أقوى نقاط قوتنا أن نتصالح مع أنفسنا
الشعور بأننا لسنا جيدين بما يكفي دوامة لا تنتهي، فيجب أن نكون على قدر كبير من الرضا عن ذواتنا وأن نثق بأنفسنا ونتصالح مع الذات لنحقق ما نسعى إليه فالتصالح هو الرضا عن كونك أنت، بعيداً عن التكلف والتصنع فهو قناعتك وتقبلك لذاتك بسلبياتها وإيجابياتها، بضعفها وقوتها.
أماني المانع
دمشق ـ
يؤثر الاختلاف الذي تراه الطالبة الجامعية رنيم عليَ (22) عاماً بينها وبين زميلاتها من حيث القوام والشكل والبشرة، وطريقة اختيار الملابس، على تصالحها مع ذاتها، وتقول "أعلم بأن البعض منهنَّ خضعنَّ لعمليات تجميل، كما أن القوام الرشيق يساعد أخريات على ارتداء ما يحلو لهنَّ من الملابس التي لا أستطيع ارتداءها بسبب وزني الزائد".
وترتفع معنويات رنيم عليَ إذا ما أثنى أحد على شكلها لكنها تقول إنه مؤقت "الجميع يراني جميلة بوزني الحالي، وبطريقة لباسي التقليدية، وهو ما يجعلني أقتنع بكلامهم لفترة مؤقتة ثم أراه مجرد مواساة، اتساءل دائماً هل الخطأ مني أم من المجتمع في حين أصبح القوام الرشيق وعمليات التجميل مقياس للجمال؟ ومع معايير الجمال الحديثة اتساءل هل بإمكاني أن أتقبل شكلي أم لا؟"
تقول المهندسة (ب. س) (٣١) عاماً، أنها لا تثق بنفسها فرغم ما يقوله الجميع عن جمالها إلا أنها ترى نفسها أقل من غيرها، وتضيف بأن زوجها هو من تسبب لها بهذا الشعور، فمنذ زواجهما قبل أربع سنوات وهو يقارنها بالنساء الأخريات، السمراء والشقراء والبيضاء، بالنجمات والجميلات من المشاهير، فتقوم بتغيير لون شعرها، وزيادة أو إنقاص وزنها، ووضع العدسات اللاصقة لفترات طويلة جداً حتى وإن لم تكن مقتنعة بكل ذلك، وتقول بأن الخوف أصبح ملازماً لها، وفقدت ثقتها بنفسها وبجمالها، وتحولت لإنسانة مرتبكة.
تقول الأخصائية الاجتماعية التربوية خلود العلي "نحن بحاجة لإيقاف عدم تصالحنا مع ذاتنا بشكل تام وسريع، لأنه يزداد مع الأيام ويتحول لهاجس يسيطر على صاحبه ويقوده لمشاكل نفسية واجتماعية وعدوانية، الإنسان الغير متصالح مع ذاته هو الأكثر فوضى وتعرضاً للمشاكل، فاقد للاستقرار ضمن المحيط والمجتمع".
وتبين أن على الفتيات والنساء أن يتقبلنَّ ذواتهنَّ، وإن الاعتراف بهواجسهنَّ نقطة قوة تحسب لهنَّ "على المرأة أن تعمل على تعزيز نقاط القوة لديها وهي النقاط الجوهرية كمواصلة تعليمها والتفوق في دراستها، وأن تمنح جمالها وقدراتها ما يستحقان من الثقة، وأن تثبت لنفسها وللآخرين وللمجتمع أن التميز لا يرتبط بالملامح المتناهية الدقة، والجمال أو القوام الممشوق لكنه بالعلم والعمل والمشاركات المميزة والظهور المجتمعي الناجح والمفيد"، وتضيف "ما نراه عيباً فينا يجب ألا يصرفنا ويشغلنا عن أهدافنا وأحلامنا، واعتزازنا بأنفسنا دائماً ما يجذب إعجاب واعتزاز الآخرين بنا".
لكل منا نقاط قوة ونقاط ضعف، والحديث لخلود العلي فلعل أقوى نقاط قوتنا أن نتصالح مع أنفسنا ونتقبل ذاتنا بما فيها من قوة وضعف، "علينا أن ننظر لعيوبنا كجزء طبيعي من شخصيتنا يمكننا إصلاحه أو التعايش معه إن لم يكن قابلاً للإصلاح، وأن نرسم الطريق لأنفسنا للسيطرة على الأفكار والمشاعر بين الدوافع والسلوك، وبين الرغبات والقيود في كافة جوانب التصالح مع الذات سواء التصالح مع المظهر والشكل الخارجي أو التصالح مع البيئة الاجتماعية التي نعيش فيها".
وعن الأسباب التي تؤدي إلى عدم تصالح الشخص مع ذاته تقول خلود العلي "ضعف الإرادة وعدم الثقة بالنفس تؤديان للانطوائية والخوف من إثبات الذات، كذلك الحزن والعدوانية والمشاكل والمشاعر السلبية كالتشاؤم حيث يتوقع الشخص المتشائم كل ما هو سيء، ويعيش ضمن توقعاته كذلك من لا يتقبل الآخرين بعيوبهم"، وتضيف "إن أهم أسباب عدم التصالح مع الذات هو التعميم حيث نضع الناس جميعاً في قالب واحد، فنلغي خصائص وميزات الشخصيات المختلفة كما أننا قد ننكر السمات الإيجابية ونعمم السلبية".
وترى أن على المرأة ألا تدع المقارنة بينها وبين الأخريات تؤثر على ثقتها بنفسها "هذه الثقة طاقة كبيرة تغذي كل ما هو جميل فينا فنبدو للآخرين أجمل، والعكس صحيح فالخوف الملازم لنا كهذه الحالة سيقتل القوي والجميل داخلنا لأننا سننشغل عنه وبالتالي ننشغل عن أنفسنا وعما يمكن أن نبدو به أجمل في جوانب الحياة العملية والاجتماعية والنفسية، لأن الثقة بالنفس من أهم عوامل الإنجاز الذاتي".
ولا يقف التصالح مع الذات على الملامح والشكل بل إنه يشمل شخصية الإنسان "علينا التصالح وتقبل أخطاء الماضي بكل ما فيها من تجارب مؤلمة لتحقيق السلام الداخلي وبالتالي تحسين الحياة التي نعيشها وتقبل ذاتنا وزيادة ثقتنا بأنفسنا". مشيرة إلى أن العراقيل التي تحول دون تحقيق التصالح مع الماضي كثيرة "عدم تحرير النفس من القصص والمواقف والذكريات المؤلمة يثقل النفس والروح ويمنعانها من التقدم. من الصعب أن ننسى من تسبب لنا بألم في حياتنا لكن من المفترض أن نقطع جميع الروابط السلبية التي تربطنا مع هذا الماضي المؤلم لنستطيع مواصلة مسيرة حياتنا معتبرين أن هذه المواقف ما كانت إلا دروساً تزيدنا قوة ومعرفة في فهم الآخرين، متفادين بذلك الشعور بالغضب والألم اللذان يمتصان طاقاتنا الإيجابية وصفاء الذهن والروح".
واختتمت الاخصائية الاجتماعية التربوية خلود العلي حديثها بالتأكيد على أن "الحياة مليئة بالأشياء الجميلة تبدأ من أنفسنا ومن داخلنا وأننا نستطيع استبدال المشاعر السلبية بمشاعر الفرح والرضا والطمأنينة، علينا أن نتعامل مع أنفسنا والآخرين من منطلق أنه لا يوجد شخص خال من العيوب، وأن نبحث ونكتشف المزايا الجميلة في ذاتنا والآخرين، فقلوبنا تحمل الكثير من الحب ولكن فلنبدأ بحب أنفسنا ثم نوسع دائرة حبنا قدر إمكاننا".