أنا أيضاً لدي قصة: أنا نهلة الإيزيدية
نهلة باللغة العربية تعني الحب الأول لكل شيء... لقد عاودت نهلة التواصل مع الحياة في شنكال. وإذا ما تمكنت من العودة بالزمن إلى الوراء، فإنها ترغب أن يكون كل شيء نقياً وبريئاً بطبيعته
كما كان في طفولتها. يظهر ثقل وصعوبة الأشياء التي عاشتها في عينيها، وكأنها تريد أن تزيح ذلك العبء الثقيل في أسرع وقت ممكن.
دريا دنيز
شنكال - لن تنسى كل أمة وكل مجتمع وكل قطعة أرض وكل روح وجسد وكل امرأة تعرضت للمذابح في الفرمانات ما عاشوه أبداً. فالآلام التي تعاش على هذه الأراضي تمتد من قمم الجبال إلى السهول، وتصل إلى السهول والصحاري والمناطق النائية. لقد انضم صدام أيضاً إلى وحشية العثمانيين، وبعده البارزاني ومن ثم جرب مجتمع بمعتقداته وثقافته كل أنواع الضغوطات والإكراه وتعرض للإبادة الجماعية.
ومن مجموع تجاربهم تحولت هذه الأراضي إلى ألف قصة مأساوية. فإذا ما تم السؤال عما يجري في شنكال فإن الجواب هو "خُلق عالم من القصص هنا". فكل خطوة تخطى هي قصة. يخبرونك في كل مكان بما تركوه وراءهم وما أخذوه معهم. وكل قصة تُروى تتطلب بالتأكيد الشجاعة والقبول.
الحب الأول لكل شيء...
ألتقينا بامرأة على السهول الممتدة في سفوح جبال شنكال الثائرة. نهلة باللغة العربية تعني الحب الأول لكل شيء. امرأة شابة وجميلة. لقد تركت القصة التي روتها بكلماتها أثراً أليماً على عينيها. ومع ذلك، فإن الكحل الذي سال تحت بؤبؤ عينيها أضاف جمالاً أخر إلى عينيها. إنها تتوقف كل حين وتنظر إلينا بنظراتها الخجولة والثاقبة. وعندما تبدأ بالشعور بالخجل، تنادي ابنها زردشت، إنها تستمد القوة والشجاعة من ابنها. عندما بدأت اللعب مع زردشت قمنا بإجراء محادثات أخرى. تحدثنا عن انتحار النساء في المخيمات الواقعة في المناطق الخاضعة لسيطرة عائلة البارزاني. حالات الانتحار التي تحدث منذ فترة على جدول أعمال جميع الشنكاليين، فالجميع يطرح نفس السؤال. ماذا يحدث في تلك المخيمات؟ لماذا تقتل الكثير من الشابات أنفسهن؟ أصبحت هذه الأسئلة والتعليقات جادة في حديثنا. في تلك اللحظة قاطعت نهلة الحديث وتدخلت بسرعة وقالت "لقد أتيت من تلك المخيمات قبل شهرين. يمكنني أن أخبركم عن الحياة هناك وبالطبع عن قصتي".
دعتنا إلى بيتها، إلى خيمتها في السهول. في اليوم التالي أخذنا كاميرتنا وذهبنا. استقبلتنا نهلة مع زردشت عند الباب وكانت تعد الشاي على الموقد. كانت خيمتها متناسقة، في الواقع الخيام متجانسة من جميع النواحي. بدأت محادثتنا مع نهلة عندما كنا نشرب الشاي في هواء السهل اللطيف. أصبحنا أصدقاء في وقت قصير جداً. هي تتحدث ونحن نصغي. نحن نقول وهي تستمع. وبعد أن وضعنا مسافة بيننا وبين نهلة من أجل التصوير بدأت تروي قصتها.
"أنا نهلة، من خانصور، خانصور القديمة. لقد كان شعوراً مختلفاً أنني شعرت لأول مرة بمعنى طفولتي. ما زلت أشعر عندما أفكر في طفولتي بشعور مختلف وهذا يجعلني سعيدة. لقد بدأت الدراسة في سن السادسة، كان والدي يأخذني إلى المدرسة، عندما ذهبت إلى المدرسة لأول مرة كنت خائفة، باستثناء البيئة المحيطة بالأسرة، كانت هذه المرة الأولى التي أغادر فيها المنزل لذلك كل شيء كان غريباً بالنسبة لي، لذا كنت خائفة. ثم تعودت وتعلمت بمرور الوقت وأحببت المدرسة. ذهبت إلى المدرسة في خانصور لمدة عام. لم أكن في شنكال عندما حدث الفرمان. كنت أذهب في كل عام لأساعد خالي الذي كان يعمل في الزراعة. لقد سمعنا في أحد الأيام أن هناك هجمات على شنكال. ما عشناه كان سيئاً للغاية، وكنا بعيدين جداً ولم نكن على علم بما يحدث في شنكال. سمعنا عن القتلى والجرحى في شنكال وعن أولئك الذين تم اختطافهم وكنت أشعر بأنني أعيش كل ما يحدث هناك. كنت أذهب إلى اللاجئين الذين فروا إلى جنوب كردستان وأسألهم عما يحدث في شنكال، وفي كل مرة أسمع عما يحدث أخاف أكثر. كان من الصعب للغاية تقبل ما يحدث في شنكال. كانت عائلتي قد لجأت إلى الجبال. بعد الفرمان بسنة ساعدت خالي مرة أخرى في الزراعة. بعدها انتقلت عائلتي إلى مخيم بعجيدة التابع لمدينة زاخو. وأنا أيضاً ذهبت إلى المخيم لأعيش مع عائلتي".
"كانت الأسوار المحيطة بالمخيمات أماكن راحة لنا"
انزعجت نهلة عندما أخبرتنا عن الحياة في المخيم. فعندما قارنت حياتها مع ذكرى حياة السجن التي عاشتها هناك لسنوات، عانت صعوبة في العثور على الكلمات لوصفها. لكن على الرغم من ذلك أصرت على إخبارنا ونحن استمعنا إلى نهلة حتى النهاية. هكذا تحدثت لنا نهلة عن المخيم:
"في البداية أهتم الجميع ببعضهم البعض وتكاتفنا على الرغم من ألم ما حدث. بقي الجميع صامدين بفضل دعمهم لبعضهم البعض. لم تكن هناك مدارس في المخيم الأول. بعدها تم فتح المدارس فتابعت الدراسة في المخيم. ذهبت إلى المدرسة لمدة 3 سنوات. لم تكن المدارس تفتح كثيراً في المخيمات، على سبيل المثال لم أذهب إلى المدرسة سوى لمدة شهرين على مدار عام كامل. بالإضافة إلى ذلك، كان يوجد دورات لتعليم اللغة الإنجليزية ومراكز للعلاج النفسي. فبعد الفرمان وبسبب حالات الانتحار في المخيمات معظمنا خضع لهذه العلاجات. أنا أيضاً ذهبت. وكل يوم بعد المدرسة كنت أتوجه إلى مراكز العلاج. في المخيمات، كانت مساحة حياتنا محصورة فقط بالأماكن المحاطة بالأسلاك. كنت أتجول مع أصدقائي عند أسوار الأسلاك الحديدية المحيطة بالمخيم. ومن أجل الابتعاد عن مصاعب الحياة في المخيم الذي يشبه السجن والمنازل المرصوصة بجانب بعضها البعض، كنا نذهب إلى تلك الأسوار. أصبحت حدود وأسوار المخيمات أماكن يمكننا أن نتنفس فيها. كما كنا نذهب أيضاً إلى المتاجر الموجودة عند مداخل المخيمات".
"الأشياء التي عشتها قادتني إلى الانتحار"
لم تستطع نهلة أن تتقبل حياة المخيم وتطور الأحداث الطارئة الواحد تلو الأخر، وما تعرض له أهلها في الفرمان. واجهت نهلة صعوبة في حل النزاعات والتناقضات في عقلها، وأصيبت بالاكتئاب بعد فترة بسبب الأشياء التي عاشتها. تقول "لقد وصلت إلى مستوى الانتحار. فقدت الحياة معناها بالنسبة لي. لم أستطع تقبل الحياة في المخيم. لم أستطع نسيان الأشياء التي حدثت. ذهبت إلى مراكز العلاج النفسي. كانت العلاجات التي تلقيتها تباعاً مفيدة لي. عندها أدركت أن الانتحار ليس هو الحل. لذا قررت العيش وبناء حياة جديدة".
نهلة التي تخلت عن الانتحار تزوجت من شاب التقت به في سن مبكرة. عندما تزوجت انتقلت إلى شنكال لفترة وجيزة ثم عادت إلى المخيمات مع زوجها.
تُباع النساء في المخيمات
كانت العودة إلى المخيمات مرة ثانية صعبة جداً بالنسبة لنهلة. لقد قادها الزواج في سن مبكرة والحياة في المخيمات، نحو مواجهة صعوبات الحياة الأخرى. لقد حدثتنا عن الزواج في سن مبكرة وعن الصدمات التي تتعرض له الشابات
"لا توجد مساواة بين الرجل والمرأة في الحياة. يجب أن تأخذ الشابات ذلك بعين الاعتبار عند اتخاذ القرارات في حياتهن. يجب أن تتعرف الشابات جيداً على الرجال الذين يرغبون بالارتباط بهن. لا ينبغي اتخاذ قرار الزواج بهذه السرعة. فتكوين أسرة يتطلب مسؤولية جدية. عندما يتعلق الأمر بالحياة المشتركة، لا يجب اتخاذ قرار مؤقت بل يجب اتخاذ القرار الصحيح والجيد. بالطبع مع القرارات الخاطئة، تصبح نتيجة الزواج في سن مبكرة مأساوية. فهذه النقطة هي مصدر المشاكل الموجودة في المجتمع. والكثير من النساء اللواتي ينتحرن ويحرقن أنفسهن تزوجن في سن مبكرة. لا ينبغي أن تنخدع المرأة بكلمات ووعود حب الرجل الكاذبة. فالزواج في سن مبكرة يبدأ كلعبة لكل من الرجال والنساء. ثم تبدأ المرأة بمواجهة ثقل وصعوبة الحياة وفي النتيجة يحدث الانتحار والقتل. لقد تزوجت في سن مبكرة وأريد مشاركة نتائجي مع الشابات. هناك العديد من جرائم قتل النساء خاصة في المخيمات. احترقن، غرقن، تعرضن للعنف، فررن، اختفين وما إلى ذلك. عمليات القتل هذه تحدث بشكل يومي. تحدث أشياء سيئة للغاية في المخيمات. تم بيع النساء مقابل 5-50 ألف دينار. كما لا توجد فرص عمل للنساء. لا يرغب الناس بالعيش هناك. فمقاييس الحياة صعبة جداً وبالطبع حياة السجن بعد فترة تعرض الناس لصدمة خطيرة. ولهذا السبب توجد في المخيمات حالات انتحار عامة".
مع النساء انبعثت شنكال من جديد
أخبرتنا نهلة عن عودتها إلى شنكال. وعندما روت ما حدث في المخيمات، كانت تقول في نهاية كل جملة "الأمر هنا ليس كذلك، الحياة هنا ذات معنى، الحياة في تلك المخيمات ليست أبداً كالحياة هنا". وبعد حديث طويل، توقفت نهلة. وكأنها تركت نفسها في أحضان الحياة الجديدة، احتضنت زردشت وقبلته. بعدها قامت نهلة مع زردشت بزراعة شجرة زيتون أمام بيتها، أي أمام خيمتها. زرعت تلك الشجرة للنساء وقالت "أزرع هذه الشجرة من أجل النساء. وكلما نمت الشجرة، ستحقق المرأة حريتها في شنكال وتصبح أفضل وأجمل".
في ختام حديثها أخبرتنا نهلة عن شنكال قبل وبعد الفرمان وقالت "لقد تغيرت النساء كثيراً. في السابق النساء كن محتجزات في المنزل في شنكال. لكنهن الآن تنشطن في الداخل والخارج. يمكن للمرأة أن تدافع عن نفسها، وتتخذ كل الإجراءات للمطالبة بحقوقها، وهناك حياة مختلفة للنساء. لم يعد بإمكان داعش الاقتراب من نساء شنكال وخطفهن. لدى شنكال القوة والقدرة على الوقوف في وجه أي فرمان. لقد تعلمت النساء الدفاع عن أنفسهن. لا أحد يستطيع أن يلمس النساء الأيزيديات بعد الآن".
https://www.youtube.com/watch?v=oUhC2IAaFFc