صناعة الفخار تعود إلى الواجهة على يد النازحات في إدلب

مع صباح كل يوم جديد تتجه نساء نازحات في إدلب وشمال غرب سوريا لإحضار التراب الأحمر الخاص بصناعة الفخار من المناطق القريبة لاستخدامه في صناعة الأواني الفخارية المتعددة بطرق بدائية وجهود ذاتية

سهير الإدلبي

إدلب ـ مع صباح كل يوم جديد تتجه نساء نازحات في إدلب وشمال غرب سوريا لإحضار التراب الأحمر الخاص بصناعة الفخار من المناطق القريبة لاستخدامه في صناعة الأواني الفخارية المتعددة بطرق بدائية وجهود ذاتية.

ليلى الراموس (٣٧) عاماً وهي من مهجري ريف إدلب منذ ثلاث سنوات، مع عائلتها المؤلفة من زوجها العاطل عن العمل وأطفالها الأربعة، ومقيمة في مخيمات سرمدا في إدلب، قالت أنها استعانت بخبرتها في صنع الأواني الفخارية وفق مهارات اكتسبتها عن جدتها، وبدأت تزاول المهنة ضمن مشغلها المتواضع الذي اتخذته مكاناً للعمل بالقرب من خيمتها البالية.

وتصنع من الفخار شتى أنواع الكؤوس وجرات الماء الصغيرة والأطباق المتنوعة، مستخدمة نوع مخصص من التراب لصناعة الفخار، والذي يستخرجونه من الأرض عبر حفر صغيرة ومن أماكن محددة.

وعن طريقة تحضير التراب تضيف ليلى الراموس أنها تعمد إلى طحن التراب بطرق تقليدية باستخدام عصا قبل أن تغربله وتعجنه، ثم تقوم بوضعه على آلة صنع الفخار التقليدية وتسمى عجلة الفخار، وتركن بعدها الأواني تحت أشعة الشمس ليوم كامل قبل أن تضعها في فرن خاصة بالفخار استعداداً للمرحلة الأخيرة وهي مرحلة الشواء بكثير من الدقة والعناية والفن.

وعن التحديات التي تواجهها في صناعة الأواني الفخارية تقول، أنها تواجه صعوبات في تأمين الحطب اللازم لإشعال النيران من أجل تسخين الفرن، كما تواجه الكثير من العناء أثناء عملية البحث عن التراب المناسب من أماكن متعددة، عدا عن حاجتها لوسيلة نقل من أجل تسويق منتجاتها، وهو ما يدفعها لبيع ما تنتجه ضمن المنطقة التي تقطن فيها، وما تحصل عليه من مردود مادي وصفته "بالمنقذ لوضعها المعيشي المزري" تنفقه في تأمين مستلزمات عائلتها الأساسية.

وتبدأ صناعة الفخار مع بداية فصل الصيف وتستمر حتى انتهائه للاستفادة من أشعة الشمس في تجفيف ما يصنعونه من أواني متعددة، إذ لا يمكن أن تنجح هذه الصناعة في فصل الشتاء الذي لا يساعد على جفاف الأواني مما يؤدي إلى تكسرها.

وصناعة الفخار هي من الصناعات القديمة التي اشتهر بها ريف إدلب، وعادت اليوم إلى الواجهة بعد انقطاع طويل، ولكن بمشاركة نسائية هذه المرة إثر انقطاع التيار الكهربائي عن معظم مناطق إدلب، وحاجة الناس لأواني تحفظ أغذيتهم من التلف، عدا عن اعتمادها مصدر دخل أمام شبه انعدام لفرص العمل.

وبات مشهد عرض الأواني الفخارية في الأسواق أمراً ملحوظاً، ولوهلة يشعر المتجول في أسواق ريف إدلب أنه عاد إلى العصور الوسطى بعد تصدر الفخار قائمة الأواني المنزلية، ومنافسته الأواني المعدنية الأخرى.

وترى صباح العبدو (٣٥) عاماً أن زيادة الطلب على الأواني الفخارية هو ما ساهم بزيادة العاملين فيها من النازحات بشكل خاص اللواتي يبحثن عن فرصة عمل كما هو حالها.

وعن عملها تقول إنها تصنع شتى أنواع المزهريات والخوابي وحتى التنانير، وتبيعها بأسعار منافسة، وهو ما زاد الطلب على منتجاتها وخاصةً مع حاجة الأهالي للمياه الباردة بقدوم فصل الصيف، فمن المعلوم عن الفخار حفظه الجيد للبرودة لأنه يبرد على الهواء، وينقي الأغذية والمياه من الشوائب والسموم، ويعطي المأكولات والمشروبات التي توضع بتلك الأواني طعماً خاصاً ومحبباً.

من جهتها تصر مريم الراعي وهي في العقد الخامس من عمرها، على شرب الماء حصراً من الأواني الفخارية صيفاً وشتاءً لما يتمتع به الفخار من فوائد كبيرة، فهو "لا ينقل العدوى كالأواني التقليدية؛ بل يقي من الأمراض، ويقتل الميكروبات، ويصفي الماء من الشوائب، كما أنه علاج للكلى بتصفيته المياه من الكلس والحصى".

وأمام ما تعانيه المنطقة من أوضاع اقتصادية ومعيشة متردية، ما زالت النازحات في إدلب تناضلن لخلق فرص عمل تقليدية مما توفره الطبيعة، وتؤمنه البيئة للنهوض بواقعهن المزري، وتأمين مصدر دخل يعينهن في مواجهة ظروفهن البائسة.