رغم الخطر... أطفال يعفرون الزيتون باحثين عن الرزق

عقب انتهاء كل موسم زيتون ينطلق الكثير من الأطفال في إدلب للاستفادة من فرصة التعفير

سهير الإدلبي
إدلب ـ ، وفيه يقومون بجمع حبات الزيتون المتبقية تحت الأشجار أو التي غفل المزارعون أو تجاهلوا قطافها بعد انتهائهم من جني محاصيلهم.
يستيقظ الطفل سمير الشامان (12) عاماً باكراً ليعمد مسرعاً من أجل إيقاظ أخيه الأصغر وائل (9) سنوات لينطلقا في رحلة التعفير اليومية التي بدأت لتوها مع انتهاء معظم المزارعين من جني محاصيل الزيتون هذا العام.
يقول سمير الشامان "يساعدنا موسم التعفير على وضع مونة الشتاء من الزيت والزيتون الذي تعجز أمي عن شراءه لارتفاع أسعاره سنة بعد أخرى في حين لا معيل لنا غيرها بعد وفاة والدي".
يصطحب سمير الشامان معه كيس يتسع لأكثر من عشرون كيلو غرام من الزيتون ويحاول تعبئته بشكل يومي مع أخيه ليعود أدراجه مع غروب الشمس وقد نال منهما التعب ليناما باكراً من أجل الاستيقاظ في صباح اليوم التالي ومتابعة العمل.
والدة سمير وتدعى ماجدة الطويل (35) عاماً تقول إنها تعتمد على عمل أطفالها في الإنفاق على متطلبات المنزل، فهي لا تملك مهنة أو شهادة تساعدها على إيجاد عمل ما، في حين تعيش ظروفاً صعبة في قرية مرعيان بجبل الزاوية حيث الفقر والغلاء والقصف الذي لا يهدأ على القرية والقرى المجاورة.
لم تتمكن ماجدة الطويل من مغادرة القرية رغم خطورتها لعدم قدرتها على النزوح الذي يتطلب الكثير من الأموال التي لا تملكها الأم ما أجبرها وأطفالها على البقاء.
وتقول "إن لم يعمل أولادي فلن نجد ما نأكله وليس هناك من يهتم بنا أو ينظر لأمورنا بعد وفاة زوجي الذي راح ضحية القصف المتواصل والعشوائي للمنطقة".
لم تستطع ماجدة الطويل أن تخفي خوفها على ولديها من مخاطر موسم التعفير وما يمكن أن يواجههما، ولكنها تبقى مرغمة على ارسالهما لتتمكن من العيش بكرامة مع أطفالها الخمسة، وهي تخطط لإحضار وقود التدفئة من خلال عمل ولديها في التعفير هذا العام.
وكثيراً ما يتعرض الأطفال خلال رحلة التعفير لمخاطر متعددة أهمها القصف وانتشار القنابل غير المنفجرة في حقول الزيتون، إذ تعتبر منطقة جبل الزاوية هي نقطة مواجهة، وهي من أخطر المناطق في إدلب رغم غناها بأشجار الزيتون التي تشكل ربع الثروة من إجمالي ثروة الزيتون في المنطقة وفقاً لإحدى الإحصائيات.
ويتعرض الأطفال المعفرين للاستغلال من قبل التجار الذين يشترون من الأطفال ما يجمعونه من الزيتون بنصف قيمته رغم صعوبة ما يقوم به هؤلاء الأطفال الذين يقضون نهارهم غارقين في الغبار والمشي مسافات طويلة بحثاً عما يمكن أن يلتقطوه من الثمار قبل غروب الشمس.
ويضطر الأطفال للبيع بأي سعر يتاح لهم ليحصلوا على المال الذي يعطونه لعوائلهم؛ من أجل أنفاقها على المنزل وهو ما يدعو البائعين لاستغلالهم لصغر سنهم وحاجتهم للمال.
يقول الطفل أحمد الصبور (13) عاماً أن كيلو الزيتون الأخضر يباع في الأسواق بـ8 ليرات تركية في حين لا يشتريه التاجر منهم إلا بـ 2،5 فقط للكيلو غرام الواحد من الزيتون ليتراوح ما يحصل عليه يومياً ما بين 20-30 ليرة تركية وهو مبلغ زهيد ولا يتناسب مع جهوده وساعات عمله الطويلة.
والدة أحمد الصبور وتدعى سلوى عرب (40) عاماً تعبر عن رفضها لتوجه ابنها للتعفير وتعرضه للخطر، ولكنها لا تستطيع منعه بعد إصراره على الذهاب وخاصة إنه بحاجة لمصروف وملابس شتوية هي غير قادرة على تأمينها له.
وتقول إنه يعود كل يوم في حالة يرثى لها، ثيابه متسخة ووجهه ممتلئ بالغبار والتعب نال منه لدرجة أنه لم يعد قادر على الحديث معهم حتى، وغالباً ما يصاب بأعياء شديد في كثير من الأحيان جراء خروجه من الصباح الباكر حيث يكون الطقس بارد للحصول على كمية وافرة من الزيتون قبل وصول المعفرين الآخرين ويعود مع ساعات الغروب وهي أيضاً فترة باردة.
وتتابع بغصة "ضاع مستقبل أطفالنا بسبب الحرب والنزوح والغلاء وباتوا يتحملون مسؤوليات تفوق أعمارهم وأجسامهم الصغيرة وقدرتها على التحمل، لقد كبروا قبل أوانهم ليجدوا أنفسهم غارقين في العمالة خارج مقاعد الدراسة حيث يجب أن يكونوا".
ووثق "فريق منسقو استجابة سوريا" نزوح أكثر من 4361 مدنياً من جبل الزاوية في الشمال السوري، فيما حذر الفريق من مخاطر تهدد أكثر من 241 ألف مدني معرضين للنزوح في حال استمرار القصف والانتهاكات، التي أصيب خلالها 65 مدنياً بينهم 29 طفلاً و10 نساء، وفق بيان للفريق.