صحفيات من غزة إلى لبنان وسوريا... الكلمة الحرة في مواجهة الموت
تقارع الصحفيات من لبنان وفلسطين وسوريا الموت وما بدلن تبديلاً، دأبهن فضح ممارسات المحتل، وإيصال الصورة الحقيقية لمعاناة الناس إلى العالم.
فاديا جمعة
بيروت ـ مع ما يشهده العالم من حروب وويلات، ولا سيما في مناطق النزاع الساخنة في الشرق الأوسط، أكدت الصحفيات أن الإعلام ليس مجرد وظيفة فحسب، وإنما هو فضاء إنساني في معادلة الخير والشر، الحق والباطل، الشعوب المستضعفة والقوى الظلامية، الدول النامية والأنظمة المستكبرة.
فرض حضور الصحفيات اليومي في ميدان التغطية الإعلامية، شامخات لا يهبن الموت، وهن يدركن أن للحرية ثمناً، وأن الطريق إلى غد يسوده السلام والعدل يقتضي أن تكون المرأة حاضرة أيضاً في ميادين المواجهة.
غياب الخدمات يعيق عملهن
صافيناز اللوح مراسلة قناة "أصيل" من غزة قالت إن التحديات التي تواجههم في العمل كثيرة "أبدأ من التحدي الأول والمتمثل بعمليات القتل والاغتيالات الممنهجة التي تقوم بها القوات الإسرائيلية بحقنا كصحفيين فلسطينيين، وقد تم اغتيال شقيقي الصحفي أحمد اللوح مصور قناة الجزيرة قبل أسبوع، وهو يؤدي عمله داخل مقر الدفاع المدني وسط قطاع غزة برفقة أربعة من الدفاع المدني، واعترف الاحتلال رسمياً أنه اغتال الصحفي أحمد اللوح بتهمة أنه كان ينتمي قبل عدة أعوام لأحد التنظيمات".
وأضافت "الاحتلال وضعنا كصحفيين فلسطينيين على لائحة الاغتيالات ولائحة القتل بشكل كامل، بالإضافة إلى ذلك، يقوم أيضاً بملاحقتنا سواء من طائرات أو القصف من خلال المدفعية أثناء تواجدنا في مناطق تشهد اجتياحات وعمليات عسكرية، وتقوم طائرات "كواد كابتر" بإطلاق النار علينا بشكل كثيف".
ولفتت إلى أن "التحدي الآخر هو الكهرباء التي قطعت عن قطاع غزة منذ اليوم الأول للحرب، إضافة إلى عدم تمكننا من التنقل من منطقة إلى منطقة، خاصة وأن الاحتلال يقسم قطاع غزة إلى قسمين، المنطقة الجنوبية والمنطقة الشمالية".
وأشارت إلى أن "غياب الإنترنت يجعلنا نعاني كثيراً، فضلاً عن الملاحقة من قبل الاحتلال، ورغم ما نتعرض له ما زلت أمارس عملي وسأظل أمارسه حتى الرمق الأخير، منذ دخلنا هذه المهنة ونحن تحت هذا الاحتلال الذي يقوم بسلب حياتنا منذ عقود طويلة، لذلك دخلنا هذه المهنة ونحن على قناعة تامة أننا سنتعرض للخطر، ولكننا مصممون على إيصال كل ما يرتكبه الاحتلال بحق شعبنا الفلسطيني".
ووفق حصيلة رسمية من المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، فقد قتل 198 صحفي و25 صحفية تم استهدافهم من قبل القوات الإسرائيلية منذ بداية الحرب التي اندلعت في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
"نعمل في أخطر بقع العالم"
بدورها قالت روناك شيخي وهي صحفية من إقليم شمال وشرق سوريا "نواجه العديد من التحديات والمخاطر في عملنا، فالاحتلال التركي لا يفرق بين صحفي ومدني، ويقوم بقصف عشوائي للمدن والبلدات وحتى للصحفيين غير آبهة للقوانين الدولية ولا لحقوق الإنسان ولا للصحافة، أنا على سبيل المثال قمت بتغطية الحرب على داعش لمدة سبع سنوات بدءاً من مدينة منبج وانتهاء ببلدة الباغوز التي كانت آخر معقل له، واجهت الكثير من المخاطر والتهديدات على حياتي الشخصية، وبعد انتهاء حقبة داعش أصبحنا الآن في حقبة الهجمات التركية ومرتزقتها، والتي تحاول دائماً الهجوم على مناطقنا، واستهدافنا كصحفيين ومدنيين".
وأضافت "رغم كل التهديدات والمخاطر، ورغم أنني أم ولدي أطفال، فأنا مستمرة في عملي، وذلك لأن الصحافة بالنسبة لي هي مهنة إنسانية، وطريقة لإيصال صوت أبناء شعبي إلى جميع أنحاء العالم، وليس بإمكاني التوقف عن هذا العمل بالرغم من كل المخاطر التي أواجهها أو التخلي عن مهنتي بسبب بعض التهديدات، يعلم الجميع أن هناك عضوات وحدات حماية المرأة YPJ تدافعن عن أرضهن، ولا أستطيع إلا وأن أكون مثلهن، وأقاتل بقلمي وكاميرتي وصوتي".
ولفتت روناك شيخي إلى أنه "استشهد عدد كبير من الصحفيات أثناء تغطية المعارك، ومنذ فترة قصيرة استشهدت زميلتنا العاملة في وكالة هاوار، وهي جيهان بلكين، أثناء تغطيتها للمعارك الدائرة في مدينة منبج بين قوات سوريا الديمقراطية وبين الاحتلال التركي ومرتزقته، ومثلها الكثيرات أيضاً استشهدن خلال تغطيتهن للمعارك، لأن البيئة هنا بيئة خطرة للعمل، ليس للنساء فحسب وإنما للرجال أيضاً. نعمل في أخطر بقع العالم، ونحتاج إلى الدعم من جميع الناس".
تهديد بالقتل
آمال خليل الكاتبة في جريدة "الأخبار" اللبنانية منذ تأسيسها عام 2006 ومراسلة ميدانية في جنوب لبنان خلال الهجمات الإسرائيلية منذ تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي حتى اليوم، قالت "تجربتي مرت في مراحل كثيرة كانت حدة الخطر فيها تتصاعد يوماً بعد يوم، وفقدنا زملاء وزميلات صحفيات وصحفيين دفعوا ثمن واجبهم المهني وإصرارهم على البقاء في جنوب لبنان لتغطية الهجمات الإسرائيلية".
وتابعت "خلال الفترة هذه كانت اسرائيل تنذرنا يومياً بضرورة انسحابنا وتوقفنا عن التغطية في جنوب لبنان من خلال الاستهداف المباشر وغير المباشر لنا، وكانت المساحة الآمنة تتقلص يوماً بعد يوم إلى أن فقدت كلياً بعد 20 أيلول الماضي مع توسع رقعة الهجمات".
وعن تجربتها، أوضحت أنه "كانت محفوفة بخطر مضاعف، ولكنني اخترت متابعة عملي وتواجدي في المناطق المتقدمة إلى جانب الأهالي الصامدين على اعتبار أنني لست أغلى من أي شخص بقي في أرضه، إن كان في بلدة حولا أو يارون أو بلدة ميس الجبل تحت القصف وتحت احتمال الموت، وأقل واجب بالنسبة لي أمام هؤلاء الصامدين كان تواجدي لمتابعة وتغطية الأخبار وعلى هذا المنوال أتممت عاماً كاملاً".
وبينت أن القوات الإسرائيلية وجهت لها تهديداً مباشراً في آب/أغسطس الماضي بعد أشهر طويلة في الميدان، وذلك بسبب تركيزها على قضايا الناس الصامدة وبطولاتهم ومقاومتهم "تلقيت رسالة أولى على هاتفي تطلب مني مغادرة الجنوب تحت تهديد نسف بيتي وقتل عائلتي وفصل رأسي عن كتفي، بحسب مصطلح مرسل الرسالة، وبعد أن تحققت الأجهزة الأمنية من الرسالة أكدت أن مرسلها هو إسرائيل، ولاحقاً عندما أثرت هذا التهديد عبر وسائل الإعلام عاد ليهددني برسالة مفادها أنني سوف أدفع الثمن قريباً لعدم اكتراثي بتهديده الأول وبقائي في عملي".
خرق اتفاقية وقف إطلاق النار
وبينت أنه "إلى حين يوم تفجير أجهزة البيجر في لبنان وبعدها بأيام قبل توسع رقعة الهجمات، اتصلت القوات الاسرائيلية في 21 أيلول على مبنى جريدة الأخبار وهدد الجريدة وطلب بإيقافي، لذلك بعد أن تصاعدت وتيرة الهجمات كنت مجبرة على اتخاذ الكثير من الاحتياطات، خصوصاً أن القوات الإسرائيلية أصبحت تستهدف كل كائن متحرك في الجنوب من فرق إسعاف إلى الجيش اللبناني واليونيفل والصحفيين والمدنيين، وبهذا أصبح وصولي إلى القرى الأمامية والمناطق المستهدفة هو مجازفة وانتحار فاضطررت وللأسف لاتخاذ قرار بمواصلة عملي عن بعد، إلى حين وقف إطلاق النار ومنذ الساعات الأولى عدت إلى الميدان وتحديداً منطقة الخيام، وقد أطلقت القوات الإسرائيلية النار مباشرة فوق رأسي عندما كنت أصور ما تقوم به آلياتها وجرافاتها وهذا موثق بالفيديو".
وفي ختام حديثها قالت الصحفية آمال خليل "اليوم أكمل مسيرتي، وأقوم برصد ما تفعله القوات الإسرائيلية من خرق يومي لاتفاقية وقف إطلاق النار، وما ترتكبه من هجمات هو برأيي أكبر بكثير من الهجمات التي شهدناها خلال فترة عام ونصف العام الماضية، ونحن اليوم بأخطر مرحلة وواجبي هو توثيق ما يحصل من خطف وقتل وتدمير وجرف ممتلكات المدنيين ومنازلهم، ولكي أثبت للعالم أن إسرائيل لا تلتزم بأي قرار ولا تمتثل للشرعية الدولية ولا تترك فرصة إلا وتقتل وتحتل وتدمر".