حادثة أليمة كانت كفيلة لقلب حياتها رأساً على عقب
حادثة مر عليها أكثر من 6 سنوات لكن وصفية الحاجي وحتى اليوم تعيش تفاصيلها في كل ثانية، فما تعرضت له قلب حياتها رأساً على عقب
روبارين بكر
الشهباء ـ .
سيطر داعش على عدة مناطق من شمال وشرق سوريا خلال الفترة الممتدة ما بين (2014 ـ 2019)، وكان من تلك المناطق الشهباء التي شهدت على إجرام المرتزقة، وانتهاكاتها بحق النساء.
وصفية الحاجي (35) عاماً من أهالي قرية الوحشية في مقاطعة الشهباء بشمال وشرق سوريا، إحدى هؤلاء النساء اللواتي سلبتهن الحرب الأمان، والاستقرار والإنسانية وجزءً من أجسادهن، وسرقت جزءً آخر من حياتهن وتركتهن ثكالى.
أم لطفلتين قبل أن تفقد إحداهما، تقول عن تلك الفترة عندما كان مرتزقة داعش يسيطرون على قريتها في عام 2015، "عندما اشتدت المعارك، والهجمات بين المجموعات المرتزقة وداعش الذي داهم منزلنا في ساعات الليل المتأخرة وأخرجونا منها رغماً عنا اضطررنا للنزوح إلى قرى سد الشهباء".
لكنهم عادوا كونهم لم يحملوا معهم أي شيء وحتى النقود كانوا قد تركوها "بعد ثلاثة أيام من نزوحنا اضطررنا للعودة لمنزلنا لأخذ نقودنا، التي تركناها من شدة الخوف والتوتر".
وتضيف "تحملنا دراجتنا النارية أنا وزوجي وابنتي الاثنتان، عدنا إلى المنزل". لم تدري وصفية الحاجي ما كان ينتظرها وأن مصيرها سيحدد بهذه الخطوة "بوصولنا لأمام المنزل انفجر بنا لغم كان قد زرعه مرتزقة داعش خلال الأيام الثلاث الماضية".
تقول إنها لا تذكر ما حدث بعد ذلك لأنها فقدت الوعي "أسعفونا إلى إحدى مشافي المجموعات المرتزقة في مدينة الباب وبقيت لعدة ساعات في العناية المشددة، وبعد استيقاظي من الغيبوبة وجدت أنني فقدت ابنتي، وساقي وساق زوجي. تغيرت حياتنا".
وتضيف "تسبب اللغم بفقداني لابنتي نور وهي في سن الأربع سنوات، وكل من زوجي وأنا فقد ساقه، وتعرضت ابنتي الأخرى لتشوهات طفيفة في جسدها. اجبرنا على الهروب نحو تركيا لمعالجة أنفسنا، بعد سلب المرتزقة لمنزلنا وأرضنا، وهناك أجرينا عملية تركيب قدم صناعية".
مرت على هذه الحادثة أكثر من 6 سنوات، لكن ذكراها الحزينة لم تمحى، فمأساة وصفية الحاجي لم تنتهي هنا فحسب إنما تسبب انفجار اللغم في تغيرات جذرية في حياتها "لم يتحمل زوجي إعاقتي وعدم قدرتي على الحركة كما كنت في السابق، فتزوج بامرأة أخرى بحجة مساندتي في أعمال المنزل والحياة، إلا أنه وبعد فترة من عيشها معنا توجه للعيش في منزلٍ آخر ومنذ ذاك الوقت وزوجي لا يتحمل مسؤوليتي ورعاية ابنتنا".
شاهدة على انتهاكات داعش
خلال الفترة القصيرة التي اضطرت وصفية الحاجي البقاء فيها بمقاطعة الشهباء عندما كانت تحت سيطرة داعش شهدت على الكثير من الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت بحق المدنيين والنساء على وجه الخصوص "ما يحرمونه على غيرهم يحللونه لأنفسهم، فبالتكبير على النساء ثلاث مرات تصبحن حلالٍ لهم ويفرضون هذا على كل امرأة تعجبهم حتى إن كانت متزوجة ولديها أولاد".
ومن أكثر المشاهد المأساوية التي هزت المنطقة بكاملها ولا زالت في ذاكرتها هي لامرأة تزوجها أحد عناصر مرتزقة داعش واغتصبها 21 مرتزقاً آخر معه، مؤكدةً أن عمليات ذبح النساء لديهم كان أسهل وأهون من ذبح الماشية "يعرضون الجثث والأشلاء أمام المارة ليكونوا عبرةً لغيرهم على حد قولهم".
وتذكر أيضاً حادثة أم قتل ابنها أمام عينيها "كانت هناك امرأة تنادي لابنها لكنه لم يستجب لها، فركضت نحوه ولتخوفه فحسب قالت له "والله لأذبحك"، فسمعها أحد عناصر داعش وفرض عليها ذبح الولد بكونها حلفت باسم الله ويفترض منها تنفيذ الحلفان، فذبحوا الولد أمام عينيها، ومن لحظتها فقدت الأم صوابها وباتت مختلة عقلياً".
تتمنى وصفية الحاجي لو أنها فقدت روحها ولم تفقد فلذة كبدها، وما تزال تتحسر على طفلتها التي لم تعش طفولتها، وتحتفظ اليوم في منزلها بكل تفاصيل ابنتها نور من ملابس وصور انقذتها بعد تحرير المنطقة من بين الأحجار والركام لتبقى رائحة طفلتها معها.
وعن أسباب عودتهم من تركيا بعد تحرير مقاطعة الشهباء قالت "بتحرير القوات الثورية المشتركة مقاطعة الشهباء عدنا إلى أرضنا بعد عام من النزوح في تركيا، وكان التغير واضح وكبير في المنطقة بين فترة سيطرة داعش وبعد تحريرها لما تشهدها المنطقة من أمان واستقرار".
وطالبت وصفية الحاجي في ختام حديثها من المنظمات الدولية والحقوقية محاسبة من تسببوا بإصابتهم وفقدانهم لأطفالهم، وأكدت أن الإعاقة وفقدانها لإحدى ساقيها لم تشكل عائقاً أمامها لاستمرار الحياة لنفسها ومن أجل ابنتها وباتت أكثر قوة للاعتماد على نفسها وأنها في كل يوم تتردد لمركز كومين حيها وتزور مركز اتحاد المرأة الحرة للشهباء وتسعى لمساندتهم بقدر استطاعتها.