الطبخ المنزلي وسيلة نساء لكسب العيش في إدلب

تعمل نساء معيلات في إدلب على الاستفادة من مهارتهن في الطهي لكسب لقمة العيش في ظل الفقر والنزوح وشح فرص العمل، لمواجهة ظروفهن الصعبة

لينا الخطيب

إدلب ـ تعمل نساء معيلات في إدلب على الاستفادة من مهارتهن في الطهي لكسب لقمة العيش في ظل الفقر والنزوح وشح فرص العمل، لمواجهة ظروفهن الصعبة، وتلبية طموحاتهن، وتحقيق مردود مادي يكفيهن العوز والحاجة.

"الكبة" و"الجسقات" و"اليبرق" هي طبخات بيتية تتقنها سامية السلطان (33 عاماً) من مدينة إدلب، وتعدها بمهارة كبيرة، وتبيعها لنساء الحي الذي تسكنه، وتؤكد أن الفقر والحاجة دفعتها لهذا العمل، "الحياة صعبة، والتكاليف المعيشية أصبحت مرتفعةً للغاية، والعمل الآن صار أمراً ضرورياً، من أجل سد الاحتياجات اليومية".

وتضيف "بعد وفاة زوجي بغارة حربية منذ عام 2019، ضاقت بي السبل، وأصبحت مسؤولة عن تأمين لقمة العيش لبناتي الخمسة، وبعد يأسي من الحصول على فرصة عمل، قررت أن أصنع فرصتي بنفسي، وأستفيد من مهارتي في الطهي لكسب الرزق".

وتبين أنها في البداية روجت لعملها عن طريق الجارات والمعارف والأقارب، أما السر في نجاحها فهو اهتمامها بنظافة الأكل، وحفظه وتغليفه جيداً، فضلاً عن شراء ما يلزم بعناية وجودة عالية، لتنال إعجاب الزبائن.

وعن كيفية تنظيم وقتها بينت أن "العمل من المنزل يمنحني الفرصة لقضاء مزيد من الوقت مع بناتي، حيث أقوم في الليل بإعداد الطعام لأوفر لهن لقمة العيش، وفي النهار أهتم بهن وأراقب سيرهن الدراسي وأشرف على تربيتهن".

وتشير أنها تلاحظ طلباً متزايداً على الأطعمة الجاهزة، سواء من قبل العاملات اللاتي ليس لديهن الوقت الكافي للبقاء ساعات طويلة في المطبخ لطهي وجبات لأسرهن، أو حتى من النساء الغير عاملات ممن يفتقرن إلى الموهبة لطهي بعض الوصفات الصعبة.

كذلك فعلت زهرة البارودي (36 عاماً) وهي نازحة من مدينة سراقب إلى مدينة سرمدا، حيث أسست في بيتها مطبخاً متواضعاً، تقوم بإعداد الطبخات وتجهيزها بمساعدة عدد من جاراتها الأرامل وزوجات المعتقلين، وعن ذلك تقول "تعرض زوجي لإصابة أدت إلى بتر قدميه، وباعتباري أم لأربعة أطفال قررت العمل للإنفاق على أسرتي، والتخلص من حياة الفقر والعوز، لذلك أسست هذا المشروع الصغير بداية عام 2021، حيث أقوم بتلبية طلبيات المطاعم والأعراس التي تصلني عبر الهاتف مع تحديد الكميات والأنواع، والاتفاق على موعد التسليم، وأستعين في كثير من الأحيان بنساء الحي الذي أسكنه، ونتقاسم ما نجنيه من أرباح فيما بيننا".

نورة العباس (29 عاماً) وهي نازحة من بلدة تلمنس إلى بلدة كللي بريف إدلب الشمالي، وأم لثلاثة أطفال، ولم تكمل تعليمها لأنها تزوجت في سن مبكر، تعد الحلويات من كنافة ومشبك وعوامة وتبيعها لجاراتها أو أصحاب محلات الحلويات والبقالة، وعن عملها تقول "زوجي يعاني من اضطرابات في القلب، ويعمل في ورشة للحدادة مقابل 30 ليرة تركية يومياً، وهو مبلغ زهيد لا يؤمن المتطلبات المعيشية الأكثر ضرورة للمنزل، لذا قررت مساعدته من خلال عملي في صناعة الحلويات والمعجنات".

وتشير إلى أنها في شهر رمضان تقوم بإعداد المعروك المحشو بالتمر في المنزل، وترسل ابنها البالغ من العمر 10 سنوات لبيعه في السوق، "هناك إقبال جيد على هذا النوع من المعجنات في شهر رمضان".

وتوضح "أستيقظ في وقت مبكر جداً، وأبدأ بتجهيز الحلويات، ومن ثم يستيقظ أطفالي ويتوجهون إلى مدارسهم، وأحاول أن أنهي عملي قبل عودتهم".

وتشير إلى أن الأرباح معقولة تكفي لسد حاجات أطفالها، وتؤكد أن طرق إعداد الحلويات متوافرة على الأنترنت على نطاق واسع، ولكن الكثير من النساء الموظفات والعاملات يفضلن شراءها جاهزة، لعدم وجود الوقت الكافي لإعدادها في منازلهن، إلى جانب قيامها بتلبية طلبيات الأعياد والمناسبات.

المرشدة الاجتماعية إلهام العجمي (38 عاماً) من مدينة سراقب، قالت عن عمل النساء "شكلت الحرب واقعاً جديداً، أنتج زوجات القتلى والمعتقلين والمصابين، اللواتي أصبح عليهن أن تعلن بمفردهن أنفسهن وعائلاتهن في ظل الحاجة المادية، الأمر الذي وضع نساء إدلب أمام تحديات وصعوبات كبيرة".

وتبين أن نساء إدلب وجدن أنفسهن أمام تحدي توفير العيش المناسب لهن ولعوائلهن، خاصة بعد ارتفاع نسبة الفقر في مناطق شمال غربي سوريا إلى 90 بالمئة، لكن المرأة لم تقف مكتوفة الأيدي في ظل الغلاء والنزوح وفقدان السند والمعيل، بل كافحت لمواجهة واقعها المرير وفتحت أبواباً جديدةٍ للعمل، ووجدت منافذ للعيش الكريم تتصدى بها الفقر، وتقاوم العقبات وتواصل الحياة بصبر وثبات، فاستطاعت أن تكون مصدر الرزق الأساسي لأسرتها.