في إدلب... العنف ضد المرأة ظاهرة متفاقمة وتحديات مستمرة

يعد زواج القاصرات والإكراه عليه إحدى أشكال العنف الاجتماعي ضد النساء في إدلب، وقد تنامت هذه الظاهرة بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، حيث تلجأ العديد من الأسر إلى تزويج بناتهم في سن مبكرة مما يحرمهن من حقهن في التعليم ويعرضهن لضغوط جسدية ونفسية تفوق أعمارهن

هديل العمر

إدلب ـ تشكل قضايا العنف ضد المرأة بأشكالها المختلفة ملف شائك يعكس حجم التحديات التي تواجهها النساء في إدلب، حيث تتعرض من خلالها للضرب المبرح والإهانة والتهديد، والاستغلال وغالباً ما يكون هذا العنف نتيجة للعادات الاجتماعية والأزمات الاقتصادية ما يؤثر بشكل مباشر على الأسر والمجتمعات.

يسبب العنف الأسري وغياب القوانين والتشريعات المتعلقة بمناهضة العنف ضد المرأة، إلى جانب تأثير العنف الاقتصادي على استقلالية المرأة في إدلب، بالإضافة للأعراف والتقاليد والتحرش في بيئات العمل والعنف الإلكتروني وغياب دور منظمات المجتمع المدني والتعليم والتوعية والإعلام، تهديداً مباشراً على حياة النساء الجسدية والنفسية ويقيد حرياتهن ويتعمق في حرمانهن من أبسط حقوقهن في الأمان والتشاركية.

أمينة حداد ذات الـ 23 عاماً زُوّجت في سن الرابعة عشرة وتطلقت قبل أن تبلغ السادسة عشرة من عمرها، قالت والحزن يسود ملامحها "لم أكن أفهم معنى الزواج عندما أجبرت على الزواج من رجل يكبرني بعشرين عاماً بسبب الفقر، لقد أصبحت أتحمل مسؤوليات تفوق طاقتي، كما تعرضت للإهانة بشكل دائم من قبل زوجي، كان ينتقدني بشكل دائم ويضربني بلا مبرر".

وتابعت "كنت أظن بأن العنف الجسدي جزء من الحياة الزوجية، بدأت الضربات على مستوى بسيط لتزداد حدةً مع مرور الوقت، كنت بحاجة للمساعدة، إلا أن حملي وخوفي من كلام الناس وحدوث الطلاق منعاني من الإفصاح عما أعانيه، لكن عندما أدركت أن الانتهاكات بحقي لن تتوقف بدأت أفكر بالانتحار، لذلك كان عليّ أن أجد ملاذاً آمناً من نفسي ومن زوجي".

هربت أمينة حداد إلى بيت أهلها حين عجزت عن تحمل المزيد من العنف، وطلبت الطلاق وخسرت طفلها بعد أن أرسله أهلها إلى أبيه فور ولادته، فهي تشعر بثقل الحياة وظلمها حين خسرت طفولتها وحلمها بأن تكون متعلمة، وأصبحت مجرد مطلقة بلا اعتبار أو قيمة اجتماعية بحسب قولها.

ويعتبر العنف الاقتصادي والتهميش الذي يمارس ضد المرأة، أحد أشكال العنف المستشري في إدلب وذلك من خلال حرمانهن من العمل أو الاعتماد على ذواتهن، بالإضافة إلى تحكم أزواجهن في الأمور المالية في كثير من الحالات، وتُترك النساء خصوصاً الأرامل والمطلقات دون أي مصدر دخل، مما يجعلهن يعتمدن على المساعدات الإنسانية أو تتعرضن للاستغلال.

رغدة الحوير البالغة من العمر 40 عاماً أرملة تعيش مع أطفالها الثلاثة، تروي كيف تُحرم المرأة حتى من أبسط حقوقها الاقتصادية والاجتماعية "بعد وفاة زوجي في الحرب، بدأتُ البحث عن عمل لإعالة أطفالي، لكن المجتمع لم يتقبل ذلك بسهولة، كنت أتعرض للنقد والاستغلال في كل مكان أذهب إليه، وعندما طالبت بحقي وأطفالي في أرض والدهم رفض أقاربه إعطائي ذلك، وقالوا إني مجرد امرأة لا حق لها في الميراث، بينما اتخبط بالفقر المدقع مع أطفالي".

ولا يغيب العنف الجنسي والاستغلال عن واقع المرأة في إدلب، إذ لا يزال هذا الشكل من العنف مستشري مسكوت عنه في الوقت الحاضر في أماكن العمل أو أي مكان أخر، حيث قالت سعاد الخياط البالغة من العمر 33 عاماً أم لأربعة أطفال تعيش في واحدة من مخيمات إدلب، إنها اختارت الطلاق من زوجها محاولة كسر دائرة العنف الممارس عليها لتجد في بيت أهلها عنف آخر حين لم يُسمح لها بالعمل أو تخطي جدران المنزل كما أنها لم تكن تملك أي استقلالية، خاصة بعد تعرضها مرات عديدة للاستغلال والتحرش في بيئات العمل.

وأشارت سعاد الخياط إلى اضطرارها لطلب مساعدات إنسانية لتعيش حياة كريمة بعد طلاقها لكنها تعرضت للتحرش من قبل القائمين على توزيع هذه المساعدات، وكان عليها الاختيار بين الاستمرار في طلب المساعدة أو الانصياع لطلبات المسؤولين الإغاثيين وغرائزهم الجنسية.

وطالبت بحملات توعية لتسليط الضوء على أشكال العنف ضد المرأة الذي لا يزال يشكل حاجزاً يؤثر على حقوقها في سبيل تحقيق المساواة والتنمية والسلام، ودعم أكبر من المجتمع الدولي والمحلي وتفعيل ممارسات صارمة ضد المعنفين، خاصة أن النساء لا تتلقين الدعم المناسب سواء من خلال تقديم الدعم المادي والمعنوي أو حتى العمل على تغيير المفاهيم المجتمعية.