دراسة جديدة لـ "تدوين" تكشف عن واقع العنف في أماكن العمل

يعتبر العنف أحد أكبر الانتهاكات المتجذرة في الواقع المحلي والتي أولتها عدد من المؤسسات النسوية والبحثية اهتماماً كبيراً في الآونة الأخيرة من بينها مركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي في القاهرة.

أسماء فتحي

القاهرة ـ أكدت المديرة التنفيذية لمركز "تدوين" لدراسات النوع الاجتماعي أمل فهمي، أن الدراسة التي أجراها المركز سلطت الضوء على واقع المجتمع المصري والموضوعات فيها خاصة بالعنف في أماكن العمل لما لها من ضرورة كونها باتت أولوية في الفترة الأخيرة.

أصدر مركز "تدوين" لدراسات النوع الاجتماعي دراسة جديدة مكونة من عدة فصول حملت عنوان "العنف بين الشباب في المناطق الفقيرة بالقاهرة الكبرى" وكان أحد فصولها تسليط الضوء على "العنف في أماكن العمل"، وتعد تلك الدراسة هامة لأنها جديدة من نوعها كونها ناتجة عن لقاءات مع نحو 4641 أسرة منهم 2296 في القاهرة، و1388 في الجيزة و957 في القليوبية.

وشملت الدراسة أشخاصاً تراوحت أعمارهم ما بين 18ـ 35 عاماً من بينهم نحو 1988رجلاً، و2048 امرأة، ونحو 1158 شخصاً متزوجاً من نفس الأسرة أي نحو 579 زوج وزوجة، ونحو 37.9% من المشاركين أكملوا تعليمهم الثانوي، و17.1% أكملوا تعليمهم الجامعي، و11.2% لم يسبق لهم الذهاب للمدرسة.

ويعد العنف في أماكن العمل واحدة من الملفات التي لم تشهد دراسات حقيقية ولم يتم استبيان واقعه في المجتمع المحلي مما يجعل للدراسة التي أجريت على الأسر المعيشية أهمية كبيرة كونها مختلفة من نوعها، كما أنها أجريت في مناطق تصنف بالفقيرة وهو ما يلقي بظلاله على نتائج اختلفت إلى حد كبير بالتوقعات، وحول هذا الموضوع كان لوكالتنا حوار مع المديرة التنفيذية لمركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي أمل فهمي.

 

قمتم بإطلاق دراسة عما يحدث من عنف في أماكن العمل فهلا حدثتينا عن بعض تفاصيلها؟

الدراسة التي أجريت جزء من دراسة أكبر خاصة بالعنف الواقع على الشباب/ات في المناطق الفقيرة بالقاهرة الكبرى، وشملت أكثر من أربعة آلاف أسرة معيشية وهي عبارة عن عدة فصول تم بالفعل إصدار الجزء المتعلق بختان الإناث، وكذلك العنف في أماكن العمل، ولدينا نتائج متعلقة بالعنف الزوجي، والعنف في المدارس، والصحة النفسية والذهنية وغيرها الكثير من الأمور.

وتم إصدار فصل تلو الآخر، الأول منه كان عن ختان الإناث وواقع وجوده بين الأسر وما يدور من أفكار حوله وبالطبع التوصيات والنتائج، والثاني سلط الضوء على العنف في أماكن العمل والذي يعد هاماً للغاية لكونه في مجال لم يجري فيه الكم اللازم من العمل البحثي كما أنه أجري على عينة هامة وأسر في مستوى محدد بمناطق تم اختيارها بعناية.

إن الدراسة تعبر عن واقع المجتمع المصري ويمكن استخدام أرقامها في العمل بشكل عام على المواضيع الخاصة بها، كما أن نتائجها ليست بعيدة عن مسح الأسر والسكان، والموضوعات فيها خاصة فيما يتعلق بالعنف في العمل لما لها من ضرورة بالغة كونها باتت أولوية في الفترة الأخيرة، كما أنها أجريت مع الذكور والإناث لكون بحث الأسرة قاصر على النساء فقط وهذا يعد اختلاف مفيد للموضوع.

ومع ازدياد معدلات العنف في الفترة الأخيرة يمكن القول إنها أتت في الوقت المناسب، لكونها تعبر عن واقع القاهرة الكبرى في المناطق المصنفة بأنها الأكثر فقراً مما يجعلها أداة قوية للتعرف أكثر على ما يحدث على أرض الواقع.

 

إتاحة البيانات والسماح بإجراء الأبحاث الميدانية أمر صعب للغاية، ما تأثير ذلك على مركز تدوين؟

واحدة من الأزمات تلك المرتبطة بإتاحة البيانات والعمل الميداني فهناك الكثير من المحددات والمشاكل حوله، فلكي نعمل على الأرض ونصبح مؤثرين يجب أن تكون هناك معلومات فيما يعرف بالمشروعات المستنيرة أو العمل المبني على الأدلة، وهو ما لا يحدث فلا توجد أية إمكانية للمسموحات أو الأبحاث الكبيرة.

وقانون الجمعيات الأهلية يمنعها من العمل على جمع المعلومات وهناك عقوبات حال مخالفة ذلك، كما أن المراكز البحثية تجد صعوبة في الحصول على الموافقات من الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فقد بقينا نحو 9 أشهر ننتظر حتى نحصل على الموافقة وهو ما دفعنا لعمل استمارة كبيرة حتى نتمكن من تحقيق تلك النتائج.

وإجمالاً يمكن القول إن المجال البحثي يحتاج لدعم وتشجيع فكلما كانت هناك دراسة للواقع وعمل مبني على الأدلة كان هناك تأثير حقيقي في المجتمع.

واستعنا ببيانات المسح السكاني الصحي لأن بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء حول الفقر في القاهرة الكبرى لم تكن متاحة في ذلك الوقت، لذلك قمنا بحصر 25 منطقة سكنية في القاهرة الكبرى ووزعناهم وفق مؤشر الثروة ووضعنا نقطة فاصلة ليتم على أساسها احتساب الفقر بالتعاون مع مجموعة من الباحثين والمتخصصين، وحددنا العينة في 22 منطقة في القاهرة الكبرى واستبعدنا المناطق التي قمنا فيها بالعمل التجريبي قبل التنفيذ الفعلي.

 

وقفتم على عدد من النتائج في دراسة "العنف بأماكن العمل"... فما هي أبرزها؟

كان لمنظمة العمل الدولية دراسة عالمية حول العنف والتحرش في أماكن العمل وكانت بالنسبة لنا مرجع مقارن ووجدنا أن الأرقام ليست بعيدة عن النتائج العالمية فهناك نحو 10% من الشباب/ات يتعرضون لأحد أشكال العنف في أماكن العمل.

ونحو 38% من الشباب الذين تعرضوا للعنف الجسدي في أماكن العمل عانوا من أضرار جسدية ونفسية بعد الاعتداء عليهم، ونحو 23.8% منهم تلقوا رعاية طبية، ونحو 71.3% منهم اتخذوا ردود فعل تجاه ما تعرضوا له من عنف.

كما أن نحو 50.7% من الشباب/ات في المناطق الفقيرة تعرضوا لشكل واحد على الأقل من أشكال العنف النفسي في مكان العمل، ونحو48.2% منهم اتخذوا رد فعل تجاه ما حدث معهم، وفقط نحو 0.8 منهم تعرضوا للعنف الجنسي.

وفيما يتعلق بالعنف الجنسي فالنسب غير حقيقية سواء في المسموحات أو الدراسة الآلية وكون المشاع النساء هن الأكثر تعرضاً له لا يعنى أن الرجال ليسوا اقل فعلياً ولكن هناك وصم للذكور حال حديثهم عن هذا الانتهاك.

 

الدراسة كونها أجريت مع أسر معيشية لها دلالات واقعية قوية، ما أبرز توصياتكم للتعامل مع ما يتعرض له الشباب/ات من عنف في أماكن عملهم؟

هناك عدد من التوصيات جاء في مقدمتها ضرورة الإسراع بالتوقيع على الاتفاقيات الدولية المناهضة للعنف في بيئة العمل وعلى رأسها "القضاء على العنف والتحرش في عالم العمل، 190c"، وضرورة إجراء تعديلات تشريعية عاجلة على قانون العمل المصري واللوائح التنفيذية الخاصة به، وإطلاق حوار مجتمعي تشارك فيه الهيئات القضائية والتشريعية والتنفيذية إلى جانب منظمات المجتمع المدني لمناقشة التعديلات القانونية على قوانين العمل الحالية.

إضافة إلى إطلاق حملات توعوية عبر وسائل الإعلام المختلفة لرفع مستوى الوعي حول تأثير العنف في مكان العمل على المستوى الفردي والتنظيمي والمجتمعي، وتشجيع الضحايا/الناجين على مشاركة تجاربهم.

وإلزام مؤسسات العمل بالقطاعين العام والخاص على إطلاق مدونة سلوك تحدد حقوق العاملين في بيئات العمل وواجباتهم وتحديد آليات الإبلاغ والجزاءات المتوقعة، مع تخصيص أماكن داخل مؤسسات العمل لتلقي البلاغات ومنح القائمين عليها سلطة التحقيق في تلك الوقائع وإصدار الجزاءات والعقوبات.

بالإضافة لضرورة إجراء مسوح وطنية ممثلة على المستوى القومي حول العنف في أماكن العمل تكملها دراسات كيفية تضمن تمثيلاً ديموغرافياً واسعاً حيث أظهرت الدراسات أن مجموعات مثل الشباب/ات والمهاجرين والأشخاص ذوي الاعاقة هم الأكثر عرضة للخطر.