الغياب التام للنساء في تشكيلة المكتب التنفيذي يثير انتقادات واسعة
تحديات كثيرة تقف أمام نساء سوريا في ولوج مواقع صنع القرار أبرزها الموروث الثقافي والتمييز وكذلك الفهم الخاطئ للدين.

روشيل جونيور
السويداء ـ شهدت مدينة السويداء السورية موجة من الانتقادات في أوساط الناشطين والناشطات بسبب غياب وجود المرأة في المراكز التنفيذية، مما يعيد إشكالية التمثيل المحدود للنساء في المناصب العليا لتبقى المواقع التنفيذية حكراً على الرجال.
موروث اجتماعي طويل الأمد
قالت عضوة نقابة المحامين في السويداء وعضوة لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان تغريد عزام أن موضوع تغييب المرأة عن المواقع التنفيذية في مدينة السويداء، وفي سوريا عموماً بات محط جدل واسع مؤخراً لا سيما بعد التغيرات السياسية التي طرأت على البلاد.
ولفتت إلى أن السؤال المطروح اليوم لماذا لا تتواجد المرأة في مواقع القرارات التنفيذية؟ ولماذا لا تزال هذه المواقع حكراً على الرجال؟
وترى أن السبب يعود إلى موروث اجتماعي طويل الأمد، تغذيه منظومة فكرية وثقافية ترى أن الرجل هو الأجدر بتولي المناصب القيادية وتجاهل كفاءة النساء وقدرتهن على القيادة.
التمييز الاجتماعي والديني
وأشارت إلى أن هذا البعد لا يقتصر على المجتمع فحسب، بل يكرسه أيضاً الخطاب الديني السائد "رغم أنه لا يستند إلى نصوص صريحة سواء في القرآن أو السنة تحظر على المرأة تولي المناصب إلا أن التأويلات الخاطئة والخطاب الذكوري يروج لفكرة أن الرجل أكثر كفاءة وأحق بالمواقع التنفيذية".
التمثيل السياسي الغائب وغياب التشريع
وبينت تغريد عزام أن "تمثيل المرأة السياسي ضعيف جداً، وهذا يقصيها تلقائياً من مواقع اتخاذ القرار، والأسوأ من ذلك أننا لا نملك تشريعات تلزم بحد أدنى من مشاركة المرأة، لذلك نحتاج إلى تفعيل نظام الكوتا كحل إسعافي مؤقت يضمن الحد الأدنى من تمثيل النساء، ويفتح لهن المجال لإثبات أنفسهن ومنع احتكار الرجل لمواقع السلطة".
وأكدت أن "الكوتا ليست حلاً جذرياً بل إجراء مرحلي يجب أن يترافق مع نشر ثقافة مجتمعية جديدة تعزز دور المرأة، ويربط وجودها في مواقع القيادة بالكفاءة، لا بالجنس".
الوعي التربوي والإعلامي حجر الأساس
ولفتت إلى أن الحل الحقيقي يبدأ من تعزيز الوعي الثقافي والاجتماعي، ونشر قصص نجاح النساء في المناهج التعليمية وغرس فكرة أن المرأة شريكة في كل شيء، ومن حقها الطبيعي أن تكون في موقع القرار تماماً كما الرجل، داعيةً إلى تصحيح الصورة النمطية التي تروج لها الأعمال الدرامية، مثل مسلسل "باب الحارة" والتي تظهر المرأة ككائن تابع لا يخالف قرارات الرجل، معتبرةً أن الإعلام مسؤول إلى حد كبير عن ترسيخ هذه الصورة ودوره محوري في تغييرها.
العدالة الجندرية والتمكين الحقيقي
وأوضحت تغريد عزام أن العدالة والمساواة الجندرية لا تعني أن تمثيل المرأة منحة أو فضل، بل استحقاق، كونها "أداة الخلق وبانية المجتمع ولا يجوز إقصاؤها تحت أي ذريعة"، مشددةً على ضرورة تمكين المرأة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً عبر ورشات تدريب متخصصة، وتفعيل وجودها داخل الأحزاب والمؤسسات وليس فقط في الجمعيات الخيرية أو التربوية.
النماذج النسائية المغيبة
وتساءلت "ألا توجد لدينا نماذج نسائية ناجحة نستلهم منها ونبرزها كقدوة"، لتؤكد أنه "بالتأكيد هناك، مثل الصحفية إليزابيث كوريه، وهي امرأة سريانية من شمال وشرق سوريا، ساهمت في تأسيس الإدارة الذاتية هناك لكنها وغيرها من النساء لا يسلط الضوء عليهن في سوريا، بسبب العقلية الذكورية المسيطرة التي ترى القيادة حكراً على الرجال".
المحسوبيات والخوف من طموح المرأة
وتطرقت إلى عقبات أخرى مثل "المحسوبيات والواسطات" التي استخدمت سابقاً في تعيين المسؤولين، ولا تزال سارية وتقصي النساء عن مواقع القرار "البعض يخشى طموح المرأة وقوتها، لكن الحقيقة أن المرأة القادرة على إدارة بيت وتربية أجيال، قادرة أيضاً على إدارة مؤسسات ووزارات".
واختمت عضوة نقابة المحامين في السويداء وعضوة لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان تغريد عزام حديثها بالتأكيد على أنه "نرفض أن تكون المرأة مجرد صورة تعرض لإرضاء المجتمع دون أن تمنح مواقع حقيقية للقرار، لذلك أنا ضد فكرة إنشاء مكاتب لشؤون المرأة لأنها تكرس التفرقة بين الجنسين بدلاً من المساواة، نريد تمكيناً فعلياً لا شكلياً، وتشريعات واضحة تحمي حق المرأة في الوصول إلى مراكز القرار".