوعين يحمل اسم "أنا شبابي" يضم ستين شاباً وفتاة لديهم مبادرات تطوعية ومن ضمنها مبادرة "نحن حدك" التي أطلقوها خلال شهر رمضان، إذ كانوا يقومون بتوزيع الأطعمة والحلويات على الناس، كما قام الفريق بتوزيع مبالغ بسيطة على سائقي الأجرة ولاسيما أولئك الذين يتمتعون بحس إنساني. كما نظموا حملة توعية لمرض الحصبة، وحملة جمعوا فيها الملابس وانطلق منها سوق زمن الخير الذي يعرض ملابس مستعملة وجديدة ولكن بأثمان زهيدة".
"أحافظ على التراث من خلال التطريز"
ومن جانبها تحدثت صبحية كرّيم إحدى المدربات في الجمعية والتي تقوم بتعليم النساء على التطريز، عن بداياتها في التطريز ولاسيما عن أهمية التراث الفلسطيني في هذا المجال الذي تسعى للحفاظ عليه، مشيرةً إلى أن مهنة التطريز كانت في البداية تشكّل لها مدخولاً لمساعدة عائلتها، "أقوم في جمعية هنا بتدريب النساء على التطريز وحياكة الكروشيه وننظم معارض ونشاطات بشكل دائم".
تشير إلى أن الفئات المستهدفة هن النساء والفتيات اللواتي تدربن وحتى أصبحن ينتجن لأنفسهن، هناك عدد من النساء اللواتي أصبح التطريز مهنتهن بعدما تدربن في جمعية "هنا".
من ناحيتها، تشير جهينة عدوان إحدى المتدربات في الجمعية إلى أنها تعرفت على جمعية "هنا" في عام 2018، خلال دورة تدوير الخشب والتعليم على الطلاء. منوهةً إلى أنها اعتبرت أن هذا العمل هو بمثابة فن، وأن الفن يستهويها.
"التمويل عائق أمام تمكين النساء"
وتقول "أنهيت الدورة وقمت بطلاء منزلي، أصلحت الكراسي الخشبية المتضررة، كما أنني أعمل في إعداد المونة"، لكن تواجه جهينة عدوان مشكلة انعدام التمويل على غرار العديد من النساء اللواتي يفتقدن المواد الأولية. وتشير إلى أنها التحقت بدورة إعادة التدوير، إذ أن الأدوات التي لم تعد صالحة لدى كثيرين أو يعتبرها البعض أنها لم تعد صالحة تقوم بإعادة تدويرها.
ولا يقتصر عمل جمعية "هنا" على تمكين النساء والفتيات بل أيضاً ذوي الاحتياجات الخاصة من نساء وأطفال وحتى الرجال أيضاً، لمساعدتهم على متابعة حياتهم بشكل طبيعي.