مخاوف من التهجير القسري ترويها تغريد عطا لله

مع تسارع وتيرة أحداث الأوضاع الميدانية في شمال قطاع غزة، ازدادت مخاوف الفلسطينيات من التهجير القسري والإبادة الجماعية التي ترتكب في مناطق الشمال، وسط غياب أي تنديدات أو مواقف دولية حازمة تأمر بإنهاء إراقة الدماء.

رفيف إسليم

غزة ـ تعيش الفلسطينيات حالة رعب وخوف مستمرين، في ظل الحرب المستمرة منذ أكثر من عام، والتهجير القسري وعمليات القتل التي تشهدنها، وحالة الفقر المدقع التي بات يعاني منها سكان القطاع.

نشرت السلطات الإسرائيلية مؤخراً ما يسمى "خطة الجنرالات" التي تقضي بإفراغ كامل منطقة شمال القطاع من سكانه تمهيداً لعملية استيطان على تلك الأراضي، وبمقتضى تلك الخطة قدم العديد من المستوطنين اليهود طلبات للعيش في تلك المستعمرات التي سيقام المنزل الواحد منها على مساحة 1كم.

تقول الفلسطينية تغريد عطا الله البالغة من العمر 48 عاماً، أن الوضع في شمال قطاع غزة، صعب ولا أحد يحتمل العيش داخله، فلا طعام ولا ماء ولا كهرباء، "الهدف من ذلك كان معروفاً ألا وهو تفريغ الأرض بشكل طوعي من السكان، لكن عندما لم تنجح تلك الخطة بدأوا بالتفكير بأساليب أخرى أكثر دموية لكي يجبروا الفلسطينيات على ترك أرضهن".

ولفتت إلى أن الوضع الاقتصادي لعائلتها منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر في تدهور مستمر، حيث أن زوجها الذي يعمل بالمياومة وأبنائها قد فقدوا أعمالهم، لذا فكروا بمشاريع أخرى يشارك فيها جميع أفراد العائلة، لافتةً إلى أنه في صغرها ساعدت أباها بعمله في الزراعة والتجارة والبناء وغيرها من الأعمال الشاقة، لذلك تربي بناتها على ذات النحو.

وأوضحت أنها عملت بالزراعة لكنها اصطدمت بنقص المياه، فأصبحت تعمل بإعداد بعض الأطعمة، ومن ثم أنشأت مدرسة وعملت بها هي وبناتها كون جميعهن خريجات من كليات مختلفة كالتربية والطب والإدارة، منوهةً إلى أنها كانت تمتهن صناعة الحرف اليدوية قبيل الحرب، وتحديداً التطريز لكنها توقفت عن العمل اليوم نتيجة غلاء المواد الخام وضعف الإقبال وعملية الشراء.

وكغيرها من نساء شمال قطاع غزة تذهب كل يوم للسوق لجلب ما ستعده من طعام لكنها تعود خاوية اليدين، فإما لا تجد شيء كي يطبخ أو أن الأسعار تفوق عشرة أضعاف سعرها الأساسي، مشيرةً إلى أن مأزق "ماذا سنأكل اليوم"، هو الهاجس الذي يكاد لا ينتهي فتضطر في بعض الأحيان التنازل وشراء بعض الحاجيات التي قد لا تكفي عدد أفراد أسرتها.

ومن المعوقات الأخرى التي تواجههن هي المشكلات العائلية التي باتت تتفاقم كل يوم، فالأمر لا يقتصر على بيتها، كونها تسمع أصوات المشاجرات تخرج من غالبية البيوت لأن المنازل في قطاع غزة ملاصقة لبعضها البعض "الفراغ هو ما يفعل تلك المشاجرات ففي السابق كل فرد كان لديه عمل يذهب إليه ويلتقون في المساء لتبادل الأخبار أما اليوم الوضع مختلف".

نمط الحياة القاسي ما بين جمع الحطب وإيجاد الماء وأصوات الانفجارات والخوف المستمر الذي تخلقه العمليات العسكرية هو ما يجعل الجميع بحاجة إلى جلسات تفريغ نفسي للتخلص مما خلفته الهجمات من آثار نفسية مدمرة، حيث باتت تؤثر على جميع نواحي الحياة المختلفة "غياب أصناف الطعام والجوع القارص له دور أساسي في التأثير على الحالة النفسية".

وقالت تغريد عطا الله، أنها ما بعد الهجوم أصبحت وعائلتها تعاني من أمراض جسدية لم تكن تعرفها ربما بسبب نقص الطعام، وإشعال الحطب الذي أوجد لديها أزمة بالتنفس، لدرجة أنها عندما تشعل تلك النار وحدها لا تستطيع النوم طوال الليل وقد ينقطع نفسها مما يجعلها بحاجة لتدخل علاجي، لكن الدواء يعتبر رفاهية في قطاع غزة المحاصر.

خاضت تغريد عطا الله تجربة النزوح مرة واحدة، ومن فرط صعوبتها أصبحت لا تتمنى أن يعاد ذات الموقف فالخروج من المنزل تحت نيران الصواريخ وشظاياها وقذائف الدبابة وطلقات الطائرات المسيرة ومن بين البيوت المحروقة لا يمكن وصفه، خاصة عندما تفقد أحد الأفراد خلال الطريق، وهذا ما حدث معها فقد ضاعت ابنتها وكانت ستعود للموت بقدميها لكنها وجدتها في آخر لحظة قادمة من بعيد تركض.

وأوضحت أنها قضت خارج البيت 20 يوماً "وأنتِ خارج المنزل تحتاجين لشراء بيت بكل ما تعنيه الكلمة فلا ملابس ولا أدوات منزلية ولا فراش ولا أغطية، ولا شيء يمكنك الاعتماد عليه، لذلك مخاوفي تكبر كلما فتح الحديث حول التهجير القسري"، مشيرةً إلى أنها لن تخرج من بيتها "إلى ماذا ستتسع تلك الحقيبة وأين سأسكن وعائلتي أنخرج من بيتنا ليأكلنا برد الشتاء القارص".

وتساعد تغريد عطا الله النازحات من الشمال وتقدم لهم العون في مصابهم الجلل، فتتفقد ما يزيد عن حاجتها من لباس وفراش وطعام تقدمه لهن على الرغم من مصادره الزهيدة أبرزها المساعدات الإنسانية، كما أنها تعقد في منزلها حلقات تعليمية وتدعوهم برفقة أطفالهم كي لا يمضوا الوقت وحدهن، وهي تفكر في عمل مشروع نسوي يدر عليهن الدخل وسط حالة الفقر المدقع التي بات يعاني منها سكان القطاع.

واختتمت حديثها على أنه يجب على كل امرأة مساندة الأخرى خاصةً في حاجيات الأطفال كالملابس والفوط ومعدات المنزل، موجهة حديثها للنساء اللواتي تعلمن مبادئ الإسعافات الأولية لتقديم المساعدة دون الطلب منهن ذلك إلى أن تنتهي تلك الأزمة، وأنه يجب على النساء أن يكن يد العون التي تمد للأخريات، لمساعدتهم في الثبات على أرضهن والتشبث بها.