القبالة مهنة النساء في الرعاية الصحية
القبالة مهنة تابعة للرعاية الصحية، والقابلات خاصة في مناطق شمال وشرق سوريا غالباً لا يكن قد درسنَّ هذا الاختصاص، بل إن أغلبهنَّ لا يجدنَّ القراءة والكتابة إلا أنهن وعلى مدى تاريخ هذا العمل الذي يمتد لعصور ما قبل الميلاد يساعدنَّ على إنقاذ الآلاف من النساء والأطفال
فيدان عبد الله
الشهباء - .
رغم تطور الطب وأعمال الرعاية الصحية إلا أن عمل القابلات ما يزال نشطاً في مناطق شمال وشرق سوريا، فعلى أيديهنَّ يولد عشرات الأطفال يومياً.
القبالة مهنة النساء في عصور ما قبل الميلاد
مهنة القبالة ليست بجديدة فقد عُرفت في مصر القديمة، وذلك ما أظهرته أوراق بردي تعود لأعوام (1900-1550) ق.م، حيث عثر على غرف للولادة الملكية والكراسي الخاصة بها، وفي روما واليونان عملت بهذه المهنة فئة كبيرة من النّساء، وكان للقابلات خصوصيتهنَّ في الشّرق أكثر منها غرباً، فعوملنَّ معاملة خاصة.
وتم فصل الطّب عن القبالة في القّرن الثَّامن عشر، بعد تطور العلوم الطّبية والتّكنولوجية، إلا أن مهنة القابلات بقيت حاضرة حتى يومنا هذا وتعمل بها العديد من النّساء تحت مسميات عدة كالدايات والولادات وغيرها.
وتستخدم القابلات أدوات بسيطة كالماء السّاخن، والإبرة، والخيط والمقص، وعلى الرغم من تراجع هذه المهنة، إلا أنها لا تزال تحتفظ بأصالتها وخصوصيتها ولا تزال العديد من النساء يمارسنها ويورثنها لبناتهنَّ.
الولادة القيصرية تُضر بالنساء
تقول القابلة القانونية مجدولين زينو (37) عاماً، وهي من مهجري عفرين أن التقنيات لم تكن موجودة سابقاً "لم يكن هنالك أدوية وإمكانيات تقنية طبية متطورة، مما صَعب على المرأة آلام الولادة، وفي كثير من الأحيان كانت تفقد حياتها".
وعن تطور عمل القابلات تقول "بدأنا بافتتاح عيادات منفردة في القرى، ومع تقدم العلم والطّب بدأ استغلال النّساء لقاء مبالغ باهظة لإجراء العمليات القيصرية، وبهذا تحول الأمر إلى نوع من التجارة".
وأشارت مجدولين زينو لتعرض النساء للتعنيف النفسي أثناء الولادة "يجب إحاطتهنَّ ببيئة نفسية سليمة، مع ضرورة الاهتمام بتغذيتهنَّ". مضيفةً "الدّايات في السّابق كنَّ أكثر قدرة على إدخال السّكينة إلى نفوس النّساء".
وتتعرض النساء اثناء الولادة للإساءة من قبل العاملين في الرعاية الصحية من عنف نفسي أو جسدي أو إهمال أو عدم احترام، وقالت منظمة الصحة العالمية عن هذه الممارسات أنها مشكلة عالمية تتعرض لها معظم النساء، وهي أحد أشكال العنف ضد المرأة.
وتعتبر مجدولين زينو أن الولادة الطَّبيعيَّة أفضل من القيصرية "صحيح أن المرأة تعاني من الآلام أثناء الولادة الطبيعية، إلا أنها تتحسن بعد ساعات قليلة، فهرمونات جسدها وخلايا الرّحم يعودان إلى طبيعتهما، عكس الولادة القيصرية التي تتسبب بآلام قد تستمر لأشهر، وتحتاج لسنوات لتعويض الضّرر الذي تسببه".
وكانت منظمة الصحة العالمية قد أوصت بالحد من التدخلات الطبية وقالت إنه في السنوات العشرين الأخيرة زاد مقدمو الرعاية الصحية من التدخلات التي كانت تستخدم للضرورة مثل العمليات القيصرية وتقديم الأوكسيتوسين لتسريع الولادة.
وتقول إن غالبية النّساء يعانين من فقر الدّم وآلام المفاصل والظّهر، جراء عمليات الولادة القيصرية، "يجب على الأطباء أن يكونوا مؤتمنين وأهلاً للثقة، ويتحلوا بالصّبر". وتنصح المقبلات على الولادة باختيار الطبيعية منها إذا لم يستلزم الأمر اللجوء للعمليات.
تؤثر العمليات القيصرية وخاصة المتكررة منها على صحة الأم، ويكون احتمال الولادة الطبيعية بعد العملية القيصرية ضعيف، كما أن مقدمي الرعاية الصحية يؤكدون على أن 5 عمليات قيصرية تشكل خطراً على حياة الأم.
بدون أجهزة حديثة قدرنّ عمر الجنين في رحم أمه
أما حنيفة علي ناصر (72) عاماً، تقول إن الكثير من الحوامل من كل حدب وصوب كنَّ يقصدنها للاطمئنان على صحتهنَّ ووضع أجنتهنَّ "عبر سماع نبض الجنين، ولمس بطن الأم، أستطيع معرفة الشّهر الذي هي فيه، وعلى يدي ولد المئات من الأطفال منذ ولوجي في هذه المهنة منذ ثلاثين عاماً". كذلك تستخدم النساء طرقاً خاصة لمعرفة عمر الجنين وكذلك تغيير استدارته.
وتشير إلى إنها تعالج العديد من الأمراض كـ "اليرقان" وتجبر الكسور إضافة لعملها في مهنة التوليد، "لم أقبل بأخذ أي مبلغ أو مقابل لقاء عملي، فهدفي إنساني بحت". فقديماً لم تكن النساء يأخذنَّ أجراً عن عملهنَّ بالقبالة، وكان يقدم كخدمة إنسانية.
أول مرة ساعدت امرأة على الولادة كانت في محافظة السويداء جنوبي سوريا حيث عاشت هناك عدة سنوات "لم يكن هنالك أطباء بالقرب من منزلنا، وجاءني رجل طالباً مساعدة زوجته التي تلد، ووجهتني المرأة لكيفية التّصرف، وبعدها تعلمت ذلك ومارسته".
وغالباً ما تورث مهنة القبالة من الأم لابنتها، وترى حنيفة علي ناصر أن المرأة في السَّابق "هي طبيبة نفسها، ومن امرأة لامرأة أخرى انتقلت المعرفة والخبرة"، وتطلب من كافة الحوامل التّوجه للولادة الطّبيعيّة إن أمكن.
وتؤكد حنيفة علي النّاصر على أنها توقفت عن مزاولة هذا العمل، ولكنها ظلت تلبي نداء الحاجة إن لزم الأمر، "قبل عام طُرق بابي في ساعات متأخرة من الليل، وأخبرني جاري أن زوجته جاءها المخاض، ففحصتها ولم يحن موعد ولادتها بعد، وكنت أنا من ولدها في الساعة الـ 12 ليلاً".
وتراجع إقبال النساء على التوليد في المنزل، وبدأن يثقنَّ أكثر بالقابلات القانونيات أي اللواتي يملكنَّ شهادة، ولكن في القرى والمناطق النائية ما تزال النساء يثقن بالقابلات اللواتي يمتلكنَّ خبرة.